الفرقة السمفونية الوطنية العراقية في حفلها الأخير
عرض متعدد الألوان يغطي العصور والأشكال الموسيقية – فنون – حسام الدين الأنصاري
أقامت الفرقة السمفونية الوطنية العراقية حفلها الدوري لشهر آذار مساء السبت الماضي على مسرح قاعة المسرح الوطني والذي تزامن مع عيد المرأة العالمي ، وقد تميز الحفل بالاقبال الشديد من قبل الجمهور الذي اكتظت به قاعة المسرح العملاقة والتي ضاقت بهم كراسي القاعة مما اضطر الحاضرون الى اشغال الممرات ومدرجات القاعة وقوفاَ طوال مدة العرض الموسيقي ..
ومن اللافت للنظر بأن غالبية جمهور الحاضرين هم من النخب المثقفة من أدباء وتشكيليين ومسرحيين وشعراء وموسيقيين ومن طلبة واساتذة المعاهد الفنية والموسيقية ، إضافة الى الرواد من الشباب الذين يحافظون على حضور حفلات الفرقة السمفونية باستمرار بعد أن تنامى تعلقهم بحضورها وتواصل حضورهم لحفلاتها وأصبحوا أكثر فهماّ واستيعاباَ للفن الموسيقي السمفوني خاصة وان عروض الفرقة السمفونية أصبحت تحتل الفراغ الذي طرأ على الحياة الموسيقية وأصبحت أكثر قدرة على طرد الفنون الواطئة والحفلات الغنائية الرخيصة التي كانت تجذب شرائح الشباب ولاسيما العروض الغنائية التي تفتقر الى مقومات الفن الغنائي الموسيقي الرصين نتيجة لغياب النص الجيد المحتشم واللحن الجميل الذي يصنعه الموسيقيون المحترفون ، والصوت اللائق الذي يصنع الفن الجميل بعيداَ عن الزعيق والصياح والتفاف الراقصات من الغجريات اللواتي يجذبن اهتمام المشاهد الى عرض مفاتنهن ولا دور للمغني وسطهن إلا بكونه مهرجاَ يؤدي حركات مخدشة للحياء . ولقد نجحت الفرقة السمفونية في حفلها هذا بالاختيار الجيد للاعمال التي أحسن قائد الفرقة السمفونية المايسترو محمد أمين عزت اختيارها لقربها من ذائقة الجمهوروالتي أحسن عازفو الفرقة اداءها بحرفية عالية .
وفي أول مبادرة من نوعها على مدى الفترة الماضية حظيت الفرقة السمفونية باهتمام متميز تمثل بالرعاية الشخصية وحضور الحفل من قبل وزير الثقافة فرهاد راوندزي طيلة فترة العرض بكافة فقراته المتعددة معبراَ عن حرصه ورعايته وتشجيعه للفرقة الذي يدفع أعضاء الفرقة الى المزيد من الرغبة في التطور ، هذا بالاضافة الى حضور المشرف على الفرقة وكيل الوزارة مهند الدليمي الذي كان حاضراَ في كافة عروضها الفنية ، مما يؤكد اهتمام الوزارة بهذا الصرح الفني الذي يعتبر بحق الواجهة الثقافية الرئيسية للوزارة لدورها في بناء الثقافة الموسيقية الرصينة التي تعتبر جزءاَ من الثقافة الانسانية ومحوراَ من محاور الحضارة العالمية .ولقد تميز العرض الموسيقي الذي قدمته الفرقة بالتنوع الذي جعل تعدد الالوان الموسيقية من حيث العصور الموسيقية التي تناولها والاشكال الموسيقية التي كانت مختلفة بحيث استحوذت على اهتمام الجمهور بعيداَ عن التكرار والرتابة بما تميزت به كل مقطوعة بشكل مختلف من ناحية الشكل والاسلوب خاصة وانها كانت من فرائد القطع الموسيقية العالمية لعمالقة التأليف الموسيقية الذين لا يزال التأريخ يحتفظ لهم بالمكانة الفنية العالية التي لم يتجاوزها فنانو العصر الحديث ، والتي أضفت جواَ احتفالياً ومفاجأة للجمهور بتقديم هذا التنوع الجميل .وتجدر الاشارة الى ان اغلب المقطوعات التي قدمت والتي ألفها عباقرة الموسيقى العالمية تعود في الأصل الى نصوص أدبية وثقافية عالمية أو انها وضعت اكراماً لمناسبة معينة لها حضورها في التأريخ .
وقد كانت بداية الحفل افتتاحية اوبرا ( زواج فيغارو ) للموسيـــقار النمساوي (ولفغانغ أماديوس موزارت – 1756 – 1791 ) الذي ظهر نبوغه وموهبته الخارقة في وقت مبكر وهو لم يتجاوز سن الرابعة ، والمقطوعة هي من الاعمال التي تتميز بخفة الانتقالات الموسيقية ، وهي مستوحاة في الأصل من مسرحية للكاتب الفرنسي (بورمارشيه ) والتي عرضت بنجاح لأول مرة على مسارح (فيينا ) عام .1876
وكانت الفقرة الثانية في المنهاج مقطوعة ( رقصة هنـــــــــــغارية رقم 1 للموسيقار الالماني ( يوهان برامز 1897- 1833) والذي يعتبر من أساطين المدرسة الرومانتيكية في التأليف الموسيقي ، والذي جاء بعد الموسيقار الالماني ( بيتهوفن ) ليبدأ مرحلة الرومانتيك التي أدركها بيتهوفن في نهاية أعماله الموسيقية .. وكانت مقطوعة الرقصة الهنغارية رقم (1) احدى اعماله من بين سلسلة مقطوعات موسيقية تحت تسمية رقصات هنغارية متأثراً بالايقاعات الشعبية الهنغارية ، وقد استقبل جمهور الحاضرين في القاعة هذه المقطوعة بحرارة وشغف بسبب الحانها الجميلة السلسة من جهة ولكونها طرقت مسامع الجمهور في أكثر من مناسبة وكانت مألوفة لديهم من جهة أخرى .
ثم جاء دور المقطوعة العراقية بعنوان ( أيام زمان ) التي وزعت اوركسترالياً من قبل قائد الفرقة محمد أمين عزت والتي وضعها الموسيقار وعازف العود العبقري ( جميل بشير ) منذ ستينات القرن الماضي والتي عمل الموسيقار محمد أمين عزت على وضعها بصيغة مقطوعة موسيقية في قالب اوركسترالي مصاحب لآلة العود التي أدى العزف فيها المتألق (احمد سليم غني ) من مواليد عام 1972 وهو أحد عازفي الفرقة السمفونية الوطنية العراقية على آلة الكونتراباص اضافة الى كونه عازفاً عود ماهراً. وتأتي الفقرة الرابعة لتعزف الفرقة (الرابسودي الهنغاري رقم 2 التي وضعت بالاساس للاوركسترا بمصاحبة آلة البيانو وتعتبر من روائع الموسيقى الرومانتيكية التي وضعها الموسيقار ( فرانسز ليست 1811 – 1886 ) والذي يعد من بين أشهر العازفين على آلة البيانو عبر تأريخ الموسيقى ، وقد حصلت الكثير من التغييرات على هذه الرابسودي حيث تم تحويلها الى عمل اوركسترالي بتوزيع مختلف من قبل موسيقيين محترفين آخرين .. ومن الطريف ان نشير الى ان المقطوعة لاقت حماساً شديداً من قبل الجمهور لكونها من المقطوعات المسموعة عند الجمهور لمرافقتها في افلام كارتون ( توم وجيري ) والتي استحوذت على اسماع مشاهدي التلفزيون .
وكانت المقطوعة التالية التي احتلت التسلســـل الخـــامس مقطــوعة ( ليلة على الجبل الأجرد ) للموسيقار ( موديست موسورغسكي 1881-1839) والذي خدم في الجيش الروسي برتبة ضابط ثم استقال ليتفرغ للتأليف الموسيقي ، وكان واحداً من بين ( مجموعة الموسيقيين الروس الخمسة الكبار ) الذين تبنوا النزعة القومية في مؤلفاتهم الموسيقية والسعي لتخليصها من المؤثرات الغربية في التأليف الموسيقي واعتماد الفولكلور والتراث الموسيقي الروسي العريق في موسيقاهم . وكان موضوع المقطوعة الموسيقية مستوحى من الاعمال الأدبية الروسية المليئة بالاساطير والذي يدور موضوعها حول أعمال السحر .. ورغم ان المؤلف قام بتأليفها عام 1867 إلا انه لم يضعها بشكلها الكامل وتركها ليقوم زميله الموسيقار الروسي (رمسكي كورساكوف ) باعادة ترتيب العمل واستكماله دون المساس بجوهر اسلوب (موسورغسكي ) حيث عزفت على مسارح موسكو وبلدان أخرى سنة 1886 بعد خمسة سنوات من وفاة مؤلفها وقد كان لها وقعاً طيباً عند عزفها بحضور الجمهور العراقي لما تتمتع به الموسيقى الروسية من روح شرقية وخاصة (الموسيقيين الروس الخمسة الكبار ) لاعتمادها على الموسيقى الروسية الفولكلورية التي لا تخلو من الالحان والايقاعات المتأثرة بأجواء الشرق .
ثم جاء دور المقطوعة السادسة للمـــــــوسيقار النرويجي ( ادوار كــــــريك 1907- 1843 بعنوان (بيرغنت سويت رقم 1 ) المفعمة بالاسلوب الوصفي الرومانتيكي والتي تعتبر من أجمل اعماله الموسيقية التي سخّر فيها مجموعة من الالحان الشعبية النرويجية ، والتي يصور فيها انبلاج الفجر وظهور الشمس لتنشر ضيائها ودفئها على الارض .. ومن بين أهم اعماله الموسيقية قاطبة (كونشيرتو البيانو والاوركسترا ) التي قدمت لاول مرة في عام 1869 ولاقت نجاحاً كبيراً في عرضها الاول .
وجاء تسلسل المقطوعة رقم 7 للموسيقار بيوتر إليتش تشايكوفسكي 1840 – 1893 بعنوان المارش السلافي وهي المقطوعة الموسيقية التي كتبها بتكليف من جمعية الموسيقيين الروس والتي يغلب عليها الطابع البطولي لكي تقدم في حفل موسيقي لجرحى الجنود الروس في الحرب الصربية التركية حين كانت صربيا جزءاً من الامبراطـــوريـة الروسية ، وان ما يميز المقطوعة سلاستها وسهولة استقبالها لما تتمتع به موسيقى تشايكوفسكي من حلاوة وروح شرقية .
وتأتي اخيرا مقطوعة (تسكالوسا تانغو ) للموسيقار المعاصر ( دانييل لو سمبسن ) المولود سنة 1959 وهي موضوعة في ايقاع التانغو .. والتي تكثر فيها مداخلات الالات القرعية الايقاعيـة لما تتضمنه من ألحـــان راقصة .
وبأنتهائها أشرف برنامج الفرقة السمفونية على الانتهاء والذي كان ناجحاً بكل المقاييس قيادة وعزفاً وتنظيماً وحضوراً .


















