عزلة

عزلة

 بينما كنت جالسة في احد مقاهي اسطنبول كنت وحيدة ذهبت ولم يكن بجعبتي سوى بعض النقود وكتاب الذي اخترته بعناية وأسرفت الكثير من الوقت في المكتبة حتى قررت ان أقتنيه وبعد طول تفكير اخترت الكتاب الذي شعرت من خلال عنوانه انه كتب لكي اتمكن من قراءته (مائة عام من العزلة) ومن يفهم العزلة بقدر ماافهمها فمنذ تدهور الوضع الامني في بلدي وتهجير عائلتنا الصغيرة وانا صنعت لنفسي عالمي الصغير الذي اعيشه داخل غرفتي بعيدآ عن الجميع .. اللعنة على ذلك الخوف .. خوفي من فقدان من يتعلق به قلبي جعلني أنطوي على نفسي وأخلو في عزلتي الضيقة وعالمي الضيق.. فجأة وبدون أي مقدمات جاء صوت غير مألوف على مسمعي (أنت عربية).. كان صاحب هذا الصوت سامر الشاب الثلاثيني الوسيم الذي كان يشاركني نفس الشغف (شغف القراءة).

لا اذكر كم قضينا من الساعات ونحن نتبادل اطراف الحديث تارة عن الكتب وتارة اخرى عن سوريا وعن بلدي العراق.. كان يؤلم قلبي حينما يتحدث عن بلده سوريا وعن كل ماعايشه قبل الهجرة الى اسطنبول والاستقرار. وكيف لا أفهمه ومن سيستطيع ان يفهمه اكثر مني وانا بنت العراق التي رأت كل شيء بعينها من الحروب والقتل والخطف وكل ماهو بشع ومؤلم ولا يحبذ الانسان ان يمر به ويتذكره .. ليت هذا الجزء من ذاكرتي يمحى، فجأة وبصوت مملوء بالحسرة سألته(سامر جنت تتخيل اكو ناس بهاي البشاعة تقدر تقتل بدم بارد).

كان جوابه ونبرة صوته المذبوحة صدمة وغصة في قلبي حينما قال (ماكنت اتخيل بس اذا بدك تأكدت من بعد ما اغتصبوا أختي وقتلوها بدون رحمة).

ارتبكت بعد هذا الجواب المؤلم كاد صوتي  يختفي ولم اجد الكلام المناسب لكي اتدارك شدة غبائي كيف لي ان اسأل مثل هذا السؤال وانا اعلم جيدا ما عانيناه طيلة هذا السنين .. وماذا يمكنني ان اقول حتى الكلام خجل امام مواساة صديقي الذي دامت صداقتي به لنصف يوم فقط .. يا ترى كم فتاة لاقت نفس مصير اخت سامر ولم يثر احد ؟!

كم من قصة دفنت مع الفتيات دون ان يسمعها احد بعد كل ماحدث غرقت في عزلتي بعد ان أيقنت انها الحل الوحيد لراحتي في زمن كثرت به الحروب وطغى عليه الظلم وحدها ارواحهم عانت كل ذلك الألم .

جوانا العسيلي

مشاركة