في بوح شديد العذوبة عبد المطلب السنيد: الخارج ضيّق والداخل فسيح عبد جبر السنيد وهو يغسل وجه البحر بنعاس الطفولة باسلوب رشيق ولغة مشذبة قادرة على الايحاء والاستذكار ، لغة رقة ودقة ، لغة حسية قادرة على تطويع الواقعي والمتخيل وتحويله الى متعة رؤيوية متماسكة . انه يؤاخي بين الفيزيقي والمتخيل ويبتعد في كل مدَوناته عن معالم المسطح وينقل ما يحتفى به او يؤسس عليه رغم مستويات التباين والتعارض الظاهر وبين تلك الحيوات التي تبدو نمطية لكنها ضاجة وصاخبة في الداخل مع ادراكه المسبق بأن هناك دوال تتخذ منحى الفرادة بين المدركات الحسية وبين تجليات الكتابة الابداعية عند اشعاعها في مناطقها القصية وبين من يحدوهم العماء الفكري والاشارات المعرفية البليدة لتغذية الاثنية وتأجيجها على حساب الخلق الراقي . بعد هذه الرحلة العجائبية الى مجاهيل العالم ومن ثم اللا استقرار في امريكا حاورناه … { هل باض ديكك في حضن خصم صاخب أسميته جزافا ” أمريكا ” او سرقك التلذذ من مجاور مهيمن اسمه ذاكرة جمعية ؟ – في البدء أود ان أحييك على أنساق اسئلتك المغايرة للتقليدية والنمطية التي تنتج عنها اجابات تقليدية نمطية ايضا وهذا ما أخذه علينا المستشرقون الاوائل من ان نمطيتنا الجمعية تتعامل مع المركز وتهمش المتن دون استنطاق مبصر لدرب العقل والقلب في منطق اشياء المتلقي والمنتج او بين أثر ومؤثر هذا أولا . اما الثاني وهكذا يبدو لي معتقدا ان في اسئلتك منحى فلسفيا . ولذا فيجوز لي ان استخدم نظام الاواني المستطرقة التي تأخذ شكل الخطاب الموجه بخطاب يحاكي الشكل نفسه مع مغايرة مضمونه ، وبهذا اقول ان كل شكل يولد في مضمون وكل مضمون يتوالد فيه شكل . عودا لسؤالك هل باض ديكي كما جاء في نصك الخ .. لقد توزع عمري الذي تجاوز الستين بين نصفين اوله ( مح ) بموروثنا الجمعي لديكي الذي يبيض معنى ، ونصفه الثاني ( مح ) اقامتي في أمريكا حيث تناسلت ثقافتي بين ( محين ) ، وأفضلهما هو البيض ( ابو محين ) . انا انتمي لمحاكاة الانسان بمعرفين معرفة ساكنة كالقراءة والكتابة ، ومعرفة متحركة تنتج عن اشتعالي في التمثيل والاخراج والتدريس الجامعي . والمعرفة بأشكالها هذه تمثل ضربا من السحر التشاكلي كما هو التمثيل بلغة الجسد الذي كان يمارسه السومريون . وطالما انك تحاكي الاشياء معرفيا ، فأنت في قلب رحى التلقي والانتاج بهذا التشاكل ( ابو المحين ) ، والاثنان يمثلان تربية للنفس كالرياضة يتشارك فيها الذوق والحس الذي ينتمي لمركز العقل والقلب ، وهي نظرية المعرفة الروحانية التي تربط العقل وبالقلب في استنطاقهما للواحد الواجد كما جاء في سورة الحج في القرآن الكريم ” أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها .. ” . { أحيانا تعقلن الاسطورة في كتاباتك وتجعلها اليفة بل قريبة من المتداول اليومي .. هل هذا الحفر المتمعن في تاريخ الحضارات أجج ذلك لديك ، أم هو طغيان ما هو ابداعي جعلك قادرا على توظيف ما هو اسطوري في مخيالك النصي ؟ – على الاعم تشتغل الفلسفة على الخوض في زوايا الالتقاط في المعنى ومعرفة المعنى لتجمع بين المنطق والدلالة ، وانا الفقير لله اود الاشتغال على خلق الالفة التي قصدتها بين الاثر والمؤثر باحثا عن حريتي في الاستكشاف والاستنطاق وصولا لتحقيق الدهشة التي أول ما تتشكل عندي في ذاتي . والدهشة المرجوة هي اكتشاف فيه من الالم مثلما فيه من السعادة لي ككاتب او مخرج او ممثل . ألم تسكن تلك الدهشة والخوف في ميتافيزيقيا الحضارات القديمة ؟ ألم تبعث النفوس الى رعبها حين اصطكاك السماء رعدا وفيضانا لتحدد لها منفذا روحانيا تعتقد انه المحور لهدوئها من غضب الطبيعة وما ورائها عند ميثولوجيا أهل سومر وبابل والاغريق ؟ ألم يخف العراقيون من اسطورتهم الحديثة العهد مثل ( السعلوة او الطنطل ) حتى انهم خلقوا الفة بين ما هو غيبي اسطوري ميتافيزيقي تناسل مع همومهم اليومية حتى أصبح مألوفا في واقعهم الذي مثل ناموس البدئي ورمز خياله الجامح والذي في اعتقادي لا يستطيع تحقيقه انسان الحاضر . ولأن الاسطورة باعتقادي صاحبة فضل على العقل الادبي والجمعي عموما ، وأنا أفردت فصلا كاملا في كتابي الاول عن ملاحم البطولة في كلكامش والالياذة والاوديسا الصادر عن دار الفكر في دمشق عام 2005 . فالذي يقرأ قصة الخليقة عند السومريين والبابليين ، واسطورة تريسياس اليونانية وكذلك الحال في اسطورة ايزيس وأوزوريس الفرعونية المصرية يشعر ان سعادة عقلية غامرة تحيطه وهذا شعوري الذي يطفو على تأويلي الذي يتمنى أن نعيش بزمن اسطوري ولكن بتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين . من هنا أصبح عندي يقين ان اشتغل على تأويل الاسطورة بمفردات المعاصرة لتكن قريبة الفهم لما تحمله من شفرات رمزية تذكرني بجملة كاسيرر التي تقول : ان ” الانسان حيوان رمزي ” ، وهذا يدفعني للقول ان عالم بل عوالم الاسطورة ذو مساحات واسعة وعميقة تمثل أمما وشعوبا بعالم رمزي فيه من الخوف والاحلام والسحر والطلاسم والدين والفن والرقص وجميعها محاكاة للطبيعة البدئية الذي ترسم رموزها بفاعلية رمزية أيضا ، لذا كنت أرى ان هناك عقدا معرفيا بين الميتافيزيقيا القديمة وبين الميتا واقعية الجديدة ، اذ لو تعكس الصورة او الشفرة التي اقترحتها لتجد ان الاسطورة تمنحك عافية في الرؤى وتنشط العقل في استنطاق البعيد ومقارنته بميتا الواقع الذي لا يسعف اكثر من كونه حلم اعتاد كتاب الطليعة والعبث واللامعقول ان يلجأوا اليه ليعبروا عن فراغ الواقع لما ساده من احتباس ثقافي اعرج لا مساحة فيه لروحانية الذات التي غلفها الواقع بسيلوفين تكنولوجي كثرت فيه الاتربة المشوبة بكيمائيات التشوه . لذا فان الهروب لتقشير الاسطورة معرفيا هو دهشة واكتشاف الفوي ، فحينما توظفه في عملك الادبي لا يعني ان تعود بحركة الزمن الى ما قبل التوحيد بل للمقاربة في أن يصبح الادب والفن متاحين للتبصر والمتعة التي تبتعد عن مصطلحات النخب وتسبح في فضاء العادي لتنقله لنظام حياتي جديد ناعم قوامه الحلم ولكن الحلم الذي يحررني من ترهات الواقع لرؤى اسطورية تؤول الى الواقع بفاعلية التأويل نفسه لكي تقترب من انسان اليوم وهذا هو مبدأ التوظيف في مخيالي النصي كما اعتقد . { بين مدينة انجبتك وعدت اليها ودول التفت عليك ، أيهما منحك هذه القدرة على التشعب في تلك الاعوام المتراكبة ، فما هي مصادر نبعك المعرفي ؟ – دون شك حاضنتي الاولى هي مدينتي التي اعتبرها العود الاول او غصني الذهبي الذي منحني وانا طالب فن في معهد الفنون الجميلة ان أرى وفي العطلة الصيفية مثقفو ستينيات القرن العشرين يسعدوا في زيارة الناصرية ليلتقوا بشيخ الادباء الشامل أحمد الباقري وعزيز السيد جاسم ورزاق رشيد التي كانت تجمعهم مقهى ( أبو أحمد ) ، وكذلك المرحوم الفنان والاب عزيز عبد الصاحب الذي خرجت من معطفه المسرحي يوم كنت هاويا للمسرح في الناصرية . وكنت شاهدا على أن أحشر نفسي وأصغي لما يتحدثون به . كما جمعني في تلك المقهى من أصدقاء مهمين في حركة الابداع العراقية من عبد الرحمن الربيعي وعبد الرحمن طهمازي وحامد الهيتي وجان دمو وشاكر السماوي والراحل عزيز السماوي وآخرين حتى تفاقمت شهيتي الثقافية وانا طالب في معهد الفنون وازداد ولعي في الاهتمام بالادب والدراسات بين الشعر والمسرح الذي أنتمي له . انها الناصرية بوابة المعرفة الاولى التي جعلتني أذهب لبغداد وأنا مؤسس ومستقبل لتراكم معرفي جديد . اعتقد ان نبعي الاول تأسس طريا في مدينتي الناصرية وقوي في بغداد وكبر ناضجا فيه من المغامرة في أمريكا ، حيث بدأت تتفجر مكنونات قرآتي وتراكم معرفتي التي توسعت بحرية أكبر حينما مسكت خيط لغة أخرى غير العربية واخترقت جدرانا عصية على غير المتحدي ولم استسلم لمادة الدرس بل انفتحت على جديد المصادر وشاهدت أعمالا وعروضا مسرحية من امريكا ومن خارج أمريكا والتقيت الراحل رائد مسرح اللامعقول ” يوجين يونسكو ” عام 1984 يوم كان ضيفا على فرقة مسرحية امريكية عرضت له مسرحية ” الدرس ” في مسرح صغير في الهواء الطلق في مدينة لوس انجلوس . في تلك الفترة كنت في السنة الاخيرة من دراسة الماجستير وكان شوقي ورغبتي في التحدي والمنافسة ان اخوض مغامرة الاخراج المسرحي لجامعة كاليفورنيا الرسمية في لوس انجلوس واخترت انا من طلبة الدراسات العليا لاخراج مسرحية ” الخرتيت ” ليوجين يونسكو بمرافقة رئيس قسم المسرح وخضت التدريبات لمدة شهر ونصف مع ممثلين امريكان وقدمت عرضا على مسرح الارينا في الجامعة واستمر العرض لمدة ستة أيام وكانت Then June 1 ,2 , 3 ، May , 25 , 26 , 27 وكان عدد الممثلين 15 ممثلا وممثلة وبحضور جمهور امريكي يقطع تذاكره من صندوق التذاكر ليدخل لمشاهدة العرض المسرحي وتوج هذا العمل حيث حصلت على افضل مخرجا للعام الدراسي 1983 – 1984 . وغادرت الجامعة منتشيا منتصرا على نفسي مما زادني اصرارا ان اكمل تراكمي المعرفي في القراءة والمشاهدة حين انتقلت لدراسة الدكتوراة في جامعة كولورادو في مدينة بولدر الامريكية وانا حامل سيرتي الذاتية التي اقتنع بها قسم المسرح في الجامعة الجديدة واسند لي اخراج عملا آخر وليونسكو ايضا باسم ” المغنية الصلعاء ” ، كذلك شاركت ولمدة أربع سنوات في مهرجان شكسبير السنوي في الجامعة في الادارة وتسجيل ملاحظات بحثية عن طبيعة العروض مع التعرف على المخرجين الذين يأتون من جميع الولايات الامريكية ، ثم عززت ذلك بلقاء صحفي فني مع آرثر لاساك صاحب نظرية في فن الالقاء وحركة الجسد الامريكي الذي كان يعمل كل سنة في مهرجان شكسبير السنوي وترجمت اللقاء للعربية ونشر في مجلة آفاق عربية كما قيل لي يوم كان الدكتور محسن الموسوي رئيسا لتحرير المجلة . نعم في عام 1987 قطع النظام السابق اجازتي الدراسية ظنا منهم أني اعود ولكي اكملت الدكتوراه على نفقتي الخاصة وبمساعدة الجامعة نفسها وغادرت كولورادو وتسكعت في بعض الولايات اعمل هنا وهناك حتى نزلت في محطة ديترويت في ولاية ميشيغان وانا التواق الى ان ابني جمعية تعنى بالادب والفنون واجتمعت مع بعض المثقفين والاكاديميين العرب والعراقيين وأسست مؤسسة غير ربحية اسمها ” البيت العربي الثقافي ” قدمت فيها منجزات فنية شعرية وتشكيلية ومسرحيات مع هواة عراقيين ومحترفين وعرب منذ عام 1999 حتى 2004 . اعتقد ان التشعب الذي تتحدث عنه خدمني في الا اتوقف عن أحلامي ، اما الدول التي تعتقد انها التفت علي فكان التفافها لصالحها واحتضنت منجزي الابداعي وكانت حاضنة لا طاردة لي مثلما حصل معي هنا ولا أريد الخوض في هذه البقعة الجرداء . { أنت تشتغل في مجال جماليات الامكنة والرؤى المستنبطة ، فالكتابة لديك تتبع وقع آثار المكان على الكائن حين يتحول الى نبض يتحرك ويومئ ويعيد تشكيل المكان ، فكيف كان تأملك الابداعي له وهل الناصرية أحد الامكنة الاثيرة لديك ، ملهمة متوارية خلف طفولة مبهمة ؟ – عادة جماليات المكان ترتبط بالروح والشعور فهي تسلك طريق القلب اولا في اختيار الصورة . وقد تكون الصورة او الصور مجمدة في أرشيف وزوايا الذاكرة او مختبئة هناك وسرعان ما تثيرها محفزات المكان نفسه حتى تطفو شعوريا على وجدانك ثم تفتح بوابات عقلك للانتقال لانها ظاهرة مخزونة ، واعتقد هي حالة يقظة ليست محصورة بالمسرح فقط وانما في الشعر والادب عموما وحتى الموسيقي واللون . يمكنني العودة لاجابتي السابقة عن ” الدهشة ” ، فأنت يا صديقي تنحاز لاستذكار واستنطاق الامكنة وتبني علاقة حميمة تبعا لمثيرات ومحفزات الدهشة التي طلعت من قلبك وعقلك على أساس انها قيم جمالية وهي جدليا تقوم باعادة للقيمة المعنوية الراسخة والتي تعود لشفرة المكان في مخزوناتك والتي تشكلت باثارة تماهي شكل المكان نفسه .. جسم المكان .. معمارية المكان ، وهنا تنحاز الروح لتفضيلها عن غيرها جماليا .. مثلا : بيتنا القديم الذي ولدت فيه قضاء سوق الشيوخ .. بيتنا الاقل قدما في الناصرية .. مدرستي الابتدائية القريبة من قرية فرحان ومن صفاة الغنم .. معهد الفنون الجميلة القديم .. عكد الهوى القديم وهكذا وصولا للاقدم زقورة أور وتراب السومريين ، كلها تشكل شفرات رمزية في الذهن وتتجسد صورها كقيم فيها من العقد الروحي في التذكر الذي يدلك قلبك على ايهما خلق في نفسك مثيرات الفوية بقيم جمالية هي التي تشخص في مخيالك وتعقد صلحا صداقويا تاريخيا لاستنطاقها جماليا لأن فيها أحلامك .. طفولتك .. شبابك . تلك الاحلام هي التي تتحرك فيها جماليات وافتراضات تبني عليها سعادة ما كانت وما تكون اعتمادا على الذكريات وعلى كلمة ( لو ؟ ) ، لو ان .. لو كان .. لو ظل . تلك هي محفزات قادتني لأن اعيد بناء الصندوق الخشبي الموشوم بالمسامير الذهبية وبالخشب القهواني الداكن الذي اتذكره يطلق عليه ( الفاتية ) لأنه يخزن ذكرى ويحقق لي صورة جمالية تعود بي قديما للشكل المألوف الذي شكل قيمة جمالية مضافة في اخراجي لاوبريت ” صندوق الدنيا ” في الناصرية في نيسان عام 2014 ، وكذا الحال لون القماش الذي استخدمته للباس الرجال المتعبين الذي يقترب من أرض وتراب أور ، واللون الشذري الذي كانت ترتديه النساء والحلي التي تتزين به الشابات الذي كان قيمة جمالية لعشتار سومر والذي أصبح كما يقـــــــــال طاردا للحسد . نعم .. نعم لقد الهمتني المكانات وحققت معها الفة بالصورة الجمالية للفن فكانت معمارية الامكنة وانواع الاقمشة والوانها المحفز الاول لمخيالي الفني لرسم صورة جمالية وجدانية وعقلية استفدت منها حقا في تناغم الاثر والمؤثر الذي الهمتني فيه الناصرية . { عزلتك … هل هي امعان شخصي واعي في تأمل الانسحاق وقراءة مبصرة لكوابيسه ، ام انها محاولة جادة لنسيانه ؟ – عزلتي في معرفتي محنة .. او كما قال الحلاج ” محنتي في نظري ” . تركت العراق سنة 1981 وعدت عام 2011 وفي الثلاثين سنة رأيت اننا جميعا نعاني من شيزورفينيا ثقافية وسياسية ومجتمعية مخفية شعارها ( الفوضى الخناقة ) وليس الخلاقة . لقد انعكس هرم الرؤيا الفاحصة والمبصرة لمدينة المجتمع التي كنا نحلم بها بعد التغيير حيث لم أجد نظاما مجتمعيا مؤهلا لتلك التضحيات التي قدمها شعب العراق ولا طموحات الغد المنتظر . بل شاهدت في السياسة مثلا ان الذي يفترض بهم ان يمثلوا المعارضة الناقدة والمصححة للحكومة هم انفسهم موزعين يغرفون من ماء المعارضة ومن ماء الحكومة في قدح واحد . وساحة الثقافة ساحة منهكة تعاني نكوصا لأنها اباحت لنفسها ان يدخلها كل من كتب سطرا في صحيفة ومن هنا انحسرت النخب الثقافية حتى كاد صوت الكاتم ان يكون أعلى من أصواتهم . اما المجتمع الذي صعق بدهشة ما لم يشاهده ويقتنيه وصار كل شيء له علاقة بالتكنولوجيا متوفر وسهل المنال ولكن تفاقمت اكوام الزبالة امام كل باب وشارع . ولعل مشكلة التهميش والاقصاء للنخب والمبدعين وحتى القادمين للوطن من أجل المساهمة في مدينة المجتمع الجديد أصبحوا غير مرغوب فيهم وأغلبهم لم يمنحوا فرصة لتقديم منجزهم الفني الابداعي وشاهدي نفسي التي عجزت عن الولوج للساحة الفنية لتقديم ما أحلم بتقديمه من خلال تراكم تجربتي المهنية والاكاديمية .. لم أر أكثر من امتهان الزمن واعطاء المواعيد التي تخلو من مصداقية تزايد الامية واعلان العراق ثاني دول يعيش أهلها تحت خط الفقر واتساع نظرية المؤامرة . ألم يك هذا نوعا من الانسحاق علي أن أقرأه بتمعن وأنا أبصر صورة كونفيشيوس الذي ينظر في النهر لعل الفاشلين يمرون وينجرفون في التيه ليبدأ عهد ثقافة جديد .. فأنا عرفاني في طبعي كاظم لغيظي مؤملا نفسي ليس بالنسيان ولكن بالامل فهي فسحة عسى ان تكبر وتشمل التربية الحقة لوطنية المواطن ومسؤوليته في ازاحة الترهل والكسل لتنتهي شيزوفرينيا الوطن والمناداة بحبه زورا وتبدأ وطنية الوطن ثقافيا سياسيا ومجتمعيا ، لقد مرت شعوب ودول بانهيارات اكثر مما نراه وتلك هي ألمانيا واليابان وكوريا التي نهضت من كوارث عظيمة .. المهم العملية تتعلق بالعقلية العراقية وطبيعة تفكيرها . قد أصل للحالة التي ذكرتها في سؤالك ولكن لولا فسحة الامل … { من عبد المطلب السنيد فيك ؟! أهو من تماهى في تبجيل التمثيل أم هو من شغف بالاخراج ، أم ذلك التواق دائما الى الكتابة الابداعية ؟ – عبد المطلب السنيد هو الانسان الذي يحاول ان يوصل رسالته للاخر من خلال التمثيل والاخراج والكتابة . السنيد في عقله وقلبه هم وقضية ذاتية وموضوعية تحمل اشتغالات الاكتشاف والدهشة والحلم بمعايير فنية انسانية جمالية ترتقي على العادي وتنحرف عن جادة المسلكيين والمدعي . يبحث عن التميز ويثور على الاستنساخ .. يتماهى مع الحداثة ويحترم مرجعية المبدعين الاوائل . اعتقد ان التمثيل والاخراج والكتابة خلق وفن وابداع مصحوبا بهاجس من الحلم والتيقظ العالي الجودة . أحيانا يحاصرني هذا الهاجس واشعر ان لي حاجة في خوض تجربة التمثيل او اخراج ضمن مشروع نضج في ذهني وقلبي وفني ولكن دروبه ومنافذ تفريغ طاقته مغلقة عصية التنفيذ ، اما لعدم توفر فرصة او صعوبة توفير عناصر انتاجية او لا وجود لخشبة مسرح او وهذا هو المهم عدم فسح المجال لتنفيذه لاسباب ذكرتها لاحقا لذا أجد نفسي انني ألجأ للكتابة كآخر الكي الابداعي التي أسطر فيها أفكاري ورؤياي وافرغ طاقتي اصبحت في دور المخاض لما جال في عقلي وقلبي وكأنني اخرج مسرحية او أخوض اداءا تمثيليا وجمهوري كلماتي وأفكاري .. فأنا تواق فاعل مسكون في الثلاثة التي ذكرتها في سؤالك . اما الغريب الجميل والمدهش في عبد المطلب السنيد الذي يمتص نكوصه وفي كل يوم انه يقوم بعملية ( فلتره ) او ترشيح نفسه بالصبر الجميل حيث انني على اتصال لن ينقطع مع المبدع الاول الذي ما بعده احد هو الله . فصلاتي التي تجعلني أبصر سكوني ونجواي وتعبدي وشكري وثنائي واحمده لما أعطاني لكي تصبح عزلتي عرفانية ومعطاة أتماهى معها وأعود فيها لخالقي كقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ” الحمد لله المعروف من غير رؤية ” ، او كما يصفه أهل العرفان أمثال أبو عبد الله الحسين بن منصور الحلاج : قلوب العاشقين لها عيون ترى مالا يراه الناظرونا