عواطف ومواقف – حسين الصدر

عواطف ومواقف – حسين الصدر

-1-

اذا استعرت نيران الشوق عند الشاعر أمسك بالفلم وكتب عما تمور به نفسه من أحاسيس ومشاعر .

وتأتي الكلمات منسابة عذبة تساوق في صدقها حرارة الإلتياع لبعد الأحبة وغيابهم .

اسمع ما قاله أحدُهم :

قلبُ المتيمِ كاد أنْ يتفتتا

فالى متى هذا الصدودُ الى متى ؟

يا مُعْرِضِينَ عن المشوق تلتفتوا

فعوائدُ الغزلانِ أنْ تتلفتا

كنا وكنتم والزمانُ مساعِدٌ

عجبا لذاك الشَمْلِ كيفَ تَشتتا

صَدٌ وبُعدٌ واشتياقٌ دائِمٌ

ما كُلُّ هذا الحال يحمِلُه الفتى

لقد حَمَّلَهُ أحبابُه من عناء الفراق والاشتياق ما ضاق به ذرعا .

أين هذه العاطفة المتأججة مِنْ اولئك الذين لا يذكرون اصدقاءهم اذا غابو ولا يحنّون اليهم حتى لكأنهم خُشبُ مُسَّندة ..!!

-2-

وهذا عمر بن حسن المراغي ت 778 هـ  وقد بلغ الثمانين واحتاج الى العصا لِيَهِش بها على الشيخوخة فقال :

ولي عَصاً مِنْ جريدِ النَخْل أحملُها

بها أُقدّمُ في نَقْل الخُطى قَدِمى

ولي مآرب أخرى أنْ أهش بها

على ثمانين عاماً لا على غنمي

والبيتان جميلان بعيدان عن التكلف، قريبان من البوح بما يعتمل في النفس .

-3-

ينسى الانسان أنه من طين ، وينحو بعضهم – لفرط الغرور – نحو الاستعلاء والتكبر على الاخرين ..!!

والى هؤلاء يقول الشاعر :

لا تفخرنَّ بما أُوتيتَ مِنْ نِعَمٍ

على سواكَ وخَفْ مِنْ كَسْرِ جَبّارِ

فأنتَ في الأصل بالفخّار مُشْتَبِهٌ

ما أسرعَ الكَسْرَ في الدنيا لِفَخّار

وهكذا – وبسرعة وبساطة – استطاع الشاعر أن يوصل فكرته الى كل متبختر متجبر محذرا من مغبة الانكسار .

-4-

ويدعو الشريف جمال الدين عبد الله الحسيني ت 776 هـ الى تهذيب النفس بالعلوم ، ذلك أنها النور الذي تشرق به النفس فتكون لحياتها قيمة، في حين أنَّ الموتى من الاحياء كثيرون لانهم حرموا انفسهم من أنوار العلم فاسمعه يقول :

هَذِّبَ النفسُ بالعلوم لترقى

وترى الكُلّ وهو للكُل بيتُ

انما النفس كالزجاجة والعقلُ

سِراجٌ وَحِكْمَةُ اللهِ زيتُ

فاذا أشرقتْ فانّك حيٌّ

واذا أظلمتْ فانّك مَيْتُ

-5-

بريق الذهب يُغري الناس بحُبّه ، فالذهب لاشكَ في أنّه  محبوب ومطلوب، والنسبة الى الذهب هي ( الذهبي )

وقد استطاع ( شمس الدين محمد بن محمد الشافعي ت 774) أن يوظف هذا المعنى حين اجتمع (بالذهبي) فخاطبه قائلا :

مازلتُ بالطبع أهواكُمْ وما ذُكرت

صفاتُكُمْ قطّ الاّ همتُ مِنْ طربي

ولا عجيبٌ اذا ما مِلْتُ نَحْوَكُمُ

والناسُ بالطبع قد مالوا الى الذَهَبِ

-6-

الحفاظ على ماء الوجه شأن ذوي النفوس الكبيرة المزدانة بالحياء، ومن غير المستساغ أنْ يريق المرء ماء وجهه بالسؤال ، واذا اضطر فلابد أنْ يسأل أهل الكرم والسخاء .

قال الشاعر :

ما اعتاض باذِلُ وَجَهِهِ بسؤاله

عِوضَاً ولو نالَ الغنى بسؤالِ

واذا بُليتَ ببذل وجهك سائلا

فابذِلْهُ للمُتَكّرمِ المِفْضالِ

واذا السؤال مَعَ النوال وَزنْتَهُ

رجح السؤالُ وخَفَّ كُلُ نوالِ

وشيمته أهل البيت (ع) أنهم يطلبون مِن ذوي الحاجات كتابَتَها لئلا يروا في وجوههم ذل السؤال

وهنا تكمن العظمة  حيث أنهم القمم الانسانية الشامخة ، كما أنهم القمم الرسالية التي صانت الدين وحمته من عبث العابثين عبر التضحيات الجسام والملاحم الخالدة .

مشاركة