ظاهرة الخداع النقدي والتدخلات الأجنبية – قتيبة آل غصيبة

معاناة العراقيين

  ظاهرة الخداع النقدي والتدخلات الأجنبية – قتيبة آل غصيبة

يوماََ بعد يوم تزداد معاناة الشعب العراقي؛ فقراََ وجوعاََ وألماََ وضيقاََ في أحوالهم المعيشية؛ نتيجة لصعود الدولار وإنخفاض العملة المحلية؛ مما أدى الى ارتفاع التضخم المالي الحكومي؛  وإنخفاض القدرة الشرائية للناس، ليتلقى هذا الشعب المكلوم صدمة جديدة ، تحت وطأة التضخم المالي المرتفع؛ والذي كان سببا في ظهور ما يسمى بظاهرة “الخداع النقدي”؛ حيث فرضت هذه الظاهرة نفسها على الاقتصاد العراقي؛  بسبب التدخلات والاجندات الخارجية ؛ فمنذ أكثر من سنة يرزح العراقيون تحت تأثير؛ هذه الظاهرة؛ والتي ما كانت لتحصل لولا تلك التدخلات الخارجية؛ وقد تفاقمت نتائجها في الاونة الاخيرة؛ بعد ان فقد الدينار العراقي بحدود 10? من قيمته. ويعرف مصطلح الخداع النقدي او الوهم النقدي : “بأنه نظرية اقتصادية تشير الى ان الناس يميلون لتقييم دخلهم واموالهم بالقيمة الاسمية  للعملة المتداولة؛ بدلا من تقييمها وفقا لقيمتها الحقيقية؛ دون أخذهم بالحسبان مستوى التضخم في اقتصاد الدولة؛ معتقدين ان الدينار او اي عملة أخرى تحمل نفس القيمة التي كانت عليها في الفترات السابقة” . ويرى  عدد من خبراء الاقتصاد أن الناس يتعرضون للخداع النقدي دون شعورهم بذلك؛ وإن اسباب ذلك؛ يعود بالدرجة الاولى الى الفشل في التمييز بين القيمة الحقيقية والقيمة المتداولة او الاسمية للعملة؛ حيث تستغل الحكومة والشركات وأصحاب الاعمال الخداع النقدي لرفع أجور الموظفين بالقيمة أو بالاسعار المتداولة للعملة؛ مما يجعلهم يشعرون أحياناََ بالانصاف والعدالة او الظلم في احيان اخرى؛ وذلك لعدم أخذهم بنظر الاعتبار القيمة أو الاسعار الحقيقية التي ترتفع بسبب التضخم؛ وكمثال على ذلك فعندما ترفع الحكومة واصحاب الشركات الاجور الموظفين والعمال؛ بنسبة3  عندما تكون نسبة التضخم 3فإن هذا يجعلهم يشعروا بالعدل والانصاف؛ بينما عندما ترتفع اجورهم بنسبة 2 في ظل عدم وجود تضخم؛ فإنهم يشعروا بالظلم وعدم الانصاف ،  وكذلك فإن ثبوت الاسعار لبعض السلع والبضائع  يوهم الناس بإستقرار الاسعار  وبعدم وجود تضخم مالي في السوق؛ ويظنون أن الوضع الاقتصادي والتكاليف المعيشية على حالها؛ وإن هذا ناجم عن جهل الكثير من الاشخاص لتفاصيل التغيرات التي تطرأ على الاسعار في الاسواق ومدى إرتباطها بالتضخم الاقتصادي في الدولة ، وكذلك يعتبر عدم إجراء الاشخاص حسابات دقيقة عند الادخار الشخصي للاموال سببا آخرا في ظاهرة الخداع والوهم النقدي؛ حيث ينظر الاشخاص الى اعتبار العملة المتداولة التي يدخرونها بأنها ثابتة القيمة؛ ويفترضون أن المئة الف دينار مثلا لها نفس القيمة الثابتة التي كانت عليها في الفترات السابقة؛ دون الاخذ بنظر الاعتبار الى الاثار الصغيرة والمتراكمة للتضخم المالي.

ممارسة الوصايا

 من جهة اخرى فإن هذه الظاهرة ما كان لها ان تظهر تفرض نفسها على الاقتصاد العراقي؛ إلا بعد قيام الولايات المتحدة الامريكية والتي لا تزال تمارس الوصاية على العراق؛  بفرض قواعد امتثال على تعاملات البنك المركزي العراقي مع تجار العملة في ما يتعلق بالدولار الأميركي؛ مما ادى الى فقدان العملة العراقية نحو 10 بالمئة من قيمتها؛ وفقا لما ذكره موقع “الحرة –  عراق” نقلا عن صحيفة وول ستريت جورنل في تقرير نشرته قبل أيام؛ بعد إجراءات افضت الى جعل  الاموال الموجودة لدى البنك المركزي العراقي بالدولار صرفها مقيداََ ، ووفقا للموقع المذكور؛ فقد قال مسؤولون أميركيون “إن النظام يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولارات إلى طهران ودمشق وملاذات غسل الأموال في أنحاء الشرق الأوسط” ، كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنل وفقا لمسؤولين أميركيين وعراقيين تحدثوا للصحيفة؛ “انه منذ دخول الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ؛ تم حظر 80 أو أكثر من التحويلات اليومية بالدولار في العراق؛ والتي بلغ مجموعها في السابق أكثر من 250 مليون دولار في بعض الأيام؛ بسبب عدم كفاية المعلومات حول وجهات الأموال أو أخطاء أخرى” , ووفقا للصحيفة؛ فقد قالت متحدثة باسم “بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك” عن الحسابات التي يحتفظ بها البنك الفيدرالي لحكومات أجنبية، “لدينا نظام امتثال قوي لهذه الحسابات يتطور بمرور الوقت استجابة للمعلومات الجديدة” ، ونقلت الصحيفة أيضاََ؛ قولا لمسؤول أميركي  بإن هذه الإجراءات ستحد من “قدرة الجهات الفاعلة الخبيثة على استخدام النظام المصرفي العراقي”. في المقابل فإن كثير من القوى السياسية الفاعلة في العراق والداعمة لإيران ترفض مثل هذه القيود على بيع الدولار في منصة البنك المركزي العراقى؛ ويؤكدون ان هذه القيود تساهم في تجويع العراقيين .

حرب سياسية

عموما فإن كل هذه الحقائق والمعطيات تؤكد بما لايقبل الشك؛  ان سيادة العراق وإستقلاله لا يزال بعيد المنال؛ وان الحرب السياسية القائمة بين الولايات المتحدة الامريكية؛ وإيران وحلفائها بالمنطقة، تفت في عضد العراق؛ وتساهم في تدميره؛ ويبقى الشعب العراقي هو الوحيد المتضرر من هذا الصراع المستمر بين واشنطن وطهران؛ في ظل عجز حكومي واضح عن معالجة ناجحة وحاسمة لهذه الازمة؛ ولسان الحال يردد المثل الشعبي  (بين حانه ومانه ضاعت لحانا.)ومع استمرار هذه الازمة؛ يصبح امراََ مؤكداََ نزول الناس الى الشوارع معلنين عن رفضهم لما يجري  بانتفاضة جديدة؛ تدخل العراق في ازمة سياسية جديدة.. وانه لا امل ولا حل امام العراقيين ؛  إلا بالسعي من اجل التخلص من هيمنة الاجندات الخارجية؛ مهما كلف الثمن؛ رغم كل التعقيدات القائمة ، وبخلاف ذلك فسيظل العراق يراوح في مستنقع التخلف والانحدار وغارقا في الفوضى …والله المستعان

مشاركة