ضجيج الصمت – نهلة الدراجي

ضجيج الصمت – نهلة الدراجي

مع اقتراب كل موسم انتخابي في العراق لا تكتفي السياسة بملء الشوارع بالحشود والوعود، بل تتعدى ذلك إلى غزو بصري يُحوّل المدن إلى لوحات عشوائية من صور المرشحين وشعارات لا تجد من يصدقها.

مع كل حملة انتخابية جديدة في العراق، تُعلن المدن حالة استنفار بصري، لا يترك للعين مهربًا ولا للذاكرة مجالًا للهدوء. فما إن تبدأ الحملات الدعائية، حتى تنطلق عملية (الاحتلال البصري) لكل ما يمكن أن يُرى. الجدران، الأرصفة، أعمدة الإنارة، إشارات المرور، وحتى المساحات الخضراء، تملأ بالعديد من الملصقات والصور والشعارات، التي تنصب بشكل عشوائي، فتنتزع من المدينة ملامحها وتُشوه المظهر العام للأحياء وحتى بعضها يعيق الرؤية. وبمجرد انتهاء الانتخابات، تُترك هذه المواد لتتحول إلى نفايات ورقية وبلاستيكية مشوهة، ممزقة بفعل الشمس والمطر والرياح، لتبقى شاهدًا على دورة انتخابية انتهت، وتلوث بصري ما زال مستمرًا.

​التناقض بين الخطاب والمظهر

​تكمن المفارقة في أن العديد من البرامج الانتخابية للمرشحين تتحدث عن تحسين الخدمات والبنية التحتية وجمالية المدن. ومع ذلك، فإن أول ما يفعله هؤلاء المرشحون هو المساهمة الفعالة والمباشرة في تدمير الجمالية الحضرية وتشويهها من خلال حملاتهم الدعائية..

اللافت أن هذا المشهد يتكرر في كل دورة انتخابية دون أن تتبعه محاسبة أو تنظيم جدي، في ظل غياب صارخ لتطبيق القوانين .. وتهاون المؤسسات المعنية في مراقبة الحملات..

هذا الواقع يفرض إعادة نظر جذرية في آليات الدعاية الانتخابية، ويستدعي تدخلًا حاسمًا من السلطات المحلية والمجتمع المدني على حد سواء. فليس من المقبول أن يتحول الموسم الانتخابي إلى موسم لتشويه المدن وتعميق الشعور باللاجدوى لدى المواطن الذي يرى في كل ملصق ممزق على الجدار رمزًا لوعد آخر لم يُنفذ.

لذلك، من الضروري فرض أنظمة صارمة تُلزم المرشحين باستخدام فضاءات دعائية محددة، وتفرض عليهم مسؤولية أخلاقية وقانونية بإزالة آثار حملاتهم فور انتهائها. كما يجب تشجيع الانتقال إلى أدوات تواصل أكثر حداثة واستدامة مثل الحملات الرقمية والمنصات الإعلامية المرئية، التي لا تُثقِل كاهل المدن ولا تُفسد بيئتها البصرية.

يبقى السؤال الأهم وربما الأشد إيلاماً :

إذا كان هذا هو شكل مدنكُم في موسم الانتخابات، فبأي وجه تطلبون ثقة الناس لما بعدها؟

مشاركة