عباس جميل .. عقلية موسيقية لن تتكرّر
بابل – كاظـم بهيـّــة
يمتلك الموسيقار الكبير وعميد الأغنية العراقية عباس جميل .. تاريخيا فنيا حافلا بالانجازات اللحنية والنغمية على امتداد أكثر من نصف قرن.. قدم فيه بما هو جميل إلى الذائقة العراقية من خلال عطائه الزاخر الذي نهله من واقعها المعاش بهمومه وأماله وطموحاته ولا زالت عالقة في ذاكرة الناس توقد فيهم الحنين لجماليتها الحسية لكونه لم يطعم ألحانه (أنغام غربية)، فاتسمت بطابعه المحلي البغدادي الأصيل. وهذا هو السبب الرئيسي الذي. جعلها في أذهانهم ووجدانهم وذكرياتهم منذ الأربعينات كما في أغانيه (عليمن يا كلب تعتب عليمن) و(بسكوت اون بسكوت) فكل هذا جعل من عباس جميل يتميز في هذا المضمار الرحب عن اقرأنه الملحنين في تلك الحقبة.
وتألق اسمه في سماء الأغنية العراقية حتى بلغ رصيده أكثر من 400 أغنية (بغدادية وريفية) التي من خلالها برز الكثير من المطربين والمطربات بأصواتهم الحقيقية الجميلة فلحن لزهور حسين أكثر من 60 أغنية منها (غريبة من بعد عينج ييمه) و(يم عيون حراكه) و(جيت يهل الهوه) والسبب الذي جعله يلحن أكثر أعماله لزهور وانسجامه معها يقول في احد لقاءاته عنه (كانت تربطني بزهور حسين علاقة روحية حميمة.. وهذا ما جعلني انسجم معها في اللحن الذي أقدمه لها) ومائدة نزهت أغنية (يا كاتم الأسرار) ولعفيفة اسكندر (يا كلبي) ولوحيدة خليل ونادية حمدي وعبد الرحمن خضر حتى لحن لأغلب مطربي الريف أمثال وحيدة خليل في أغنيتها الشهيرة (جاوين أهلنا) كما لحن للمطرب داخل حسن ( يا طبيب أصواب دلالي كلف) وكذلك لعبد محمد وشهيد كريم و(أمي) لسعدون جابر ولميعة توفيق وأحلام وهبي وصبيحة إبراهيم وعزيمة توفيق وللمطربين العرب أمثال ليلى عبد العزيز وعباس الدري من الكويت وليلى حلمي من مصر وسلامة من لبنان.
لقد كان جميل حريصا منذ بدايته على التعامل مع أصوات ذات نكهة عراقية أصيلة.. غير مفتعلة. تتفاعل مع الكلمة واللحن.. فكانت تلك الأصوات حريصة أشد الحرص على ما تقدمه للمتلقين والمتذوقين للغناء العراقي الأصيل.. لقد أدى عباس جميل أكثر ألحانه بصوته لكونه يمتلك صوتا جميل منذ صباه فكان الطالب الوحيد الذي يختارونه لقراءة النشيد عند رفع العلم في ساحة المدرسة صباح كل يوم لكونه كان طالبا نموذجيا في ملبسه ودروسه. فمنذ ذلك اليوم شجعه زملائه وأساتذته لحلاوة صوته.. وأنه يصلح للغناء.. مما حدا به إلى أن يستمع إلى أصوات كبار الفنانين العرب من خلال افلامهم التي كانت تعرض في دور السينما في بغداد وخاصة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش.. فأخذ يحفظ أغانيهم جميعا لشعوره بأن هذه الأغاني قريبة إلى صوته.. مما أخذ شغفه بهذا المضمار الجميل.. حتى تعلم رويدا رويدا أصول المقام وأنغامه المتعددة من خلال سماعه لمحمد القبنجي وحسن خيوكه.. والبياتي عبد الهادي واستمع كذلك للغناء الريفي الأصيل.. الذي كان يؤديه المطرب الكبير الطورجاوي عبد الأمير وتعلم منه أطواره الجميلة.
فبعد أن نمت عنده الرغبة الشديدة لدخول مجال الفن.. وعزم على ذلك دخل لدراسة الموسيقى دراسة علمية في المعهد المذكور , حيث تعلم الضرب على العود وتعلم أصول الموسيقى الغربية والصولفيج.
هذا وقد نال الفنان المبدع أوسمة كثرة منها لقب (موسيقار) منحته له الجامعة العربية في احتفال أقيم له بهذا الخصوص في القاهرة عام 1995 وقبل رحيله كرم من قبل اتحاد ديوان الشرق وقدم له وسام الإبداع الثقافي.