عودة إستراتيجية الردع المرن الأمريكية في الشرق الأوسط – قتيبة آل غصيبة

عودة إستراتيجية الردع المرن الأمريكية في الشرق الأوسط – قتيبة آل غصيبة

ظهرت في الاونة الاخيرة على القنوات الفضائية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الكثير من الاخبار  التقارير والتصريحات لخبراء سياسيين وامنيين ؛ تؤكد وجود تحركات وتعزيزات للقوات الامريكية في منطقة الخليج العربي والعراق وسوريا ؛ والقيام بإحداث تغييرات جيوسياسية ؛ تستهدف ايران والمليشيات الموالية والداعمة لها في المنطقة ، الامر الذي اثبت فيما بعد عدم حقيقته ؛ بعد ان نفت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) على  لسان  متحدثها يوم 15 آب / أغسطس الماضي 2023 ?  فيما يتم تداوله في الإعلام المحلي ووسائل التواصل الاجتماعي بالعراق حول “تحركات عسكرية أميركية هناك ؛ مؤكدا هذا المسؤول ” عدم حصول أي تحركات من هذا القبيل في الايام القليلة الماضية سواء كان باتجاه العراق أو داخله ؛ مشيرا الى أن مقاطع الفديو المتداولة على أنها لقوافل أمريكية ؛ لا علاقة لها بالقوات الامريكية” .

والامر المؤكد ؛ أن واشنطن  قامت بتعزيز قواتها البحرية في الخليج العربي لتأمين  سلامة السفن التجارية التي تمر عبر مضيق هرمز ومياه الخليج العربي وحراستها من احتمالات احتجاز هذه السفن  من قبل البحرية الايرانية ؛ وكذلك قامت بتعزيز وإعادة انفتاح القوات الأمريكية المتواجدة في شرق سوريا الغنية بالنفط والغاز ؛ للحد من الدعم الذي تقدمه ايران ومليشياتها للنظام السوري ، وهذا الامر اصبح نشاطا معتادا للقوات الامريكية في تلك المنطقة التي تزخر بموارد النفط والغاز ، بغية حمايتها ؛ وضمان عدم وصول الفصائل المسلحة والمليشيات لهذه المنطقة؛ إضافة الى ممارسة الضغط على روسيا التي تحتفظ بقواعد عسكرية لها في سوريا ؛ بحجة دعم نظام الحكم فيها ؛ من أجل تخفيف ضغط روسيا في الحرب التي تشنها على أوكرانيا .

انظمة  الحكم

إن الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ فشلها الذريع في غزو وإحتلال افغانستان والعراق ؛ اتبعت نهجاّ في  عدم التدخل لتغيير انظمة الحكم بالدول الاخرى ؛ حيث انها عادت الى استراتيجيات الحرب الباردة التي مارستها ضد الاتحاد السوفيتي السابق ؛ وخاصة ضمن ما يسمى “استراتيجية الردع المرن” ؛ والتي وضعها عالم السياسية والاقتصاد  الامريكي “توماس شيلينج ؛ عام 1966 ? والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2005 ? (ت : 2016)” ? والتي تعني : ” استخدم الدولة للقوة أو التهديد بها لمنع الدول الاخرى من ارتكاب اعمال غير مرغوب فيها ؛ بحيث تسبب الضرر بمصالح تلك الدولة  ؛ وقد تشمل اجراءات عديدة منها ؛ تعزيز الوجود العسكري ؛ وتكثيف الضغوط الاقتصادية ؛ وتشديد العقوبات ؛ والتعاون الدولي لتحقيق الهدف المطلوب ؛ دون اللجوء مباشرة إلى العمل العسكري.” ؛ وبناءا على ذلك ؛ فإن  الولايات المتحدة لا تزال تمارس هذه الاستراتيجية ضد ايران منذ عدة سنوات ؛ والضغط عليها بالعقوبات الاقتصادية والتهديد بالقوة ؛ لمنعها من تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة ؛ بانتاجها لاسلحة نووية وصواريخ بالستية تشكل خطرا على المصالح والنفوذ الامريكي في منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي ؛ وتهديد امن الكيان الصهيوني الحليف القوي لواشنطن ، بالمقابل فإن إيران لا تزال تمارس استراتيجية الاستنزاف  للمصالح الامريكية في دول المنطقة عموما ؛  من خلال تدخلها في شؤون تلك الدول بما فيها العراق بإستخدام مليشياتها المسلحة في حروب بالوكالة ضد المصالح الامريكية ؛ مع مراعاتها اتباع سياسة  الانحناء أمام العاصفة ؛ وترك الباب مفتوحا للتفاهمات السياسية مع الولايات المتحدة الامريكية بصورة مباشرة او عن طريق وسطاء ؛ وذلك عندما تشتد الضغوط الامريكية عليها ؛ لذا فإن إحتمالات قيام الولايات المتحدة بضرب ايران وقيامها بعمل  عسكري يهدف لتغيير نظام الحكم فيها ؛ أمر مستبعد تماما ؛ على اقل تقدير الى نهاية فترة حكم الرئيس الامريكي الحالي بايدن والتي ستنتهي في نهاية 2024   وإن إيران المعادية للعرب ولدول المنطقة ؛ تكون   مطلوبة في نجاح سياسة التوازنات الامريكية في الشرق الاوسط والخليج العربي .

تصريح علني

ومن الجدير بالذكر ؛ فإن هناك من يصرح بشكل علني في وسائل الإعلام ؛ قيام واشنطن بعملية قيصرية لتغيير الوضع السياسي القائم بالعراق ؛ واستبداله بوجوه جديدة تمثل شخصيات وتيارات معارضة للعملية السياسية في العراق ؛ وهذا الامر مستبعد من قبل الادارة الامريكية ؛ وذلك من خلال تأكيدها الواضح والصريح في تقرير استراتيجية الامن القومي الامريكي الصادر في 12 ت1/ اكتوبر  2022   واثناء فترة حكم الرئيس الحالي بايدن ؛ بعد فشلها في غزو واحتلال العراق وافغانستان ؛ “بأنها لن تتدخل في تغيير الانظمة السياسية للدول ؛ وإن سياستها الجديدة قائمة على إقامة التحالفات والتعاون مع الدول التي تتماهى معها في مبادئ وأليات الديمقراطية الليبرالية  والاقتصاد الحر” ؛ وبما ان العراق يعتبر احد الدول التي تتبنى معايير الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد الحر ؛ فإن الإدارة الامريكية ستبقى  داعمة للنظام السياسي فيه ؛ وتسعى لحل المشاكل العالقة بينهما ؛ من خلال التفاهمات والسياسات المتوازنة ؛ وفي مقدمة هذه المشاكل ؛ الحد من النفوذ الايراني في العراق ؛ والاحزاب السياسية و المليشيات المدعومة من قبلها ؛ وهو أمر بدأ يأتي أكله على ما يبدو ؛ عموما فالدعم الامريكي لحكومة العراق الحالية ؛ مرهون بتحقيق المطالب الامريكية ؛ وايقاف كافة اشكال الدعم والتعاون العسكري والاقتصادي والمالي لإيران وأذرعها في العراق والمنطقة ؛ وبخلاف ذلك فإن الادارة الامريكية ؛ ستدير ظهرها للحكومة الحالية ؛ وتدعم التيارات  الاخرى المشــــاركة بالعملية السياسية والتي تحظى بتأييد شعبي واســـــع؛ وتتخذ موقفا معارضا من الحكومة الحاليــة .

مشاركة