صعود بترايوس وسقوطه ـ برهان إبراهيم كريم

صعود بترايوس وسقوطه ـ برهان إبراهيم كريم
كما كان من نجوم الحرب العالمية الثانية بعد انتصار الحلفاء على دول المحور الجنرال الامريكي آيزنهاور.
وآيزنهاور كان قائد قوات الحلفاء، وبطل معارك شمال افريقيا واحتلال ايطاليا، ونفذ عمليات الانزال في النورماندي شمال فرنسا، وحررت قواته دول اوربا الغربية من الاحتلال النازي، واحتل معظم الاراضي الالمانية. واشتهر بمعارضته واجهاضه لمعظم خطط وطموحات السير تشرشل رئيس وزراء بريطانيا. وهو من اختارته النخبة الامريكية ليكون رئيس الولايات المتحدة الامريكية عام 1953م لولايتين رئاستين بعد الرئيس ترومان.
كذلك كان الجنرال دايفيد بترايوس احد نجوم الحرب الامريكية على العراق. الذي ولد في ولاية نيويورك في 7»11»1952 لوالدين من اصول هولندية. وكان والده يعمل بحاراً. وخدم بترايوس في الجيش الامريكي لمدة 37 عاماً. واستنجد به الرئيس الامريكي جورج w بوش بناء على توصية من رئاسة هيئة الاركان ووزير دفاعه رامسفيلد لانقاذ الوضع المتردي للقوات الامريكية في العراق. واتبع الرئيس السابق جورج بوش نصائحه، عندما قرّر ارسال 30 الف جندي اضافي الى العراق. وفي اواخر يناير 2007م صادق مجلس الشيوخ على تعيينه على راس قيادة التحالف الدولي في العراق. وبات هذا الجنرال امل الرئيس بوش، الذي لم يعد له من عمل سوى كيل المديح والثناء والاطراء له صباح مساء. مما اهله
لاحتلال مناصب رفيعة في الجيش الامريكي.
ومن خلال هذا المنصب طبق فلسفته التي نضجت بعدما طوّرها في اطروحته حول الاخطاء التي ارتكبها الامريكيون في فيتنام. وبعد ذلك عيّن هذا المظلي المنحدر من ولاية نيويورك والذي يحمل دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة برينستون 1987م، رئيساً للقيادة المركزية الامريكية في الشرق الاوسط وآسيا. وفي صيف 2010 م حل محل ستانلي ما كريستال على راس قوات التحالف الدولي التي تحتل افغانستان. استراتيجية بترايوس لمكافحة التمرد التي طبقها في العراق اطاحت بعد فترة بوزير الدفاع ويعض كبار هيئة الاركان ممن اختلفوا معه. وراح يرتقي في المناصب من قائد القوات الامريكية في العراق، الى قائد للقوات الامريكية في افغانستان، وقائد القوات الاميركية في المحيط الهندي، واخيراً رئيس وكالة المخابرات المركزية الامريكية الـــ CIA. وبات المرشح المحتمل لينافس الرئيس الامريكي اوباما على منصب الرئاسة.
يعتبره البعض اشهر ضابط في الجيش الامريكي، ومهندس الاستراتيجية الرابحة للولايات
المتحدة في العراق. احتفل منذ فترة وجيزة بعيد ميلاده الستين. ونجا من الموت مرتين. ويوصف بانه بطل الحرب في العراق. علاقاته بالبيت الابيض ايام رئاسة جورج بوش الابن كانت سلسلة واكثر من ممتازة. وكان بوش يحرص على تنفيذ كافة طلباته تقريباً. وحين فتح مجلس الشيوخ جلسة للتحقيق بما آل اليه الوضع من تردي في العراق، ادلى هذا الجنرال بشهادة تدعم سياسة الرئيس جورج بوش وادارته. لكن علاقاته مع الرئيس باراك اوباما شهدت تقلبات كثيرة، بدءاً بتوتر مطلع 2009 م عندما لم يوافق الرئيس سوى على ارسال ثلاثين الف جندي اضافي الى افغانستان، بينما كان بترايوس يطلب عدداً اكبر بكثير لدعم استراتيجية تعزيز القوات في اثبت هذا الجنرال جدارته في قيادة قوات الائتلاف في العراق، حيث وضع استراتيجية لمكافحة المتمردين ادت الى تحسّن الوضع الامني واتاحت الشروع بسحب القوات الامريكية من العراق، وصولاً الى سحب كامل القوات القتالية بحلول نهاية شهر آب طبقاًً للجدول الذي اعلنه اوباما مطلع 2009 م. اكتسب بترايوس سمعته الاساسية في العراق من خلال كونه قائداً للقوات الامريكية لشمال العراق، وقائد الفرقة 101 المحمولة جواً عام 2003 م. وبعد ذلك اشرف على اعادة بناء الجيش العراقي. وبعد عودته من العراق، اعاد كتابة دليل مكافحة التمرد الذي يُعدّ وثيقة مرجعية للجيش ومشاة البحرية الامريكية لمكافحة المتمردين. يعتبر بترايوس ان القائد المثالي يجب ان يكون محارب قادر على الالمام بكل تعقيدات اي نزاع على ارض اجنبية يجري بلغة وثقافة مختلفتين، وقادر على وضع نفسه في
موضع العدو.
وقد كشف الصحفي كارل بيرنشتاين في صحيفة الغارديان والصحفي بوب وودوارد في صحيفة الواشنطن بوست. سر محادثة الامبراطور الاعلامي روبرت مردوخ مؤسس ورئيس مجلس ادارة شبكة فوكس نيوز، الذي حاول شراء رئاسة الولايات المتحدة الامريكية. من خلال ارسال مردوخ احد معاونيه، وهو روجر ايلز في اوائل عام 2011م الى افغانستان لاقناع الجنرال ديفيد بترايوس، بخوض الانتخابات ضد باراك اوباما كمرشح عن الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الامريكية عام 2012 م. مع تعهد مردوخ بتمويل حملة الجنرال بترايوس اذا رشح نفسه، ووضع فوكس نيوز في خدمة حملته الانتخابية. الا ان خطة مردوخ بترشيح بترايوس منافساً للرئيس اوباما في انتخابات الرئاسة الامريكية فشلت،لان بترايوس قرر عدم الترشح. ومما قاله بترايوس في التسجيل انا لن اترشح، ولكن لو حصل ذلك في اي وقت مضى، كنت ساقبل هذا العرض. وتصرف مردوخ ورد بترايوس اضرا بواجهة السياسة الديمقراطية الامريكية. وهذه المحادثة او هذه القصة فضحت حقيقية اللعبة الانتخابية الامريكية، من ان الشركات الاحتكارية هي من تقود النخبة، وهي من تتلاعب بالنظام الديمقراطي لتقييد الناخبين من اجل اختيار مرشحين متطابقين، يتوافقون على 80 من القضايا. ودفع الجنرال بترايوس الثمن غالياً حين حاول ان يجعل من نفسه آيزنهاور آخر. حيث ضربته فضيحة عن علاقاته الغرامية مع امراة خارج نطاق الحياة الزوجية، كي تنهي حياته المهنية وتبعده نهائياً عن المسرح. والذي يدعوا للتامل والاستغراب ان تسقط علاقة غرامية بجنرال يحتل موقعاً رئيسياً في النخبة والمجتمع،وفي مجتمع امريكي متحرر، تقوم الكثير من علاقة افراده على الاباحية وعدم الالتزام بعلاقة وحيدة مع زوجته فقط. المهم ان هناك ايادٍ خفية حركت غيرة امراة هي جيل كيلي المتزوجة من طبيب جراح لاسقاط بترايوس. بدعوى ان الضابطة السابقة بالجيش باولا برودويل والتي كانت تربطها علاقة بالجنرال السابق المتزوج ارسلت للسيدة كيلي برسالة تهديد عبر البريد الالكتروني. فتحركت او حُركت كيلي والتي تلقت رسائل التهديد بعدما اصابها الجزع، الى التوجه
السيرة الذاتية
لمكتب التحقيقات الفيدرالي لحمايتها ومساعدتها على تعقب المرسل، وادت تحقيقات المكتب التي استمرت لعدة اسابيع، الى التوصل الى ان التهديدات صادرة من باولا برودويل كاتبة السيرة الذاتية للجنرال بترايوس، كما كشفت عن رسائل فاضحة بين برودويل والجنرال
بترايوس. وعندما ظهر اسم بترايوس لاول مرة خلال التحقيق، خشي محققو مكتب التحقيقات الفيدرالي من ان يكون قد تم اختراق حساب البريد الالكتروني الشخصي لمدير وكالة الاستخبارات المركزية وامكانية الاضرار بالامن، ولكن الطبيعة الجنسية لرسائل البريد الالكتروني جعلتهم يخلصون الى ان بترايوس و برودويل تربطهما علاقة غرامية، واوضحوا ان برودويل اعتبرت ان كيلي تشكل تهديدا لعلاقة بردويل مع الجنرال بترايوس. وصحيفة نيويورك تايمز الامريكية كشفت على موقعها الالكتروني هوية بولا برودويل، وهي امراة متزوجة وام لطفلين. وارتبطت برودويل بالجنرال اثناء كتابة سيرة ذاتية شاملة له، وامضى الاثنان عدة ساعات خلال اعداد الكتاب المذكور. وتُوصف برودويل بانها صاحبة انجازات متميزة طوال مسارها الاكاديمي والمهني، وهي خريجة جامعة ويست بوينت، ولاعبة كرة سلة في الجامعة، وتحمل ماجستير في الادارة العامة من جامعة هارفارد، ومرشحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة بريطانية.وباءت محاولات وسائط الاعلام بالتواصل مع برودويل واقاربها بالفشل. وهناك رواية اخرى تقول ان مسؤول في موقع كبير وهام اختار للجنرال بترايوس سكرتيرة متزوجة جميلة جدا جداً كان يصطحبها معه في جميع رحلاته الداخلية. وكان يراودها عن نفسها كثيراً وهي ترفض.وبعدما ضاقت ذرعاً بتصرفاته الصبيانية والمراهقة شكته الى جهة عليا فخلصتها من بين انياب ذلك الثعلب المتصابي.
وانتشرت الفضيحة بذريعة انه لم يكن بمقدور الادارة الامريكية لفلفة الموضوع وستر الفضيحة، رغم ان فضائح اكبر منها لفلفت وطمست. ومنها ان بترايوس اقام علاقات مع فتيات في افغانستان والعراق. ولفلفت العلاقة الجنسية للرئيس الامريكي بيل كلينتون مع المتدربة مونيكا.
والعلاقة الجنسية للجنرال دوايت آيزنهاور مع سائقة سيارته الاسترالية كاي سومرسبي خلال الحرب العالمية الثانية. والعلاقة الجنسية للجنرال جون بيرشنغ مع امراة متزوجة خلال الحرب العالمية الثانية. والعلاقة الجنسية للرئيس جون كينيدي مع مارلين مونرو، والعلاقات الجنسية المتعددة للجنرال ماثيو ريدجواي. والمضحك ان الجنرال جيفري سينكلير يحاكم حالياً بتهمة اقامة علاقات جنسية مع اربع نساء عملن معه خلال خدمته في العراق وافغانستان
سبب شهرة هذا الجنرال انه اعتمد في العراق سياسة استراتيجية مقاومة التمرد في حرب فيتنام كونتر انسورجنسيز، او كوينْ بعد ان ادخل عليها بعض التعديلات. وهذه الاستراتيجية درج كبار الجنرالات الامريكيين على ازدرائها واوشك وزير الدفاع دونالد
رامسفيلد عام 2006م على حظر تداول استعمالها. ولكن بترايوس عام 2007م اعاد ارساء معلمها، كعقيدة عسكرية يدعو اليها ارفع المسؤولين في اعلى هرم البنتاغون وكرسها الرئيس جورج بوش سياسة رسمية بعد ان اطاح بوزير دفاعه رامسفيلد.فادارة جورج بوش
غزت افغانستان والعراق منتهجة استراتيجية الاثر السريع، الرامية الى الحاق الهزيمة
بالخصم والانسحاب السريع.ولكن هذه الاستراتيجية ثبت فشلها، وادت الى تعثر خطط الحرب على كل من العراق وافغانستان. حينها راهن الرئيس جورج بوش على استراتيجية مكافحة التمرد من جديد.
باعتبارها الحل لتفادي الكارثة. واختار الجنرال بترايوس صاحب الدليل لهذه الاستراتيجية
لقيادة قواته في العراق.وحين افلح بترايوس في العراق، نقل بترايوس لافغانستان ليطبق نفس الاستراتيجية في العراق الا انه بترايوس فشل في افغانستان. حينها بدا اوباما ينظر بعين التحفظ الى الاستراتيجية البترايوسية والتي هي سياسة مكافحة التمرد.
حين تخرج دايفيد بترايوس من وست بوينت عام 1974م كانت حرب فيتنام تشارف على الانتهاء من غير تحقيق نصر او انسحاب مشرف للقوات الامريكية من فيتنام. حينها التزم كبار القادة الامريكيين العزوف عن خوض حرب التمرد وحرب عصابات في الادغال او المدن. وانصرفوا الى احتمال اندلاع حرب تقليدية كبرى مع الاتحاد السوفيتي في اوربا، ووصفوا نزاعات هذه المرحلة بنزاع منخفض المستوى. وفي مطلع التسعينات صاغ الجيش
سلم الرتب العسكرية
الامريكي مفهوماً جديداً اكثر التباساً سموه العمليات العسكرية مووتوا خارج الحرب. واعتبر قائد الاركان السابق الجنرال جون شاليكشفيلي بان شن مثل هذه العمليات ليست من شيم الرجال الاقحاح. ولكن عدداً كبيراً من قادة الجيش الامريكي شبوا وشابوا وارتقوا في سلم الرتب العسكرية مكافاة لهم على اداء كل منهم لعمليات مووتوا في السلفادور وباناما والصومال وهايتي والبلقان. الا ان الجنرال ديفيد بترايوس في مطلع حياته المهنية وقع في فرنسا وايطاليا على كتب خلفت اثراً بالغاً عليه، منها كتاب حروب مكافحة الارهاب بين النظريات والميدان لديفيد غالولا، والذي شارك في حملات مكافحة الارهاب. وخلص غالولا في كتابه الحروب الثورية الى ان قواعد الحرب غير التقليدية مختلفة عن التقليدية،فهي صنو الحرب بين اسد وبراغيث البرغوث لا يسعه تسديد الضربة القاضية،والاسد عاجز عن الطيران، البرغوث يزرع الفوضى، والاسد يُرسي النظام. والحاق الهزيمة بالبراغيث يكون بتجفيف المستنقعات التي تتكاثر فيها، عن طريق استمالة البيئة الحاضنة.والمقاتل في مثل هذه الحرب يتحولا عاملاً اجتماعياً ومهندساً مدنياً واستاذ مدرسة وممرضاً. وبنظر غالولا فمثل هذه الحروب تقتضي 20 من العمليات العسكرية و80 من المساعي السياسية. وحين عين بترايوس في الثمانينات من القرن الماضي مساعداً للجنرال جون غالفن في اميركا الوسطى،التي كانت مسرح عمليات تمرد واسعة.اقترح الجيش الامريكي على السلفادور
مشروعاً لمكافحة التمرد. وفي خاتمة خدمة بترايوس في امريكا الوسطى،كتب بترايوس مقالة نيابة عن غالفن عنوانها الحروب غير المريحة نحو نموذج جديد.وعند عودته الى الولايات المتحدة الامريكية اعد اطروحة دكتوراه في جامعة برنستون، تناول فيها قصر نظر موقف الجيش الامريكي لمكافحة التمرد في مرحلة ما بعد فيتنام، واشار فيها الى حاجة الجيش الامريكي الى تغيير عقيدته واساليبه التكتيكية. وفي نفس الوقت برز جيل جديد من القادة اثر اهتدائهم باجراءات مماثلة.وفي كلية العلوم الاجتماعية المعروفة سوش في
ويست بوينت وهي مركز البحث غير التقليدي في الجيش الامريكي،كانت خيوط استراتيجية مكافحة التمرد تتبلور من جديد.حيث تناول جون ناغل الموضوع من خلال اصدار كتابه بعنوان تناول الحساء بواسطة السكين. لا ندري ان كانت فضيحة العلاقة الجنسية للجنرال بترايوس هي التي اطاحت به،ام ان عدم رضى اسرائيل عن مواقفه،ام تصريحه الذي قال فيه ان الولايات المتحدة الامريكية ستبقى مكروهة من العرب والمسلمين طالما انها منحازة لاسرائيل بهذا الشكل.او ان ضغوطه باتجاه اقامة الدولة الفلسطينية هو السبب.وربما تحرك الموساد بعد ان عرف نقطة ضعف الجنرال بترايوس امام الجمال الانثوي فقام بدور تامين وتحريك النساء لهذا الجنرال، للاطاحة به قبل ان يغدوا المرشح الاكثر حظاً في الفوز بالانتخابات الرئاسية عام 2016م.ام ان توافقه ووزيرة الخارجية السابقة كلينتون وادارتهما لبعض القضايا الازمات لم يعجب اسرائيل او اوباما؟
المعلق السياسي توم ريكس كتب في مدونته يبدو اننا نهتم بالحياة الجنسية لقادتنا اكثر من مما نهتم بالحياة الحقيقية لجنودنا. هناك جنرالات اخفقوا في العراق، لكنهم بقوا في مناصبهم.رحيل الجنرال بترايوس يبين اننا متشددون عندما يتعلق الامر بالسلوك الشخصي،لكننا متساهلون كثيراً عندما يتعلق الامر بالاخفاق المهني.
ستمر اعوام قبل ان تتوضح حقيقة الاسباب التي كانت السبب في الاطاحة بالجنرال
بترايوس. ولكنها مع ذلك تكشف حقيقة الصراعات الكبيرة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. كما انها تكشف بوضوح ان النخب الامريكية قد افلست افلاساً مريعاً،
وباتت في وضع لا تحسد عليه، وانها باساليب الخداع والكذب والتضليل التي تتبعها
فقدت مصداقيتها في اوساط المجتمعالامريكي، والمجتمع الدولي، ولم تعد بمثل هذه
الاساليب الماكرة والبالية والفاشلة والمفضوحة من قبل الامريكيين وغير الامريكيين بقادرة على الاستمرار.
عميد متقاعد
AZP07