عالم القراءة إلى أين ؟

 

عالم القراءة إلى أين ؟

غول التخلّف

مما لا شك فيه أن القراءةَ والمطالعة لمُختلفِ الكُتب والعلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافية لها عالمٌ خاص . والدخول إلى هذا العالم يحتاجُ إلى مُرشدٍ أو دليلٍ يحثُ عليهِ . كأن يكون المُعلم والأستاذ الذي يطلبُ منكَ أن تقرأ هذا الكتاب الذي يرى فيهِ كماً هائلاً من المعلومات التي ممكن أن تُطورَ بها نفسكَ . أو يُخبركَ أحد الأصدقاء والأقارب بعنوان الكتاب الذي قرأهُ فحقق منهُ إنتفاعا كبيرا جداً . فبهذه الطريقة أو تك متى ما تدخل عالم القراءة ستُحقق الفائدة الكبيرة لنفسك التي ممكن أن تخدمك في المستقبل القريب أو البعيد .

 لكن في هذه الأيام يتعرض هذا العالم الجميل إلى (الهجرة شبه الجماعية) ! فهو خالٍ اليوم من الروادِ والزائرين تماماً بعدما كان المجال لا يسع الجميع في السابق ! حتى أصبح الإنسان في مجتمعنا العربي اليوم لا يقرأ ولا يُريد أن يقرأ شيئاً إلا للحاجةِ المُلحة جداً كأن تكون عنوانا ما ، أو رسالةٍ ما ، أو بعض الأخبار من هنا وهناك.. وحتى المناهج الدراسية الواجب قرأتها أصبحت غير قابلة للقراءة من قبل طلاب وطالبات العلم! فالكثير منا اليوم إتجه إلى الوسائل البديلة عن القراءة وخاض في دروب “الغش ،والرشوة، والوساطات” من أجل عبور تلك المراحل الدراسية!. بلا جهد يُذكر وبلا أي فائدة تُذكر من قراءة تلك المواد والمناهج التعليمية.

 وكم أثرت بي هذه المقولة وأنا أطالعُ وأقرأ لما تَحمِلُ من معان صادقة لوصفِ حالنا اليوم في العراق والعالم العربي بشكل عام. فهي تختصرُ واقعنا وما وصلنا إليه بعد هجرتنا الجماعية لعالم القراءة الجميل .

فيقول “إمل سيوران” :

 ((أتوقع أن يأتي يوم لا نقرأ فيه إلا البرقيات والأدعية))!!

يوم مشووم

حقاً لقد قال الحقيقة المُرة وها هو اليوم المشؤوم الذي توقعتهُ “يا سيوران” لقد تحقق ما قلتهُ حرفياً في (بلادنا العربية اليوم) ! نعم نحنُ اليوم لا نقرأ شيئاً إلا للضرورة القصوى والقصوى جداً!

وكما أكد التقرير السنوي في عام 2003 للتنمية البشرية الصادر عن اليونسكو (إن كل 80 مواطنا عربيا يقرأون كتاباً واحداً في السنة ، بينما المواطن الأوربي الواحد يقرأ 35 كتابا في السنة، أما المواطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتابا في السنة الواحدة.. وبالرغم من هذا الفارق الشاسع إلا أن التقرير يؤكد في العام 2015 قد هبط مستوى القراءة لدى المواطن العربي حتى وصل إلى ((ربع صفحة)) في السنة الواحدة فقط!!!).

هذا هو معدل القراءة الحقيقي

اليوم للإنسان في عالمنا العربي!. فهو يتراجع بشكلٍ كبير ومُخيف جداً عن ما كان معهودا في السابق.

حيث كانت المقولة الشهيرة تقول : ( أن مصر تكتُب ولبنان تطبع والعراق يقرأ )، لقد سُحقت هذه المقولة وولِد لدينا جيلاً لا يقرأ ولا يكتب اليوم، بل سمح لنفسهِ هذا الجيل أن يكون من أكثر الأجيال تخلفاً وضياعاً !!

والأسباب والمُسببات كثيرة جداً وواضحة للعيان :

– بدايةً أغلبنا اليوم تفوقت عليه العولمة الإلكترونية وبرامج التواصل الإجتماعي، والشبكة العنكبوتية التي أخرجتهُ شيئاً فشيئاً من عالم القراءة وخيرُ جليسٍ وهو الكتاب .

– ناهيك عن الحروب والمأساة التي نعيشُ فيها اليوم والتي تؤثر بشكل كبير جداً على أفراد المجتمع وتبعدهم إجبارياً عن عالم القراءة.

– أيضاً هناك عامل مهم جداً تَمكن منا في العالم العربي وهو: “البطالة وصعوبة الحياة” التي تجعل الفرد في صراعٍ مستمر مع الزمن من أجل لُقمة العيش الكريم ؛ والتي كانت ولازالت هي الشغل الشاغل في مجتمعنا بشكل عام. وهذا ما يجعل الفرد مُنهك فكرياً وجسدياً وغير قابل أو قادر على دخول عالم القراءة.

ضعف ملاكات

– والسبب الآخر هو ضعف الملاكات التعليمية في الدول العربية وعدم مواكبتها للتطورات الجارية في العالم وضعف المناهج الدراسية للمرحلة الإبتدائية بالتحديد. فمن هنا يتم القضاء على الجيل الجديد الذي يولد وينشأ في تخلفٍ كبير جداً.

– كذلك الإعلام اليوم يتحمل مسؤولية كبيرة جداً لعدم قدرتهِ على التوعية والإرشاد لأفراد المجتمع، ونشر ثقافة القراءة وحث أفراد المجتمع على التمسك بها وممارستها بشكلٍ دائم .

– أيضاً هناك تقصير كبير جداً بل إهمال مُتعمد في العديد من الدول العربية للدور الحكومي في نشر الوعي والتنمية البشرية وتطوير المهارات الحياتية للمجتمع من خلال بوابة عالم القراءة.

كل هذه الأسباب التي ذكرتها آنفاً وهناك الكثير التي لم أتطرق لذكرها تجعلنا نتساءل وبقوة : عالمُ القراءة إلى أين سنتجه بهِ بعد اليوم ؟!

وهل سيبقى التخلُف مُتمكنا من قبضتهِ على أفراد المجتمع العربي ؟!

ونحنُ بلا مقاومة تذكر لغولِ التخلف والإبتعاد عن عالم القراءة الذي ممكن أن نستمدَ منهُ التغيير الكبير..

خالد عبد الكريم –  سامراء

مشاركة