عبد الرزاق: المرجعيات الشيعية مع الشعب الفلسطيني دوماً

ندوة للتضامن مع غزة

عبد الرزاق: المرجعيات الشيعية مع الشعب الفلسطيني دوماً

بغداد – الزمان

في صباح يوم الجمعة 3 تشرين الثاني 2023 شهد المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي مجموعة نشاطات وفعاليات ثقافية وفنية وأدبية.

شارك الناشط صلاح عبد الرزاق في ندوة تضامنية مع أهل غزة الصامدين أقامها المركز العراقي للتنمية الإعلامية استهلها مدير المركز عدنان السراج بكلمة تناول فيها أهمية التأكيد على الجذور التاريخية والدينية والثقافية والفكرية للصراع الإسلامي الصهيوني.

مغالطات تاريخية

تحدث صلاح عبد الرزاق عن المغالطات التاريخية التي يرفعها الصهاينة وأهمها أن (فلسطين وطن بلا شعب ، واليهود شعب بلا وطن). وهذه أكذوبة قد تنطلي على الغربيين عدا الباحثين والمؤرخين منهم. أن أرض فلسطين كان يسكنها الكنعانيون كانوا يسكنون (أرض كنعان) وهي تمثل فلسطين ولبنان والأجزاء الغربية الساحلية من سوريا والأردن. ويرجع اسمهم إلى كنعان بن نوح ، وهم من الشعوب السامية التي هاجرت من الجزيرة العربية واستوطنت تلك المنطقة.

وأضاف: عندما هاجر النبي إبراهيم ع من العراق استقر في فلسطين أولاً ، وسافر إلى مصر والجزيرة العربية حيث ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل ثم شيّد الكعبة المشرفة. ففي فلسطين وجد أقواماً ومدناً وقرى وليست أرضاً خالية كما يزعم الصهاينة. وولد إسحاق وابنه يعقوب وأولاده الاثنا عشر وترعرعوا ونشأوا فيها حتى استدعاهم النبي يوسف ع للسكن في مصر. وعندما هرب النبي موسى ع من بطش فرعون من مصر إلى مَدْيَن لم تكن خالية بل فيها مدن وقرى وسلطة. وعندما عاد موسى بقومه إلى أرض فلسطين لم تكن خالية وكان فيها جالوت وجنوده وقومه. إذن الحديث بأن فلسطين كانت خالية في الماضي وسكنها اليهود حديث مكذوب يخالف الحقائق التاريخية والقرآنية.

وأشار د. عبد الرزاق إلى اهتمام القرآن الكريم بالقدس الشريف حيث كان المسلمون يتخذونها قبلة لهم عندما كانوا في مكة واستمروا بذلك حتى العام الثاني للهجرة حيث أمرهم تعالى بالتحول إلى المسجد الحرام. كما أن القدس كانت محطة هامة في رحلة الاسراء والمعراج حيث أسريَ بالنبي ص من مكة إلى المسجد الأقصى أولاً ، ثم عرج منها إلى السماوات السبع. وكثيرون يخلطون بين المسجد الأقصى المذكور بالقرآن وبين مسجد قبة الصخرة ذي القبة الذهبية الذي بُني في العهد الأموي. وهذا يؤكد الصلة العقائدية بين الإسلام وبيت المقدس. كما توجد آيات تبشر المسلمين بأنهم سيدخلون المسجد الأقصى مرة أخرى.

مرجعيات النجف ونصرة فلسطين

من جانب آخر حملت المرجعيات الشيعية هموم القضية الفلسطينية وأصدرت فتاوى للدفاع عن فلسطين. ففي عام 1931 أصدر الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء فتوى بتحريم بيع الأراضي الفلسطينية أو السعي إليه أو السمسرة به ، فهو حرب على الله والنبي ص ومخالفة صريحة للإسلام، وتفريط بالمقدسات والدين. كما أصدر كاشف الغطاء فتوى بالجهاد لتحرير فلسطين في 2 آب 1938 .

وقد دعم العلامة السيد محسن الأمين ثورة الشيخ عز الدين القسام عام 1936 وأصدر بياناً يستنهض فيه المسلمون لنجدة إخوانهم المسلمين. كما أصدر عدد من العلماء والمراجع الشيعة منهم السيد هبة الدين الشهرستاني ، السيد محمد مهدي الصدر ، محمد مهدي الاصفهاني ، محمد مهدي الخرسان ، الشيخ راضي آل ياسين بيانا اعترضوا فيها على توصيات لجنة بيل عام 1937 التي أوصت بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية.

رفض تقسيم فلسطين

في 29 أيلول 1947 أصدرت الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين إلى قسمين: الأول لليهود ويضم 56٪ من الأراضي الفلسطينية ، والثاني للعرب المسلمين. وقد أصدر علماء الشيعة بيانات ترفض هذا القرار. ففي 1 كانون الثاني 1948  أصدر السيد أبو القاسم الكاشاني بياناً عد فيه تأسيس دولة يهودية خطر كبير وبؤرة فساد تهدد العالم. وتساءل الكاشاني: ما هو المنطق والقانون الذي يسمح بتوطين المهاجرين اليهود من المانيا وروسيا وأمريكا في فلسطين؟ وبأي حق تقسم هذه البلاد؟

وعارضت مرجعيات النجف الأشرف قيام شاه إيران بالاعتراف بإسرائيل. فقد أصدر المرجع الإمام محسن الحكيم بياناً استنكر فيه قيام حكومة الشاه بذلك لكنها نفت اعترافها بإسرائيل وهي كاذبة.

هزيمة حزيران 1967

وفي حرب ٥ حزيران 1967 وقف مراجع النجف للدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته. فقد أرسل السيد محسن الحكيم رسائل إلى الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف والرئيس المصري جمال عبد الناصر يعرب فيها عن تأثره العميق بهزيمة الجيوش والقيادات العربية ، وأهمية اعتماد المسلمين جميعاً على أنفسهم ، وأهمية العودة إلى الإسلام وتطبيق أحكامه وتعاليمه. وقد أعادت الإذاعة العراقية بث هذه الرسالة عدة مرات. كما أرسل الحكيم رسالة إلى مؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في عمان بتاريخ 16-20 تشرين الأول 1967 خطاباً يؤكد فيه على إسلامية القضية الفلسطينية وعدم حصرها في الاطار القومي أو القطري. وضرورة إجراء مراجعة نقدية لكل الواقع الفكرية والسياسي للأمة الإسلامية والعودة إلى الإسلام للخروج من حالة التخلف والهزيمة ، وأن يتحمل الحكام المسلمون مسؤوليتهم ورفض فكرة تدويل القدس وأنصاف الحلول السياسية.

وأرسل السيد أبو القاسم الخوئي رسالة إلى رئيس الوزراء الإيراني أمير عباس هويدا يطالبه فيها بقطع النفط الإيراني عن إسرائيل ، وكذلك قطع العلاقات معها.

صرف الحقوق الشرعية للفدائيين

ولدعم العمل الفدائي وحرب الاستنزاف التي أعقبت نكسة حزيران أصدر الامام محسن الحكيم فتوى بجواز صرف الزكاة للفدائيين (ُإن ذلك صرف لها في سبيل الله تعالى. بل أفضل سبل الله سبحانه) على حد قوله.

وفي 30 حزيران 1968 أفتى الإمام الخميني الذي كان مقيماً في النجف الأشرف بجواز (صرف الحقوق الشرعية من الزكوات وسائر الصدقات في هذا السبيل الحيوي المهم).  ولم يحصر الامام الخميني تقديم الزكاة للفدائيين المسلمين بل شمل غير المسلمين. فقد أفتى أيَضاً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الماركسية بقيادة جورج حبش المقيم في بغداد آنذاك وذلك في 11 تشرين الأول 1968.

جريمة احراق المسجد الأقصى

وكان لعلماء الشيعة مواقف منددة بحادث إحراق المسجد الأقصى في يوم الخميس 21 آب 1969 وهو الحادث الذي روع المسلمين في أنحاء العالم. ولما كان حزب البعث قد وصل للسلطة عام 1968 فقد قام الشهيد السيد محمد باقر الصدر بزيارة لبنان لايصال ونشر بيان السيد محسن الحكيم وتحريض المسلمين على الضغط على الحكومات الخائنة. وكان السيد الحكيم قد عدّ إحراق المسجد الأقصى (طعنة في قلب كل مسلم ) و دعا ( المسلمين جميعاً أن يبذلوا كل جهودهم وقواهم لاستنقاذ القدس الشريف والأرض المغتصبة من الكفار والصهيونية المعتدين).

 الجنوب اللبناني يحتضن المقاومة الفلسطينية

بعد هزيمة حزيران 1967 تشرد مئات الآلاف من الفلسطينيين توزعوا في لبنان وسوريا والأردن. وكانوا يتعرضون لضغوط الحكومات العربية. وكان بنت بعض الحوادث بسبب قيام قادة التنظيمات الفلسطينية المسلحة بنشاطات تنافس فيها سيادة الدولة المضيفة. ففي عام 1970 شنت القوات الأردنية بأمر الملك حسين هجمات على مخيمات اللاجئين ومعسكرات التنظيمات الفلسطينية ، وارتكبت مجزرة أيلول التي راح ضحيتها ثلاثين ألف فلسطيني. وهو رقم لم تصله خسائر العرب في كل الحروب التي خاضوها مع إسرائيل. اضطرت المقاومة الفلسطينية إلى مغادرة الأردن واستقرت في لبنان. وقد وقف الإسلاميون اللبنانيون بقوة إلى جانب المقاومة الفلسطينية، وتعرضوا للرصاص الماروني في بيروت بعد محاصرة الفلسطينيين في جنوب لبنان ومنعوا عنهم التموين. فكان سكان الجنوب الشيعي قد تظاهروا تضامناً مع الفلسطينيين. أرسلت الحكومة الجيش اللبناني الذي ضرب وقتل مئات المسلمين اللبنانيين في نيسان 1969 وسقط مئات الشهداء والجرحى والمعتقلين ، حتى أن الحكومة استقالت ، وبقي لبنان بلا حكومة لمدة سبعة أشهر. وحين تشكلت حكومة جديدة لم تتشكل إلآ بعد توقيع (اتفاق القاهرة) الشهير في تشرين الأول 1969 الذي ينظم ويضمن حرية الوجود والحوكة للفدائيين الفلسطينيين ، والذي أُلغي عام 1987.

الموقف من حرب ١٩٧٣

 كانت الجماهير المسلمة منشدة في متابعة اخبار الحرب والبيانات الرسمية وتعليقات الإذاعات العالمية حتى صار حديث الحرب هو الحديث اليومي للجماهير. وكان لعلماء الإسلام دور واضح في إذكاء روح الحماسة في الحرب ، التي شنتها مصر وسوريا في ٦ تشرين الأول ١٩٧٣ ، فأصدروا البيانات لدعم الحرب واسترداد الأراضي المحتلة. في تلك الأجواء أصدر الامام الخميني المقيم في النجف بياناً دعا فيه إلى الضغط على الدول التي امتنعت عن المشاركة في الحرب أو تأييدها ، ويقصد الأردن. كما دعا الدول المنتجة للنفط ، ويقصد ايران ، إلى قطع الامدادات النفطية عن إسرائيل. كما دعا الشعب الإيراني (أن لا يقف محايداً إزاء عدوان إسرائيل الوحشي ، وعليه أن يساعد اخوته بكل الطرق الممكنة لتحرير فلسطين والقضاء على الصهيونية).

الموقف من طوفان الأقصى

بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣ سرعان ما تفاعلت الجماهير المسلمة وغير المسلمة وعبّرت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني ونددت بالجرائم الوحشية التي ارتكبها الصهاينة وما زالوا. وفي ١٠ تشرين الأول ٢٠٢٣ أصدر سماحة السيد السيستاني بياناً جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

يتعرّض قطاع غزّة في هذه الأيام لقصف متواصل وهجمات مكثّفة قلّ نظيرها، وقد أسفر ـ حتى هذا الوقت ـ عن سقوط أكثر من ستة آلاف من المدنيين الأبرياء بين شهيد وجريح، وتسبب في تهجير أعداد كبيرة منهم عن منازلهم، وتدمير مناطق سكنية واسعة، ويستهدف القصف مختلف المناطق حتى لم يعد هناك مكان آمن يأوي اليه الناس.

وفي الوقت نفسه يفرض جيش الاحتلال حصاراً خانقاً على القطاع شمل في الآونة الأخيرة حتى الماء والغذاء والدواء وغيرها من ضروريات الحياة، ملحقاً بذلك أكبر الأذى بالأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة، وكأنّه يريد بذلك الانتقام منهم وتعويض خسارته المدويّة وفشله الكبير في المواجهات الأخيرة.

ويجري هذا بمرأى ومسمع العالم كله ولا رادع ولا مانع، بل هناك من يساند هذه الأعمال الإجرامية ويبرّرها بذريعة الدفاع عن النفس!

إن العالم كله مدعوّ للوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع ومنع تمادي قوات الاحتلال عن تنفيذ مخططاته لإلحاق مزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم.

إنّ إنهاء مأساة هذا الشعب الكريم ـ المستمرة منذ سبعة عقود ـ بنيله لحقوقه المشروعة وإزالة الاحتلال عن أراضيه المغتصبة هو السبيل الوحيد لإحلال الأمن والسلام في هذه المنطقة، ومن دون ذلك فستستمر مقاومة المعتدين وتبقى دوّامة العنف تحصد مزيداً من الأرواح البريئة. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

مكتب السيد السيستاني (٢٥ – ربيع الأول- ١٤٤٥هـ) الموافق ( ١٠/١٠/٢٠٢٣ م)

مشاركة