عبدالكريم عبدالقادر‮ .. ‬يامغرّب عن ديارك – عبد الرزّاق الربيعي


عبدالكريم عبدالقادر‮ .. ‬يامغرّب عن ديارك – عبد الرزّاق الربيعي

قبل سنوات بعيدة،‮ ‬كلّمني‮ ‬الصديق الشاعر محمد البريكي‮ ‬وأخبرني‮ ‬ان المطرب الكويتي‮ ‬عبدالكريم عبدالقادر في‮ ‬مسقط،‮ ‬وكان من الطبيعي‮ ‬أن نحث الخطى للقاء‮ ” ‬صوت الخليج الجريح‮” ‬الذي‮ ‬غادر عالمنا في‮ ‬مستشفى جابر الأحمد بالعاصمة الكويتية عن عمر‮ ‬يناهز‮ ‬81‮ ‬عام بعد صراع مع المرض،‮ ‬وكيف‮ ‬يمكن التفريط بفرصة سانحة كهذه؟ فاللقاء بالمطرب الذي‮ ‬ردّد الخليج اغانيه،‮ ‬وأمتعنا بصوته العذب على مدى عقود عديدة،‮ ‬فرصة ليس من السهل تكرارها،‮ ‬تذكرت أغنيته‮( ‬سرى الليل‮ ‬ياكَمرنا‮) ‬التي‮ ‬غناها في‮ ‬1969‮ ‬وكثيرا ماكانت تبثّ‮ ‬في‮ ‬الإذاعة والتلفزيون فينساب صوته هادئا،‮ ‬كمياه جدول ولكنه‮ ‬يتسلل إلى القلب مباشرة،‮ ‬فحققت هذه الأغنية التي‮ ‬كتب كلماتها عبدالله العتيبي‮ ‬ووضع ألحانها أحمد باقر،‮ ‬شهرة واسعة،‮ ‬لجمال صوته،‮ ‬وعذوبة اللحن الذي‮ ‬يستقي‮ ‬من البيئة الخليجية ايقاعاته،‮ ‬وبساطة الكلمات،‮ ‬وكانت تصاحب سهراتنا في‮ ‬الليالي‮ ‬المقمرة عندما‮ ‬يحلو السمر على ضفاف دجلة‮ :‬
يا سمّار قولوله
لك أسرار مغزوله
في‮ ‬القلوب مشيوله
وعن الناس مجهوله
يا سمّار روحوله‮ ‬يا سمّار
على نار قولوله على نار
نطرناك‮ ‬يا قمرنا‮ ‬
ولا جيت في‮ ‬سهرنا
وأثاريك‮ ‬يا قمرنا خذاك الليل و الهوى
وفي‮ ‬لقائنا به كان لابد لأغنيته(شخبارك‮)‬،‮ ‬ان تأخذ مساحة من الحديث،‮ ‬وهي‮ ‬الأغنية التي‮ ‬كانت في‮ ‬تلك السنوات ملء الأسماع والأبصار،‮ ‬فنالت جائزة أفضل أغنية مصوّرة‮( ‬كانت من إخراج‮ ‬يعرب بورحمة‮) ‬في‮ ‬مهرجان القاهرة الرابع الذي‮ ‬أقيم عام‮ ‬1998م،‮ ‬فيما نال المطرب عبدالكريم عبدالقادر الجائزة الذهبية باعتباره أفضل فنان في‮ ‬المهرجان،‮ ‬وكثيرا ما ردّدنا‮ ‬كلماتها التي‮ ‬كتبها الشاعر الغنائي‮ ‬عبد اللطيف البناي،‮ ‬وما تحمله من شجن ولوعة الفراق،‮ ‬وتساؤلات المحبّ‮ ‬التي‮ ‬تبقى مفتوحة‮:‬
‮ ‬وين انت؟ وشخبارك؟
يا مغرب عن ديارك
انا كل‮ ‬يوم اكحل ناظري‮ ‬بدارك
اتمشى تحت هالسور اناظر بيتك المهجور
وينك‮ ‬يا فنر هالبيت وينك
بعدك انطفى العالم
ما بقى بالشوارع نور
وين انت؟
وكانت هذه الاغنية حلقة ضمن سلسلة تعاون بين المطرب الراحل والملحن و الدكتور عبد الرب إدريس،‮ ‬هذا التعاون بدا في‮ ‬سبعينيات القرن الماضي،‮ ‬وأسفر عن اغنيات شهدت رواجا كبيرا من بينها‮ : (‬تأخرتي‮)‬،‮ (‬أعترف لج‮)‬،‮ ‬و‮(‬غريب‮)‬،‮ ‬و(باختصار‮) ‬و(زوار‮) ‬وجميعها كتب كلماتها الشاعر بدر بورسلي،‮ ‬ولم‮ ‬يقف عند شاعر،‮ ‬وملحن معينين،‮ ‬بل نوّع في‮ ‬اغانيه فسوى عبدالرب إدريس،‮ ‬غنّى لمحنين كثيرين من بينهم‮: ‬سليمان الملا،‮ ‬ومشعل العروج،‮ ‬وانور عبد الله،‮ ‬وطارق العوضي،‮ ‬وصالح عبيدون،‮ ‬وخالد عبدالكريم،‮ ‬وآخرين،‮ ‬كذلك‮ ‬غنّى نصوصا لعدد من الشعراء إضافة للبنّاي‮ ‬وبدر بورسلي‮: ‬الأمير خالد الفيصل،‮ ‬دايم السيف،‮ ‬الأمير فهد بن خالد،‮ ‬الأمير سعود بن بندر،‮ ‬والأمير محمد بن عبد الله الفيصل،‮ ‬وخالد البذال،و مبارك الحديبي،‮ ‬وآخرين‮. ‬لكنّ‮ ‬تعاونه مع بدر،‮ ‬وعبدالرب إدريس مثّل تجربة مهمّة،‮ ‬في‮ ‬مرحلة تأسيسية شهدت انطلاقة في‮ ‬الأغنية الكويتية والخليجية،‮ ‬وكانت الأغنية العربية في‮ ‬أوجّ‮ ‬ازدهارها في‮ ‬عصر الكبار‮: ‬أم كلثوم،‮ ‬وعبدالوهّاب،‮ ‬وعبدالحليم،‮ ‬وفريد الأطرش،‮ ‬كما وصف ذلك في‮ ‬لقائنا به،‮ ‬الذي‮ ‬كشف عن شخصية فنان شديد التواضع،‮ ‬قليل الكلام،‮ ‬يتمتع بحسّ‮ ‬إنساني‮ ‬رفيع،‮ ‬وثقافة‮ ‬غنائية،‮ ‬ممزوجة ببساطة،‮ ‬جعلتنا نشعر أننا في‮ ‬حضرة السهل الممتنع‮. ‬واليوم‮ ‬يغادر عالمنا هذا المطرب الكبير الذي‮ ‬داوى صوته أوجاعنا،‮ ‬وطبّب جراحنا،‮ ‬ولامس قلوبنا،‮ ‬بعد أن ترك ثروة‮ ‬غنائية ستظلّ‮ ‬تسامرنا في‮ ‬ليالينا المقمرة‮.‬

مشاركة