صرخات ودموع منسية
هناك مقولة أعجبتني حقيقةً تقول ” أن الشيء الواحد يجمع بين النفع والوجع.. قوة الضوء مثلاً تبهر النظر، الشمس المتوهجة صيفاً تصهر وتضر، والشمس الدافئة شتاء تسري وتسر.. كثرة الطعام تفضي إلى التخمة القاتلة، وعدمه يؤدي إلى المجاعة والفجيعة. النهر الهادئ يمرع وينفع، والنهر الفائض بمائه يغرق ويُسلم إلى كارثة.. الزيادة كالعدم محصلتهما واحدة ، لا شكّ في وجود شكلاً من أشكال السكوت على معاناة الأرملة العراقية ، رغم أنّ مجتمعنا يتعاطف معها ومع معاناتها، والسائد لهذه القضية لا مفر منه ، محاولة تخليصها من تلك المعاناة ليست فقط شعارات ، بل يجب أن يكون هناك اتّجاه حاسم وجملة من المواقف وقوى لست معنية بالسلطة فقط بل اجتماعية وأيديولوجية ..
الأزمة.. اليوم في ذروتها..لا يتأتّى هذا الميل من تبدّل في الظروف والأوضاع التي اعتلت واقع المرآة العراقية ، بل هو نتاج سنين طويلة . فالتخلص من نمط الحياة المجحفة التي تعيشها الأرملة ، يحتاج إلى حركة عارمة ، وهذا إذا تخلصنا من اللامبالاة التي تخفي وراءها الكثير من الحقائق والصور..لقد قطعت المرآة العراقية أشواطا في طريق المعاناة والصبر والتضحية ..ووصلت إلى مرحلة العوز ورمي ما قدمتهُ من تضحيات خلف جدار متهرىء على الزمن ، ربما ، يزيح ما عليه من غبار، كل المراحل التي مرت بها المرآة العراقية من النظام السابق إلى الاحتلال الأمريكي وآخرها معايشة المحن المفروضة على البلاد … خلقت من جراء مراحل النظام السابق كانت أولها ( مطاردات النظام لمن لا تتماشى أفكاره مع أفكاره ، زجهم في السجون وتعليقهم على أعواد المشانق من نساء وشباب ، شيوخ وأطفال ، مرحلة عصيبة ولٌدت الرعب والخوف ) تلتها مرحلة الحروب والتي استنزفت شباب العمر ومرحلة الحصار والكفاف والجوع والأمراض ، راح ضحيتها الكثير من أبناء شعبنا ، ومن بعدها مرحلة الاحتلال والقتل العشوائي وووو..
وتحوّلت المرآة العراقية إلى مربّية ماشية وقت ما يحتاجون منها الزوج والابن والأخ يقولون إليها ( هل من مزيد؟ ) وأفضت حياتها إلى كومة من الأوجاع والذكريات المؤلمة وتشعبت في نفسها وروحها المهانة والذلة والظلام الذي وجد رغما عن أنفها ، أنه تدفع ثمن السياسة التي رخصتها وباعتها برخص ؟
ولا نستطيع ذكر رخص التراب لأني لا أتوقع يوجد أغلى من التراب …
إنّ الواقع الذي نعيشهُ يتّسم بهشاشة مفرطة وغريبة بين ما قدمتهُ العراقية وبين الذي طالما تفادت المطالبة الصريحة به ، ولم تُطرح قضيتها ومعاناتها كقضية إلا للمناقشة فقط…. نحن اليوم في غفلة تامة من واقعها..
إنّ العوز هو واقع المشكلة التي تعانيها الأرملة العراقية ، وإذا تُركت ، أي إذا ترك الأمر للزمن ، ستحلّ أمور ربما نحن في غنى عنها وطبعا هذه الأمور هي وليدة فراغ التشريع القانوني أو الدستوري للأرملة ، أي بمعنى آخر: إذا تخلّت الدولة أو تناست مهمّتها تجاه وضع الأرملة في الحياة الواقعية، بالموضوعية التي تسمح بها بتطوير إنجازاتها ووضع حلول قانونية وتشريعية …
لقد خلقت الأوضاع التي أفضت إليها التجربة العراقية إن المرآة العراقية هي أساس يمس كيان الفرد العراقي وهي التي تدعم وتؤثر في بناء الدولة طيلة السنين الماضية..
لا اريد اجراء دراسة وبحث عن موضوع ” الأرامل ” فالصور الأجتماعية لهذه الحالة تختلف بين شعب وشعب من عادات وتقاليد وطقوس تعيشها الأرملة خاصة في مجتمعنا الذي عاني من حروب وقتال مختلف ولقد أدى ارتفاع نسب التدهور الأمني و العنف الطائفي الى تصاعد نسب الأرامــل و اليتامي في بلاد الرافدين وهناك فجوة واسعة بين الحكومة والقوانين التي وضعتها وبين الواقع النسوي المحاط بالفقر والذل والأبناء حيث تصبح الأرملة مسؤولة عن توفير كل شيء وماذا نتوقع من أمراة تريد رعاية اولادها في ظل غياب رعاية الدولة وغياب القوانين التي تحميها وتحمي اولادها من التشرد و مع غياب الاهتمام الحكومي وعدم وجود منظمات دولية أو إنسانية فاعلة في العراق للمساهمة في تخفيف معاناة الأرامل، لابد للمرأة الأرملة من أن تبحث عما يوفر لقمة العيش الكريم لأبنائها، وقد تعرضت الأرامل للكثير من الضغوط والمساومات في سبيل الحصول على فرصة عمل سواء كانت حكومية أو في القطاع الخاص.
متى ستعي الجهات المسؤولة ومنظمات المجتمع المدني التي تطالها مسؤولية الرقابة و الحد من الفساد الى أهمية ولاية عناية فائقة لهذه الشريحة التي يقع على عاتقها تربية الجيل القادم. كيف يمكن لهذا الجيل أن ينهض بمجتمعه في حال اضطر للانسحاب من صفوف الدراسة مبكرا لاعالة أسرته. متى سيتمكن العراق الذي يحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث احتياطي النفط من تحرير الأرامل و المطلقات والفقراء بشكل عام من أسوار الفقر التي طال أمدها). لذلك فعلى الحكومة العراقية أن توفر السبل الكفيلة بالعناية وكل متطلبات الحياة السعيدة واللائقة لهم ، من المسكن والملبس والطعام والرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والحنان والحب، حتى تعود الابتسامة على وجههم والسعادة والفرح في قلوبهم.
ومن هنا فان تصميم السياسات الاجتماعية ينبغي ان تتصدى للفقر وللاستبعاد والتهميش الاجتماعي من نواحي عدة ففي وسعها ان تتدخل عن طريق الاساليب الوقائية لتجعل وقوع الاحداث التي تؤدي الى الفقر والاستبعاد الاجتماعي اقل احتمالا . او تستجيب للاحداث التي تقع بالفعل لكي تقلل من تأثيرها الاستبعادي .
لكل سياسة اجتماعية رؤية تنطلق منها وبيئة تطبق فيها واهداف تسعى اليها ولعل مراجعة سريعة لتاريخ العــــراق تظهــــر ان ثراء خبراته في مجالات التشريع وتنظيم المجتمع والعمل الاجتماعي والابداع الثقافي لم يمنع دخوله مراحل التخلف والانحطاط لاسباب عديدة لعل في مقدمتها الاستنـــــــــزاف المستمر للثروات وتبديد الموارد وحرمان الناس من فرص التقدم وان الازمات التي مر بها العراق في العقود الثلاثة الاخيرة تقدم الدليل القاطع على ان الحرية هي الوجه الاخر للتنمية وان الثمن الاجتماعي والانساني للحــــروب والنزاعات اخطر بكثير من ذلك الثمن الذي يتمثل في خسارة الموارد والبنى التحتيـــــة ولذلك نقول ان المجتمع العراقي الذي خســـــــــــر ملايين من ابنائه ،خسر ايضا الاحساس الاجتماعي بالامان وتضررت نظمه الاسرية وتدهورت منظوماته القيمية ونظمه التعليمية والصحية فضلا عن موارده وثرواته.
فعلى الحكومة ان تمارس مبدأ الحوار المتمدن والصادق في عملية المصالحة الوطنية . لايجاد آليات وحلول جذرية سريعة في معالجة الوضع العراقي المنهار على كافة الاصعدة. وضرورة فتح مرحلة جدية بغية انتقال العراق فعلا الى عراقا حديثا بكل معنى الكلمة ، تزدهر فيه الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتصان فيه حقوق الانسان ، ويرفع من شانه كدولة عصرية في المحافل الدولية ذات السيادة الوطنية، وتأمن بالديمقراطية وممارستها فعليا في الحياة اليومية، وبالتعددية والتطور والتقدم والرفاهية والمواطنة لابناء الشعب العراقي. لتعود الابتسامة على وجوه ابناء شعبنا والسعادة والفرح في قلوبهم.
امنيه السامرائي – بغداد
AZPPPL