صدمة  المستقبل –  كاظم المقدادي

صدمة  المستقبل –  كاظم المقدادي

من القرية (الكونية ) التي بشر  بها خبير الاعلام الكندي ماكلوهان ، الى القرية ( الكورونية) التي اهتز لها العالم ، بعد انطلاقها  من مدينة ووهان ..

ياله  من تاريخ مذهل ،  ومهمل ، ومتقلب ، ومتوثب .. وهو يسارع الخطى ، نحو مستقبل لا يتكهن به احد ، ولا يتنبأ به احد .

مرت علينا  أكثر من أربعين سنة على القرية الكونية ، فاذا نحن امام حالة كورونية ، غيرت من مفاهيم الاتصال ، بعد ان حولت الصيدلاني الى بقال .. ومازالت تسري مثل سحابة صيف .، حجبت عنا عوالم الجمال واللون ، واعادتنا  الى عالم يتصارع فيه الكون .

قرية ماكلوهان .. تطورت ، وغيرت  العقول والاصول ، والعلاقات والقوانين والحقول ، وصرنا نعيش .. وكأن بيدنا مصباح علاء الدين .. ( شبيك لبيك )  نتصل بعزيز لنا ، في اقصى العالم ، ونخبره بفضائل التشريب .. ثم نتطاول وبصوت عال ، على  اعظم رئيس ، ونحن نحتسي شراب الزبيب .

لم نهضم بعد فكرة  .. اننا اصبحنا  نعيش وسط هذه التحولات المتسارعة والمذهلة  ،  وهي  تسري في كل قرية وبلد، ولم نع بعد فكرة، اننا  بتنا  لا نعيش لاحد .

بلا جدل ، ولا جدال  .. عشنا بعشق وغرام ، مع عصر التفاعل والانسجام   .. وقريبا سننتقل الى مرحلة  التأمل الباطني والوئام .. وسنغادر تطبيق الرقميات ، والمسح ، والبصمة ، والصور والحسيات .. وستتغير لعبة التخفي ،  والاستعارة .. ويكفي ان تنظر الى شاشتك الالكترونية ، و تفكر بالطبيخ .. وسيأتيك حمودي بالطبيخ ، والزولية  .. وسوف لن تتوقف امام تدفق  الاخبار وتتألم  ، ولا امام عواجل الرصاص الذي لا يرحم .. لانك ستدور انت حول الارض ، الف مرة في اليوم .. وستمكث مخبولا  بعجائب الكون .

حتى هذا الزحام الذي يؤذيك وبسلب طاقتك ، وتفكيرك  .. ستتخلص منه ، لانك ستتنقل وسط سيارات طائرة ، تملأ الاجواء ، وتعيش في العلياء .

الحق يقال .. ان عصر القرية الكونية.. خلق لنا تواصلاً ومنجزات .. وافراحا ومسرات .. وجمعنا في قرية بهيجة.. الكل يفرح للكل.. والكل يحزن للكل .. ومواعين العنبر  تنتقل بين البيوت ، والتكافل الاجتماعي موجود ، والخير ، ممتد وممدود ، والتواصل الاجتماعي  ليس له حدود .

الى ان حلت الجائحة .. وما أدراك بالجائحة .. جفت  الاقلام ، ورفعت الصحف ، وامسينا رهن البيوت والقبور ،  والوباء  الذي لا يستر المستور .. وحلت القرية الكورونية  ..  فاجتاحت  الارض  بلاء ، و اهتزت القيم اهتزازا .. وفجأة صرنا نعيش زمن الكمامة ،  فتكممنا ، وصمتنا ، وماجت بنا جميع اللغات، الا لغة العيون.

والغريب ان مليارات الكمامات نزلت مرة واحدة الى الصيدليات ، والمخازن ، وبدات  تجارة جديدة ، لم يعهدها طريق الحرير من قبل .. وانتعشت تجارة اللقاح ، وما ادراك ، ما اللقاح .. صار سياسة  بدلا  من ان يكون علما ، وتجارة بدلا من ان يكون انسانا .

وانتهى بنا الحال .. الى ان تكون لغتنا كورونية ، واخبارنا كورنية ، وبضاعتنا كورنية ، و قبورنا كورونية .. ولم يبق لنا سوى ان تكون وصيتنا كورونية .

وسنعود .. يوما يا ولدي .. الى قرانا ومدننا القديمة ، بحثا عن الاصدقاء والاحباب ،  ونطرق كل الابواب ، ونبحث عن حمودي وابو الشباب .. عن المقاهي والازقة والشوارع .. فاذا بنا امام  (مجموعات آلية)  تستغرب من وجودنا ، وتحاول  رصدنا ، واهانتنا و طردنا.. وسنعود مجبرين الى قرانا الكونية .. متوسلين. ومذعورين ..  مقهورين ، و مفزوعين.

مشاركة