طكَت المجاري .. عد جاري – منهل الهاشمي

طكَت المجاري .. عد جاري – منهل الهاشمي

ما حصل معي لم يحصل مع آخر اجزم بذلك. ما حصل معي اعادني القهقرى للطفولة حيث قرأنا الحكاية الثراثية المعروفة عن احدهم يريد وضع اغراض في الصندوق.. والصندوق لا مفتاح له.. والمفتاح عند الحداد.. والحداد يطلب الفلوس.. والفلوس عند العروس….الخ.

انا الشيخ الستيني مدرس اللغة العربية الفاضل وعاشقها المتقاعد والمنعزل عن العالم.. ومن اهل الله كما يقال. فجرا صحوت على صراخ من جهة بيت جاري العزيز أبو تحسين هرعت لهم من فوري وانا بالجلباب منتعلا النعال, رأيت بيته وحديقته غمرتهم المياه تماما.. تباً… طكَت المجاري.. عِد جاري. عرضت عليه المساعدة في الحال, طلب مني بلهفة (سكول سبانة 24). انا الرجل المتخم بالنخوة والشهامة كيف لي أنْ اخذله !!. هرعت لقريبي فزيّع الساكن على بعد فرعين مني قائلا:

– ارجوك فزيع.. هلاّ اعرتني سكول سبانة 24 انا بحاجة ماسة لها لأن طكَت المجاري.. عِد جاري

– المشكلة هي عِد صديقي.. او بالاصح كان صديقي.. روح اخذها منه كَوله آني من طرف زوزو الكيكي

– عفوا من هو …. ماذا قلت ؟!!

– زوزو الكيكي.. اسمي بالفيس !

اعطاني عنوانه ولما سألته عن اسمه أجاب :

– علوش الدنفوش

   لما رآني فاغرا فاهي.. لم افهم شيئا, قال بأنّ هذا هو اسمه ايضا بالفيس. دُهشت حقيقة كيف تحول فزيع الى زوزو الكيكي !!. ما علينا المهم العودة بالمطلوب.. لنجدة جاري المنكوب. اكتريت تكسيأ بسرعة ذهابا وايابا. وصلت إليه وقد تخيلته ـ من اسمه ـ شابا يافعا.. رقيقا ناعما, وإذ به رجل خمسيني عملاق كأنه الانسان القديم, يرتدي الزي العربي كاملا عباءة.. الكوفية.. والعقال, يكفي فقط شاربه الكث الغليظ الطويل لسد الشارع !. قرأت لافتة اسمه على الباب (عليوي شنيشل) !.. أيضا ما علينا… قلت له برجاء :

طكت المجاري

– يا علوش.. يا دنفوش… انا قادم إليك من زوزو الكيكي وهو يُقرِؤكَ السلام ويريد سكول سبانة 24 خاصته كي اساعد بها جاري المسكين.. أبو تحسين, لأن طكَت المجاري.. عِد جاري

– ارجّعها ما عندي مشكلة.. بس كَوله بشرط يرجعلي صاحبتي شوشو الصاكّة.. وكَوله كافي عاد يزحف على صاحباتي بالفيس.. عيب هالسوالف

   لم افهم شيئا ما قاله بصراحة لكني عزمت على نقل الرسالة كما هي. عدت لصاحبي, وقد تقطع نعالي لكثرة الذهاب والإياب قائلا بتوسل :

– علوش الدنفوش يقول لا مانع لديه.. لكنه يطلب منك ارجاع صاحبته شوشو الصاكة.. والكف عن الزحف لصاحباته بالفيس واضفت ناصحا له برقة بحسن نية :

– يا اخي فزيع امشِ.. بدل ان تتعب حالك بالزحف كألاطفال !!

جن جنون فزيع سابقا.. زوزو الكيكي حاليا حالما سمع الرسالة.. او لعلها تكون (الرزالة) من دون أن اعلم. قال بانفعال :

– آني زاحف.. آني !!.. لك هو اكبر تمساح وزاحف.. ما بقى صديقة إلي بالفيس ما زحفلها واخذها مني

   واستطرد بانفعال :

ـ ليش هو نسى حاتاتي اللي اخذهن بالزحف.. نسى لولو, سوسو, جوجو, نونو, فوفو.. مو لو مومو ؟!!.. لو نسى زيزي, فيفي, ميمي, جيجي, بيبي, ديدي…. هه والله وكت.. اسمه عليوي ومسمي نفسه علّوش… جان استحى !!

( أي مو على أساس اسمك فادي وسميت نفسك زوزو) … قلت في داخلي مستغربا !!.

وعاد ليكرر اسطوانته المشخوطة :

– آني زاحف.. آني !!

– يا اخي دعنا من كل الزواحف.. والتماسيح.. والأبوبريصات.. اتوسل إليك انا في ورطة.. وبحاجة ماسة للعُدّة, لأن طكَت المجاري.. عِد جاري

وأردفت اهتف بصوت متحشرج بالبكاء بعد سوء الحال والمآل.. وتقطع النعال :

– يا ناس ارحموا بحالي… من رجلي طاح نعالي.. حزن زوزو قريبي الغالي لحالي.. وضياع نعالي فقال :

– كافي قهرتني امير الحب.. العفو.. اقصد حجي.. هاي لخاطرك والله.. آني ما عندي مانع ارجّعله شوشو الصاكة بس اذا هي تقبل

تركته منطلقا بالتكسي بعد اخذ عنوانها, لكن لم يزل صوته يتردد خلفي ليلاحقني كما اللعنة :

– آني زاحف… آني !!

وصلت إليها وجدتها باذخة الجمال لدرجة التبذير !!!.. خاطبتها بتوسل :

– ناشدتك الله يا اختاه.. يا شوشتاه.. يا صاكتاه.. يا فاضلتاه… هلاّ عُدتِ لصاحبك علوش الدنفوش.. مشكورة.. مأجورة ؟

ردت مندهشة ساخرة :

– العفو منو وياي… المتنبي ؟!!

– لا والله… امرؤ (الفيس) هههههههه

– لا وحشاش بعد !!…. فديتك !… خير حجّي شرايد بيومك هذا الأغبر مثل وجهك !!

   في الواقع لا اعرف كيف حكمتني النكتة وقلت ما قلته.. لعلها عدَتني بسخريتها, على اية حال رددت عليها بتوسل وقد خنقتني العَبرة.. في هذه الظروف الغبرة, وانا ابتلع الإهانة بمهانة لكن كل شيء يهون امام جاري.. والمجاري. فأطلقت لشجني العنان.. لأثير فيها الحنين والحنان :

– يا اختاه.. يا حسناوتاه.. يا شبيهة القطة.. محسوبك في ورطة.. اتوسل إليكِ.. ارجوك المساعدة.. اريد منك العودة الى علوش الدنفوش لكي يقبل إرجاع سكول سبانة 24 الى زوزو الكيكي لحاجتي الماسة لها لمساعدة جاري المسكين.. أبو تحسين, لأن طكَت المجاري.. عِد جاري

– كافي حجّي لتبجي.. قهرتني والله… شوف آني ما عندي مانع ارجع لعلوش الدنفوش.. بس بشرط تتركه اللي خطفته مني بالأنستغرام.. وترجع لصاحبها الأولي زوزو الكيكي حتى آني ارجعله… ها وكَوللها كافي تبوكَين متابعيني.. آني بعد ما راح اسكت

واعطتني العنوان. قلت بتسليم.. سليم:

– امري الى الله.. ما هو اسمها ؟

– مخبلة وبكيفي

– لا آسف.. لم اقصد الإساءة إليك.. سألتكِ عن اسمها

– اي.. اي هي هيج اسمها بالأنستا… مخبلة وبكيفي !!

ركبت التكسي مسرعا, وصلت إليها فخاطبتها متضرعا.. متضعضعا.. متزعزعا.. متلوعا :

– يا اختاه.. يا فاضلتاه.. يا مخبلة وبكيفج.. ناشدتك الله أن ترحمي بحالي.. ولا تُشمتِ بي عُذّالي, فأنا شيخ كبير… وفي وضع عسير

– عسير عنب قصدك ؟!

   حكيت لها ما حصل بالتفصيل. جن جنونها… وهي أصلا مخبلة وبكيفها… فصاحت.. وناحت.. وداحت:

– آني ابوكَـ متابعين هذي الزركَة !!.. هي وين عدها متابعين اصلا ؟!!.. ما يطلع بيهم كوستر !

– مع هذا… اتوسل إليكِ جاريها.. لخاطر جاري.. وكوني انتِ العاقلة

– اكَوله مخبلة وبكيفي.. يكَولي صيري انتي العاقلة !!… إرجع كَوللها اذكرج من بكَتي صفحتي الأنستا وصعدتي k15 براسي ؟!!.. لا والحلوة اسمها الصاكة.. العوبة… خلف الله عالفلاتر غير !!

– يا اختاه.. يا مخبلتاه.. يا عزيزتاه.. ارجوكِ.. دعكِ من الفلاتر.. والعناتر.. والقنادر.. ولبّي طلبي.. اقبّل يديكِ ورجليكِ

نزلت برأسي اريد تقبيل يديها. ابعدَت رأسي وقالت :

– صدك جذب حجّي.. كافي قهرتني… آني مستعدة ارجّعلها علوش الدنفوش.. ولو هو خوش صرّاف.. بس بشرط ترجّعلي صاحبي الأولاني زوزو الكيكي.. وكل متابعيني عالأنستا… هاي بس لخاطرك… وهذا آخر حجي عندي  لا خيار امامي.. ولا طماطة, وافقت مكرها على مضض. عدت الى الصاكة وقلت لها ما قالت المخبلة.. وبكيفها. انفجرت كالبركان :

– آني اللي بايكَة صفحتها ومتابعيها ؟!!.. خوش لعد إرجعلها وكَوللها وصلت الرسالة.. وبالليل راح يوصلج الرد بالبث المباشر

– أي بث… حضرتك في أي قناة تعملين ؟!

– بقناة الجيش !

  لم اسمع بهذه القناة سابقا لكنني وقعت في دِخالتها متوسلا.. متذللا حتى رق قلبها.. ودق حنانها فقالت :

– يمعود على بختك حجي.. على كيفك وية نفسك.. مو هيج.. اني موافقة.. راح ارجّعلها زوزو الكيكي.. ولو هو خوش صراف.. وكل متابعيها عالأنستا… هاي بس لخاطرك والله لأن قهرتني حيل

صفقة علوش

أخيرا تنفست الصُعداء بعقد صفقة علوش (صراف 1) مقابل الكيكي (صراف 2). شكرتها ممتنا وعدت مسرعا الى المخبلة وبكيفها فتنازلت مشكورة مأجورة عن علوش الدنفوش. عدت مبشرا الصاكة التي عادت بدورها لعلوش الدنفوش, والذي اعاد بدوره المخبلة وبكيفها الى زوزو الكيكي… وأعاد لي أخيرا سكول سبانة 24 كي اساعد جاري المسكين.. أبو تحسين. طرت بها الى بيت جاري بعد ان تجاوزت الساعة منتصف الليل من دون أن اشعر !!.

حين وصلت وجدت بيتهم يقبع في هدوء وسكون ولا سكون المقابر !. ادخلني جاري البيت واذا به كأحلى ما يكون !. قلت له مندهشا :

– ماذا حدث… اين مياه المجاري التي غمرت البيت كله ؟!!

– يا مياه حجّي ؟!.. ها… والله نسيت هههههه… يمعود انت طلعت منا.. وآني سويتها منا .. لم اتمالك اعصابي.. على مصابي. اَفكانت كل رحلتي ومعاناتي الطويلة الثقيلة مع الكيكي, والدنفوش, والصاكة, والمخبلة, عبثا.. دون جدوى !. شتمته بلا وعي بأقذع الشتائم والسباب. وهنا….. طكَت الفيوزات.. عِد جاري !!.

(لا اريد من يسألني كيف عالجت الفيوزات عند جاري… يكفي انني لم اقصر عندما… طكَت المجاري.. عِد جاري)

{  كاتب واكاديمي

مشاركة