
عراقي يهبط على القمر
قبل قليل كنت أتابع في الأخبار عودة ثلاثة رواد فضاء أمريكان وآخر ألماني إلى الأرض على متن كبسولة صنعتها “سبايس اكس” هبطت في البحر قبالة سواحل فلوريدا بعد ما يقرب من ستة أشهر في الفضاء.
وهناك رحلة جديدة ستنطلق لعلماء آخرين بعد أيام.
وبموازاة ذلك باتت الرحلات السياحية الى المجال الفضائي للأرض سالكة في الشهور الأخيرة، وهناك طموح يبدو قريب التحقق مع التقدم التكنولوجي لكي يصل السياح وليس رجال الفضاء الى القمر. الرجال الأثرياء والمشاهير الذين شبعوا من شهرة الأرض واموالها ونجوميتهم فيها، تدفعهم الرغبة للاستزادة من التفوق في امتياز الامتلاك والتفرد، وليس هناك مجال أكثر لمعاناً من ارتياد الفضاء.
وأصبحت محطة الفضاء الدولية التي يرتادها علماء من دول مختلفة، الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، هي الملتقى اللامع في الفضاء بين الدول التي تحلم بالحصول على امتيازات العلم والثروة والقوة من عالم جديد، كما كانت في مراحل استعمارية قديمة حين تغزو بلداناً في عمق افريقيا وآسيا بحثاً عن كنوز الأراضي المجهولة البعيدة، لكن الحال يبدو مختلفاً، وان الدول المتقدمة ترى نفسها كم هي صغيرة امام الطبقة السفلية للفضاء المحاذي للأرض في مجرة يوجد آلاف المجرات سواها كما يقول العلماء أنفسهم.
اللافت انّ العلماء يعودون من رحلة القمر او المريخ او المحطة الفضائية من دون تصريحات موجهة للبشرية، لا يقولون شيئا عن احساسهم وطبيعة تفكيرهم، وهم في أعالي الفضاء، هل يحلمون بالأرض ام بأشياء جديدة وغريبة حين ينامون في مركباتهم الفضائية، وما هو شعورهم إذا انقطعوا عن الأرض ولن يعودوا اليها؟ هل تجذبهم اسرار هذه العوالم الفضائية لدرجة ان يعشقوا المكوث الابدي معها ام انها لا يصدقون متى تنتهي مدة ابحاثهم المقررة للعودة الى عوائلهم على الكوكب والرجوع لممارسة حياتهم الروتينية؟
ثمة حلقة مفقودة، ربّما تعدها الدول والشركات العملاقة من الاسرار، وربّما تمرّ عابرة من دون اكتراث، كون الرحلات أصبحت متكررة وشبه عادية، وليست كالهبوط الأول على سطح القمر الذي كان
في يوم 20 يوليوز 1969 من قبل اشهر رائد فضاء اسمه ” نيل أرمسترونغ ” الذي كتب في دفتر مذكراته هذه السطور الخالدة: أنا إنسان واقعي ، ولا أمتلك شخصية حساسة !! فعندما تركت منزل والدي لم أبك … عندما توفى والدي لم أبك.. عندما وجدت عملاً في وكالة ناسا الفضائية، لم أبك … عندما وضعت رجلي على سطح القمر لأول مرة لم أبك.. ولكن حينما نظرت من هناك إلى الكرة الأرضية، خنقني الحزن والغم ثم أجهشت بالبكاء وترددت في تعليق العلم الذي كنت أحمله؛ وغرسه على وجه القمر.. أتعرفون السبب.!!
حينما نظرت للأرض، من تلك الفاصلة الصغيرة، وأنا على وجه القمر، رأيتها كرة زرقاء كنقطة صغيره بلا لون بلا حدود بلا قوميات بلا جنسيات.. بكيت .. وقلت في نفسي على ماذا نتحارب نحن البشر ونقضي على بعضنا البعض.. وضعت إصبعي الإبهام أمام الأرض ورأيت بأنه غطاها بالكامل..
كنت أبكي بحرقة على كل هذا الجهل، والعمى، والتعصب، الذي غرقنا فيه.
انتهى كلام آرمسترونغ، وأتساءل هنا، ماذا لو كان بين الصاعدين الى القمر عراقي واحد لينظر من هناك الى ما يجري في البلد، ويرى كم يبدو هذا الصراع الجاري تافها، بل أكثر من تافه.
فاتح عبد السلام



















