عوالم الكاتب عـلي عبد النبي الـزيـدي المسرح أبو الأسئلة الكبرى – ثائر عبد علي
من اشهر كتاب العراق عربياً في مجال المسرح . حيث انتجت نصوصه في اكثر من دولة عربية واجنبية (سوريا، الجزائر، الاردن، السعودية، السودان، قطر، مصر، الكويت، لبنان، المغرب، البحرين، الامارات، سلطنة عمان، السويد، تركيا…) كتبت عن اعماله المسرحية العشرات من الدراسات والبحوث من قبل باحثين ونقاد المسرح في العراق والوطن العربي. وحصل على العديد من الجوائز عن أعماله التي تجاوزت الـ ( (50 نصاً مسرحياً ، نذكر منها (حقائق، كوميديا الايام السبعة، ثامن ايام الاسبوع، الشحاذ، جيل رابع، عودة الرجل الذي لم يغب، العد التنازلي لـ( مكبث )، مطر صيف، ابن الخايبة، قمامة، زوج بسطال، تحوير، اطفاء ئيثيوس، دنيا، يارب، باب الحوائج، فلك اسود، آخر نسخة منا، وجهت وجهي، كيف تصبح شريفاً في خمسة ايام ، وغيرها من الاعمال ) التي مثلت العراق وبعض الدول العربية في المهرجانات المسرحية . يقول (الزيدي) ” ايها الناس .. انا اكتب برأس مجنون حتى استطيع ان استوعب ما يحدث.. فخذوني على قدر عقلي ” . يشير ذلك الى ايضاح اسلوب الزيدي المتأثر في تيار العبث واللامعقول ، وشعوره باللاجدوى من كل شيء والعدمية والضياع والاحباط بعد مراحل الحرب الطاحنة التي خاضها بلده (العراق) والذي اصيب بها، بشظايا ورصاصة مازالت تسكن جسده المعارض لوجودها غير الشرعي رغما عنه . الحرب التي اخذت احد اخوته شهيداً. الحرب التي جعلته يشاهد اصدقاءه يتحولون الى جثث متفحمة . الحرب التي اثقلت مخيلته بأسئلة تثير الجدل الديالكتيكي بشكل مستمر ولا جواب لها . لماذا نقتل؟ ومن اجل من؟ هل نكبر من اجل حمل السلاح، لنحارب ونقتل . ولماذا ولدنا ؟ هل من أجل أن نحرق او نتقطع بشظايا قذيفة مدفع هنا او رصاصة طائشة هناك. كل تلك الاسئلة جعلته مرغماً على الكتابة عن الحرب ومخلفاتها ، وما احدثته من تهديم في بنية المجتمع . فالحروب هي من انتجت (الزيدي)، كما انتجت الحرب العالمية كتاباً متمردين بأفكارهم، وبتشكيل معمارية النص الدرامي. والذين هدموا كل مقاسات النظام الارسطي واشتراطاته وتهشيم القوالب التقليدية السائدة وغادرو الاماكن المغلقة والنهايات المغلقة والدلالات القصدية المغلقة التاويل واللغة المنطقية المغلقة المعنى، بل انطلقوا وعلى نهجهم بنية خطاب (الزيدي) في رحاب التاويل والتغريب والانفتاح والتضاد والديالكتيك والاسئلة الكونية والخطاب الكوني والفنتازيا واللاوعي واللاحدود للزمان والمكان.
فمناخات الحرب هي نفسها مناخات (صمويل بيكيت، يوجين يونسكو، كامو، وآرثر اداموف، جان جنيه، ادوارد البي، وآخرون) فالانتظار والقلق والسخرية والخوف والتهكم واللاجدوى والكبت والتوتر والوهم الزائف والتفسخ والاختناق والخواء الروحي، كل ذلك تجده في بنية خطاب النص اللامعقول لدى (الزيدي) والتي أدان بها فعل الحرب وسطوة السلطة الحاكمة ، وافرازاتها اللاانسانية . يضيف (الزيدي) ” راية اللامعقول العراقي كما أزعم مازالت مرفوعة ولا يمكن لها ان تتمزق وتتلاشى مادام الانسان مقموعاً ومنتهكاً في واقع ما يحدث فيه تجاوز حتى مفردة اللامعقول فعلاً “. ففي مسرحية (جيل رابع) جعل الأب الذي سمي (ابو ذراع) بعد أن قطعت ذراعه في الحرب. يقرر بتر ذراع طفله الصغير وهو مازال جنيناً في يومه الاول لكي لا يذهب لحرب جديدة عندما يكبر.
ابو ذراع: كم مضى من الوقت على ولادته؟ الام : مازال لم يكمل ساعته الاولى (..) ماذا تريد منه؟
ابو ذراع : ارغب ان يتمتع بحياة لا مخاطر فيها.
الام : بذراع واحدة ؟ ابو ذراع : ما ينفعه الذراع عندما تفصل الشظايا رأسه عن جسده؟
ابو ذراع : ليصبح شحاذاً، ليصبح بعيداً عن الحرب
وفي مسرحية ( قمامة ) جعل بيوت الشرف والطهارة والنقاء تتحول الى بيوت للدعارة بعد أن فقد ( الرجل او رجولته ) في الحرب ، وذلك فعل ادانة للحرب وسخريتها التافهة .
فالقيم تنهار في الحرب والشرف يداس أحياناً بعد غياب الاباء والازواج والاشقاء حطباً لنار الحرب . فبعد عودة (شريف) من الحرب وهو احد شخصيات المسرحية ، بعد غياب طويل وهو على كرسي متحرك ، بترت ساقيه الحرب ، فنكرت وجوده أمه وزوجته عفاف.
شريف : ماذا يحدث لكما ؟
عفاف: ماحدث لنساء شارعنا الجميلات الرائعات النقيات .. اتتذكرهن ؟ اللواتي كن كما الملائكة لايعرفن طريقاً آخر ، أتدرى لقد سلكن الف طريق
. الام : ماحدث لأمهات شارعنا الطيبات اللواتي لم تفرق اكتافهن العباءات اتتذكرهن؟ اصبحن بلا عباءات ولا ثياب ولا…
شريف : لا افهم سر الغموض هنا
. عفاف : الم تشاهد ماحصل لشارعنا؟
شريف : شاهدت نعم ، ابواب البيوت مشرعة ، ماتفسير ذلك ؟ احدهم ذو شارب طويل وكث ينادي بكلمات لم افهمها ، احداهن ، رباه اعرفها خرجت بنص ثياب انها زوجة شريفة كنا نضرب بشرفها الامثال ، زوجة جارنا خرجت هي الاخرى الى الشارع ولكن بربع ثياب .. وجوه غريبة لم يثأرها وجودي ، قــــلت ربما تحول شارعنا الى سوق .
عفاف : سوق من نوع خاص.
الام : سوق للاجساد الطرية الناعمة
. شريف : في شارعنا؟
عفاف : في شارعنا ، وفي بيتك…!
تحولت بنية خطاب النص المسرحي وعناصر الجذب الفيزيائي لدى ( الزيدي ) بشكل مفاجئ في السنوات الاخيرة بعد تغير نظام الحكم السلطوي الذي حدث عام 2003 فتحولت نصوصه من بنية العبث واللامعقول باتجاه عالم روحي تحيطه الروحانيات والتصوف والعرفانيات من خلال أعادة ترميم العلاقة مع ( الله ) من خوف وعذاب وجهنم الى حب وعتاب وتوسل. وهذا التحول أتى اعتراضاً على واقع مادي ثابت لم يتغير . واقع مازال ممتلئاً بالزيف والخديعة والسرقة والفساد . واقع شرير يتلذذ بتعذيبك واهانتك ويثير الرعب في روحك . واقع تتحول به الاحزاب والساسة على حد سواء الى ابطال كما يدعون وهم ليسوا سوى عباد للمال والسلطة ، لذا قرر مغادرته الى عالم روحي أخر والتخلص من هيمنة سلطة الواقع (الماديات) ، ففي مسرحية ( اطفاء ئيثيوس ) يجعل شخصية الاطفائي تقرر الصعود الى السماء عن طريق سلم طويل جداً واطفاء نار جهنم لأنها هي المسبب الحقيقي لكل الحرائق وإلانفجارات التي تحدث في الوطن. الاطفائي : صارخاً بالسكير : نعم.. لابد ان اطفئ نار جهنم هناك في السماء، سأصعد على هذا السلم الطويل ومعي خرطوم الماء، أطفئ مصدر النار فينتهي عصر الخوف والحرائق والعبوات التي تريد نسف أحلامنا أطفىء نار جهنم من اجل ان لاتحرق قلوب العاشقين في بغداد، فقلوبهم أترف مايكون، واقول يارب.. أوقف جهنمك في شوارعنا وبيوتنا وغرف نومنا الصغيرات ، أوقفها من اجل ان ينام الصغار لحظة واحدة دون خوف، لم يعد هناك اي متسع لحرائق تحرق روح الوطن يارب، أوقف نار جهنم في السماء لكي تتوقف النار في الارض… لن تكون هناك أية جهنم ، نريد الجنة فقط … وفي مسرحية (يارب) والتي تمحورت حكايتها المسرحية حول أم عراقية مفجوعة بمقتل أولادها الاربعة في حروب واغتيالات وانفجارات مجانية لا ذنب لها بصنعها. تخول الام المفجوعة كممثلة عن الامهات المعذبات بفقدان اولادهن. بالذهاب الى وادي (طوى) للتحدث مع المقدس السماوي الرحيم (الله ) سبحانه وتعالى. لايقاف قتل اولادهن خلال (24) ساعة والا أضطررنا الى التمرد والاضراب عن الصلاة والصيام لحين تحقيق المطالب . يقول ( الزيدي ) ” أدرك تماما أن المسرح هو أبو الأسئلة الكبيرة ، لذلك أنا كاتب غارق بالأسئلة التي خرجت من معطف الواقع الإنساني المعقد الذي أعيش في تفاصيله المروعة رغما عني ، ووجدت في نص (يا رب) لحظة الشروع بكتابته فرصة عظيمة لي لطرح أسئلتي حول كينونتنا وسط هول ما يحدث لنا من شطب وإلغاء لوجودنا من قبل قوى خُلقت لقتلنا، ربما السؤال في نص ( يارب ) ارتدى عباءة المتصوفة قليلا لينطلق الى مناخات من الصعب الإجابة عنها، وهي هنا تثير الجدل وتصطدم بالثوابت وهذا هو صلب ما يريد هذا النص الإشكالي ” . وختم قائلاً ” هذه مدوناتي هي صرخات بوجه هذه الدنيا التي لم اكن سعيداً فيها ، ولست سيئاً كما سيظن البعض ويرميني بالزندقة ، بل أنا كاتب مسرحي عربي خرج من معطف أسئلة كثيرة وقلق مستمر أنتجه الواقع الذي قذفت بداخله عنوة ، والامل عندي ليس سوى تلك اللحظة التي أغادر فيها ما يسمى بـ (الحياة) الى عالم أرحب وأجمل واكثر بياضاً وحباً ودفئاً”.