عملية بولونيا التعليمية في مقال متعدّد الأبعاد – عبد الرضا سلمان حساني

(لاي- فاي ) الزمان    (44)

عملية بولونيا التعليمية في مقال متعدّد الأبعاد – عبد الرضا سلمان حساني

بولونيا الأورپيّة

هذه العمليّة هي سلسلة من إجتماعات  وزارية وإتفاقيات حكومية أورپيّة لضمان المقارنة في معايير وجودة مؤهلات التعليم العالي ( هي ليست نظىاماً تعليميّاً). ولقد خلقت هذه العملية، وبموجب مؤتمر لشبونة،  مجالاً سمّي بمجال التعليم العالي الأورپي الواضح من عنوانه. ويراد بهذه العملية  أحياناً، مثل تعليمات لإعادة تشكيل منظومة التعليم العالي وتجاوز الحواجز   والعقبات التي تحول دون التطوير المدروس. لقد إكتسبت  هذه العملية إسمها من جامعة بولونا(بولونيا)  الإيطاليّة التي تمّ توقيغ الإعلان فيها في العام 1999 بحضور وزراء تعليم  29 بلداً أورپيّاً.  وكانت العملية منفتحة الى بلدان أخرى في أطار  مجلس المؤتمر الثقلفي الأورپي وإجتماعات  ممثلي الحكومات التي إنعقدت في براغ (2001)، برلين (2003)، بيرغن-النرويج (2005)، لندن (2007)، ليوڤن- بلجيكا(2009)، بوداپست -ڤيينّا (2010)، بوخارست (2012)،    ييريڤان- أرمينيا (2015)، پاريس (2018)، روما (2020) ، هنا يجب أن نذكر  ما هو موثّق في شؤون العمليّة؛  فقبل توقيع الدول على إعلان بولونيا،  قام رؤساء الجامعات الراغبة في الإنضمام، بتوقيع وثيقة جامعية، في العام 1988، للحرية والإدارة الذاتيّة للجامعات بإطار  منهجي ينسجم ويتفاعل مع مضمون الوثيقة. لقد وُ قّعَ إعلان سوربون في پاريس عام 1998 من قِبل وزراء تعليم كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا  للتنسيق في مجال  التعليم العالي وتشكيل بنيانه أورپيّاً. وأصبحت عملية أو إعلان بولونيا يضم 49 بلداً إنضمّت تباعاً بعد العام 1998. ونشير أيضاً الى أنّ الهدف الرئيسي هو  ترقية حركيّة الطلبة والملاكات العاملة ومناقلتها وقابليّة توظيفها، بتأكيد على البعد الأورپي للتعليم العالي. وبموجب التنوع الوطني لمنظواماتها،  يتعهد أعضاء مجال التعليم العالي الأورپي لتبنّي مايأتي:

– منظومة مشتركة لشهادات دپلوم  واضحة المناهج وقابلة للقراءة والمقارنة بسهولة،

– إطار  عمل قائم بشكل خاص على دورات الشهادات الرئيسية وهي: البكلوريوس والماجستير  والدكتوراه،

– منظومة مشتركة لتوكيد الجودة التي توضّح المعالم الأساسيّة لمناهج أعضاء مجال التعليم العالي الأورپي وتأثيراتها الميدانيّة المباشرة ونتائجها.

التعليم الأورپي

إقرار التشكيل في آذار 2010، كإطار عمل تعليمي لجامعات من الدول الأورپيّة. الموقع، أورپا، عدد الأعضاء 49 دولة منذ  أول (ظهوره) مع عملية بولونيا في العام 1999، أُعلن الهدف الرئيسي له؛ وهو ضمان منظومة تعليم عالي أورپيّة متماسكة وتنافسيّةوصالحة للمقارنة.

وما بين عامي  1999و 2010، بُذلت جهود أورپيّة حقيقيّة تضمّنها إعلان بودابست-ڤينّا  الصادر  في شهر آذار(مارس) 2010. وهناك إتفاق يتضمّن؛ أنّ أي بلد يريد الإنضمام الى مجال التعليم العالي الأورپي، عليه أن يوقّع على معاهدة المؤتمر الثقافي الأورپي المشار اليها في محاضر إجتماعات ومواقع المجال  التعليمي الأورپي.

الترويكا المهنيّة

يعني مصطلح (ترويكا) في اللغة الروسية ؛وصف عربة يجرّها ثلاثة خيول. ولقد  شاع إستخدام  هذا المصطلح  في  القرن 17، حيث كانت الخيول هي واسطة النقل السائدة هناك وفي دول أخرى.  وفي العام 1960، أدخل  الإتحاد السوڤيتي هذا المصطلح الى مكتب سكرتارية الأمم المتحدة   ليُدار  من قبل ثلاثة أشخاص بدلاً من سكرتير  واحد.  وفي العام 2005، أُدخل مصطلح (الترويكا الأورپيّة) الى وسائط الإعلام للإشارة الى ثلاث دول هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا في عقد مفاوضات وإجتماعات. وأصبح المصطلح مألوفاً في  وصف  أي عملية  تنظيمية تتشكّل إدارتها  في ثلاث أو تكون قيادتها بثلاثة أشخاص أو منظمات أو دول، وحسب طبيعة العملية وشؤونها. وإذا ماأردنا الموائمة والتشبيه، فيمكن الحديث عن أي ترويكا مهنيّة عندما تدار   أو تقاد من قبل رئاستها الحاليّة والتي سبقتها والثالثة هي القادمة بموجب برنامج العمل والتخطيط المبرمج،  وغياب المحاصصة المفروضة في تسنّم إدارة العملية. وإنّ الإبتعاد عن المحاصصة في أي عمليّة يعني إلغاء التبعيّة وتبلور  القرار  المتفاعل الذي يشبه إدارة الترويكا، أو  ربما ترويكا متعددة، إن صحّ التعبير. وإذا ماأردنا نمذجة مانقول، فسأتناول العمليّة التعليميّة وما تعرضه وسائط الإعلام ومواقع التواصل  عن بعض الصور الواقعيّة، ومنها مبررات غير واضحة وغير مقنعة في تداعيات  التطوير المنهجي للإختصاص الدقيق على صعيد البنية التحتيّة والمناهج البحثيّة الميدانيّة وملاكاتها العاملة في بيئتها بضمنها السيرة العلميّة لموقع القرار  والإقرار.  وفي قول وفعل ذلك، نرى أنّها  مقاربة حاضرة وخطوات نحو  حماية العمليّة من التشوّهات الحاصلة أو المحتملة، متذكّرين أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد   أُستحدثت منذ  أكثر من خمسين عاماً، ولها ومنها ماأنجزته من عناوين ومهام جسام، وبأكثر من عشرين وزيراً على مدى تلك الأعوام.

 ندوة النهوض

كلّما نقرأ  أو نسمع أونكتب، بل وحتى عندما نتحدث عن التعليم العالي في العراق، يعلو أمامنا عنوان

بارز  ورصين، تلك هي ندوة النهوض بالتعليم العالي في العراق التي وُضعت مفرداتها وخطوات التنفيذ في بداية التسعينات من القرن الماضي. لقد جاءت الندوة ردّاً متماسكاً  ومثاليّاً فعّالاً على العدوان الثلاثيني الظالم الذي تعرّض له العراق في العام 1991 وقرارات الحصار  اللاإنساني التي أعقبت ذلك. لقد إستهدف العدوان البنية التحتيّة لجميع قطاعات الحياة والمجتمع دون تمييز  ومنها التعليم العالي ومؤسساته.

وفي الوقت الذي تفاعلت فيه مفردات الندوة بخطوات التنفيذ بإدارة الأستاذ الدكتور همام عبدالخالق، وزير التعليم العالي والبحث العلمي لدورتين، بدت نتائجها ومخرجاتها تنتشر وتتضح على أرض الواقع بمرور الزمن وبتكاتف جهود الملاكات الجامعية والمختصين في القطاعات الحكوميّة الساندة.

ورغم سنين الحصار الشرّير وقراراته المجحفة، فقد أُستُحدثت جامعات حكوميّة (ليست أهليّة)، وأصبحت تغطي جميع المحافظات. وتوسّعت فيها التخصصات ووُضعت آليات للتنسيق بين الجامعات ومؤسسات الدولة المختلفة لأغراض البحث والتطوير والإعمار بعد إستحداث أقسام للبحث والتطوير في الوزارات وتخصيص نسبة مئوية من ميزانية كل وزارة لهذا القسم  العامل فيها رغم الحصار  المقيت.

وفي  عقد التسعينات صدر قانون رعاية العلماء رقم  1 لسنة  1993،  وأتذكّر أنّه شمل  139  عالماً عراقيّاً في الإختصاصات الطبية والهندسية والعلمية والإنسانية ومن جميع أنحاء العراق.  وكذلك صدور تعليمات ومعايير تحديد الملاكات العلميّة والمشمولين بها في المؤسسات كافة ومتابعة المشاريع البحثيّة لطلبة الدراسات العليا ووجوب تلبيتها  لحاجات المؤسسات العاملة في جميع القطاعات وقيام الوزارة بتسمية مختصين لحضور جلسات مناقشة الأطاريح والرسائل كمستمعين لأغراض التقييم الموازي (الكابس العلمي) ومقارنة ذلك مع تقييم اللجان.  وفي هذا الإطار صدرت مجلاّت علميّة محكّمة رصينة لنشر البحوث في الجامعات العراقيّة وبعض المؤسسات ووضع معايير دقيقة للترقيات العلميّة وكذلك تسجيل براءات الإختراع ومتابعة تطبيقها  لدى المؤسسة المستفيدة المختصة ميدانيّاً.  وهنا نذكر أنّ (المجلّة العراقيّة للعلوم ) مثلاً، كانت مفهرسة في مكتبة إحدى الجامعات الرصينة والمعروفة في المملكة المتحدة وتوجد أعداد من المجلّة مصفوفة في رفوفها آنذاك-عقد الثمانينات. والقائمة تطول بما تحقق من إنجازات علميّة وتكنولوجيّة رصينة وهي موثّقة بالصورة والوثيقة لدى الجميع بضمنهم الغزاة المعتدين المحتلّين. ونُبقي هذا المقال مفتوحاً للتداول حتى نناقش من يرغب في التحدث عن عملية بولونيا التعليميّة وخصوصاً  مع المعنيين  المهتمين بالإنضمام اليها.

سطور الختام

تعالي لنجمعَ ماتبقى من عشقنا

نعود الى ظلّ نخلة تسمع مانقول

وزورق الموسم الأول في لقائنا يرسم في شراعه بقية الفصول

حينئذ يلوح في عينيكِ

لون عشقنا القديم

فيصبح فينا ولنا عشقان

في حكاية لأجلنا تطول

{  پروفسور  فيزياء الپلازما- عضو معهد الفيزياء في المملكة المتحدة

مشاركة