طالوت – وجيه عباس
إحرامُ خطوك سجدةٌ وقنوتُ
فمتى طوافُك أيها التابوتُ
ثقلت خطاك وأنت تسبق ظلَّها
لو أدركتك بوقعها، ستموتُ
ستظل “يونسها” الغريق وحسبها
أن المنايا بين جلدك حوتُ
***
أرني ثياب الغيم كيف تحوَّلتْ
وجهاً سيمطرُني بها الياقوتُ
وتكاد تودعني أصابعُ مائها
جرياً كما يتدافع السكّيتُ
ولها بذمة مقلتيَّ مصارعٌ
بين الجفون على العيون نعوتُ
أوعاطسٌ ماغضَّ فيك شهادةً
أولى بها التحميدُ والتشميتُ
***
الصمتُ أجملُ لو يكونكَ، صوتُ
أو يجتبيك لدى غيابك موتُ
أن تستفيق بك المآذنُ قبلةً
ويكادُ يشرقُ دونها التوقيتُ
أو تستريح لبعضِ حرفٍ هاهنا
بعضُ الحروفِ تعلَّةٌ وسكوتُ
بعضُ الظلال مدائنٌ وخرائبٌ
في أيِّ واحدةٍ بها ستبيتُ؟
ويكاد يتبعُك الرحيلُ غوايةً
فيهِ، كما يتتبعُ الطاغوتُ
مابعد ظلِّكَ غربةٌ مستورةٌ
ولأنتَ صاحبُها بها المنعوتُ
ومدينةٌ تنآى، ورحلٌ طائرٌ
والبحر دونك في السراب تخوتُ
عرشٌ من الكلمات تورقُ عندها
حتى الظلالُ، وطينُها، والقوتُ
وتكادُ…لولا أن تكون مشيئةً
ليقولُ مولاها هنالك :موتوا
لأتيت مالم تأتِ فيهِ مطالعٌ
حتى يُقالُ بأنها لاهوتُ
حسبي جنونُ قصائدي، وكأنَّما
في كل قافيةٍ بها عفريتُ
***
دعني أبثُّكَ في اليقين مواجعي
وجعُ الظنون نوافذٌ وبيوتُ
فيها أجيؤك صائماً، وموائدي
التينُ بعضُ ثمارها، والتوتُ
ولها من الزيتون ألفُ وشيجةٍ
الخبزُ فيها الملك والملكوتُ
ولها الصحاحُ روايةٌ ودرايةٌ
يكفي بأنَّ حديثها مثبوتُ
سندٌ لها هذي الضلوعُ، ولم يقلْ
بضلالها الرهبانُ والكهنوتُ
أفبعدَ هذا يشتكيك من الظما
والنهرُ تحت يديك يا”طالوتُ”!؟
البحر ما اغترفت خطاك بمائه
مسحُ الوضوءِ تيمّمٌ منعوتُ
وقفت لك الدنيا فما أبصرتها
ورضيتَ أن تعمى وأنت ثبوتُ
الزهدُ ماملكت يمينُك عفَّةً
حيثُ الغنى بيساره جبروتُ
والواهبات من المغانم أنفساً
هي في الحياة خسارُها المنحوتُ
***
ووعى الحقيقةَ أصغراي هدايةً
فكلاهما رويا بها، فرويتُ
ماضرني بخسُ الوضيعِ فضائلي
وبأيِّها فيها هناك دُعيتُ
أعمى الضمير فلم يُفرّقْ عنده
نسرُ الجبالِ الشمِّ والكتكوتُ
ويداهن المتنطعين ضلالةً
ظنا بأنَّ الجاريات زيوتُ
وبأنه نوحٌ، وأنَّ سفينَهُ
حقٌّ، وان جيوبَهُ حانوتُ
حتى استفاق فلم يجد ماعنده!
ورأى بان قرينَهُ “سربوتُ”!
***
أنكرتِهِ بين العوالم عارفاً
ماغرَّهُ مجدٌ هناك مَقيتُ
علّمتِهِ ان الحياة بما وعتْ
كأسٌ، وخمرُ شرابها ممقوتُ
وبأنَّ إرثَ الراحلين منازلٌ
شتى، وجمعُ رحالهنَّ شتيتُ
وبأنَّ تلكَ وهذه، بعضُ الخطى
كُتبت عليَّ فكنتُها، ومشيتُ
كأسي الظلالُ، وللنديم حقوقُهُ
حسبي شربتُ ثمالةً، وسقيتُ
مثل الأصابع أنهري، فكأنَّما
كفاي نبعٌ لو أسال، جريتُ
وبأنَّني كفءٌ، ولستُ بنادمٍ
أَأَطيعُ فيها أمْ بهنَّ عصيتُ
ويدٌ قضيتُ بقبضِها لم تعترضْ
فعل الحكيم إذا قضى، وقضيتُ
هذا أنا أتصيَّدُ الكلماتِ يحملني
صليبٌ في العراءِ ثبيتُ
ودمايَ تورقُ أوجهاً بغصونه
وكأنَّ وجهي بينها مبهوتُ
هذا أناي وخلف ظهري عالَمٌ
لا أرتضيه، وإن يُقال رضيتُ
هذي لياليَّ التي بك أشرقتْ
أَرُميتُ فيها أم يُقال رميتُ
أبرزت صدري حاسراً بمفازةٍ
وحدي بقيتُكَ دونها، وبقيتُ
حَمَلتْكَ أضلاعي جراحاً حرَّةً
عِظَمُ البلايا عنكَ ما أخفيتُ
أنا ذا ضميرُكَ، والضميرُ نبوَّةٌ
بايعتُ وَحْيَكَ فيهما، وقريتُ
لم التفتْ إيّان يبعدُكَ المدى
أنا قرب ذيّاك الذي أوحيتُ
البيتُ بيتُك، والجهاتُ كثيرةٌ
حسبي بوجهك أن يكون مبيتُ
انا ذا حقيقتُكَ التي بك آمنتْ
ورأت بأنَّ ثيابها ناسوتُ
لكنَّ حشدَ ملائك مصفوفةٍ
وَجَدتْكَ حيث تراثُكَ المسكوتُ
إحرامُ صوتِكَ أن تقولَ لها خذي
إذْ كان خاتمةَ المنايا الفوتُ
ماعلَّمتْهُ يداك كيف يعيشُها
بل علّميهِ الان كيف يموت