وضوء الفراغ
صلاة سومرية قبل ان يطالني النسيان – شوقي كريم حسن
في أهوار الجبايش،
حيثُ الماءُ صلاةٌ سرمديّة،
وحيثُ القصبُ،
مسبحةُ سومر الأولى،
وخالقُ النايات التي تعلّمَ منها الهواءُ معنى النداء.
هنا يتطهّر الفراغ،
يخلعُ جلدَه اليابس،
يمدُّ كفّيهِ إلى الاخضرار
لم يزل منذ فجر الخليقة
يعلّمُ الطينَ كيف يصيرُ إنساناً،
وكيف يكتبُ على صفحة الغيم
نشيدَ الخلود.
أمجادَ ماءٍ لا يشيخ،
أنفاسكِ وضوءُ الروح،
قطراتُكِ كتابُ الطهارة،
ومن يلمسُ جبهتَهُ بمائكِ
يكتبُ اسمهُ على لوح الأبدية
كواحدٍ من أبناء سومر،
كواحدٍ من رعاة الضوء.
سلامٌ عليكِ،
يا مفخرةَ السلالة الأولى،
يا معراجَ القصبِ نحو السماء،
يا نايَ الخلودِ الذي لا ينكسر.
سلامٌ على الأهوار،
على مائكِ الموشومِ بأسرارِ الخلق،
على قصبكِ الذي يشبهُ الرماحَ
حين يحرسُ حدودَ الأبد.
سلامٌ على الطين،
وقد نطقَ بالحياةِ أوّل مرّة،
فصارَ إنساناً،
وصارَ مملكةً للضياء.
سلامٌ على أصواتِ النوارس
وهي تعلّمُ الغيمَ طريقَ العودة،
وعلى الزوارقِ
كأنّها أجنحةُ سومرية
تشقُّ دروبَ الخلود.
أيّتها الأهوار،
يا وضوءَ الفراغ،
يا معراجَ الروح،
يا تاجَ سومرَ الخالد،
كوني لنا مزاراً ومحراباً،
وللدهرِ شاهدَ قداسةٍ،
ولتظلّي أبداً،
كتاباً مفتوحاً على الماء،
يُتلى فيه نشيدُ الخلق،
وترتفعُ منه صلاةُ الوجود.