ضباط وسياسيون يملكون المزارع والبنك الدولي القات أكبر مصدر للدخل والوظائف لكنه يخنق القدرات
نشطاء يباشرون حملة الحد من الإنتاج وجلسات التخزين تستنزف نصف دخل اليمنيين
صنعاء ــ توم فين
يحملق الموظف الحكومي الذي يرتدي حلة في الأرض بعينيه المحتقنتين وأسنانه التي كستها البقع البنية وقد انتفخ خده بكمية بحجم كرة التنس من الأوراق الخضراء الزاهية.
يعود علي 38 عاما بعد الغداء يوميا الى مكتبه بمصلحة الهجرة والجوازات في صنعاء ليمضي بقية اليوم مع زملائه في مضغ القات. ويقول علي وهو واحد من أربعة اتكأوا على وسائد على أرض المكتب وسط مجموعة من اجهزة الكمبيوتر المحمول والمشروبات والمرمدات والأرجيلات انها زهرة الجنة. تجري في دمائنا كيمنيين وهي ما تجعلنا بحالة جيدة .
وعلى غرار لافتات أخرى معلقة على جدران المكتبات والمساجد والمقاهي والكافيتريات في انحاء العاصمة اليمنية علقت لافتة على الجدار كتب عليها القيادة بالقدوة . ومضغ القات او ما يعرف بالتخزين تسلية للمواطنين في اليمن منذ قرون.
لكن بضعة نشطاء عقدوا العزم على القضاء على هذه الممارسة لإيمانهم بأن مضغ وانتاج القات يخنق قدرات اليمن ويستنزف القليل الذي تبقى من موارد البلاد الطبيعية. ويهيمن على انتاجه في البلاد شيوخ قبائل وضباط بالجيش وساسة. ويقول البنك الدولي ان واحدا من كل سبعة يمنيين يعملون في انتاج وتوزيع القات مما يجعله اكبر مصدر للدخل في الريف وثاني اكبر مصدر للوظائف في البلاد بعد قطاعي الزراعة والرعي ليفوق القطاع العام نفسه. وتعترف أسر يمنية فقيرة كثيرة بانفاق اكثر من نصف دخلها على هذا النبات.
وقال عبدالرحمن الارياني وزير المياه اليمني السابق ومؤسس جمعية خيرية لمكافحة القات تساعد المزارعين في استبدال اشجار القات بالبن ان القات هو اكبر سوق باليمن وانه اكبر من النفط ومن أي شيء.
وأضاف أن هناك أثرياء وذوي نفوذ داخل الحكومة ووراء الحكومة يسيطرون على هذه الزراعة ويستفيدون منها.
وتابع قائلا ان القات متشابك مع جميع مشاكل اليمن بدءا من الآباء الذين يشترون القات بدلا من سداد مصروفات تعليم ابنائهم وانتهاء بالرجال الذين يعالجون في المستشفيات من اصابات في الحلق والفم مما يستنزف الخدمات الصحية علاوة على العاطلين عن العمل الذين يمضون ثماني ساعات في مضغ النبات يوميا بدلا من البحث عن عمل.
وتخلى علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن لثلاثة عقود عن الحكم في وقت سابق من العام الحالي بعد اشهر من الاحتجاجات.
وعلى الرغم من عودة قدر من الاستقرار فان الدولة على شفا الانهيار وتعاني ركودا اقتصاديا كما وسع متشددو القاعدة من نطاق سيطرتهم في الجنوب واستولى المتمردون الحوثيون على جزء من شمال البلاد.
ولعل اكثر مشاكل البلاد الحاحا تراجع امدادات المياه. ويتوقع أن تصبح صنعاء أول دولة في العالم تنفد منها المياه لكن زراعة القات التي تفرض عليها اقل نسبة من الضرائب تحظى باكبر قدر من الدعم كما أنه المحصول الأسرع نموا في اليمن ويستهلك 40 في المئة من مساحة الأراضي الزراعية. ويتطلب انتاج الكيس الذي يمكن أن يستهلكه شخص واحد في اليوم مئات الليترات من المياه. وتصنف منظمة الصحة العالمية القات باعتباره مخدرا يساء استخدامه ويمكن أن يؤدي الى اعتمادية نفسية متوسطة ومن بين الأعراض الجسدية التي يمكن أن يسببها ارتفاع ضغط الدم وتسوس الأسنان والامساك والبواسير والهلوسة والاكتئاب.
وتشير استطلاعات الرأي الى أن عددا من اليمنيين اكبر من اي وقت مضى ــ 80 في المئة على الأقل من الرجال ونحو 60 في المئة من النساء وأعداد متزايدة من الأطفال تحت سن العاشرة ــ يمضغون القات في فترة ما بعد الظهر في أغلب الايام. وقال فارس الريامي وهو تاجر قات شاب القات لليمنيين مثل القهوة للامريكيين والشاي للبريطانيين . وتبنت الحكومة أحدث جهود مكافحة القات في 12 ابريل»نيسان بعد اشهر من الضغوط من الناشطة هند الارياني التي استخدمت موقعي فيسبوك وتويتر ونجحت من خلالهما في وضع القضية على الأجندة الوطنية وحشد تأييد لا بأس به من الشباب اليمنيين الذين يؤيدون حظر هذا النبات نهائيا. وقدمت هند بالاشتراك مع مجموعة من المحامين اليمنيين مشروع قانون لرئيس الوزراء يفرض عقوبات على من يستهلكون الموارد العامة على القات او يستخدمونه في المكاتب الحكومية.
وقالت هند ان القانون تم اقراره وسيبعث برسالة فورية وواضحة لجميع اليمنيين بأن مضغ القات غير مقبول وغير ملائم في العمل.
وأضافت أن على الحكومة أن تبدأ بنفسها وأن تكون مثلا أعلى لمواطنيها.
والحملة التي يجري الترويج لها من خلال القنوات الاذاعية والتلفزيونية الحكومية ونشرات التحذير والملصقات والورش هي اول جهد مشترك تبذله الحكومة للتعامل مع تعاطي هذا المخدر منذ اكثر من عشر سنوات.
لكن الكثير من اليمنيين يقولون انهم لا يستطيعون مقاومة الشعور بأن هذه الحملة ستفشل مثلما فشلت حملات اخرى من قبل.
في عام 1972 منع رئيس الوزراء آنذاك محسن العيني مضغ موظفي الحكومة للقات خلال ساعات العمل وحظر زراعته على الأراضي التابعة لهيئات دينية حكومية.
وتلقى العيني تهديدات بالقتل من رجال قبائل وأصحاب مزارع قات حول صنعاء. ويشتبه الكثير من اليمنيين في أن اقالته من منصبه بعد ثلاثة اشهر كانت نتيجة لحملته.
وقال عبدالله الفقيه استاذ السياسة بجامعة صنعاء ان السبب في فشل المحاولات السابقة لمنع القات هو أنها تصطدم بالمؤسسة السياسية لأن الكثير من المنتمين لها لهم مصالح في هذه القطاع المربح وأضاف أنهم يكتفون بالقاء المواعظ لكنهم يحجمون عن التنفيذ.
ويخشى كثيرون من أنه لا توجد وسيلة فيما يبدو لمنع القات من دفع اليمن الى كارثة.
وقال محمد السعيدي وهو اقتصادي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة ورئيس سابق لهيئة المياه باليمن انها حلقة مفرغة.
وأضاف أن مع ارتفاع اسعار المياه تدفع المنافسة المزيد من الناس لزراعة القات التي تستهلك بدورها المزيد من المياه وقال انه اذا استمر انتشار مزارع القات بهذه الوتيرة فان كل الأراضي الزراعية باليمن ستستغل في زراعة القات عما قريب.
وقالت الناشطة هند ان مسؤولي الحكومة منخرطين في هذه الصناعة بدرجة لا تسمح بأن يتحمسوا للقضاء عليها.
وأضافت أنهم لا يريدون مكافحتها بل يريدون تشجيعها وقالت انها لم تقابل مسؤولا حكومياً قط يعارض القات قلبا وقالبا.
/4/2012 Issue 4185 – Date 28 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4185 التاريخ 28»4»2012
AZP02