صدق من قال .. – جليل وادي

كلام أبيض

صدق من قال .. – جليل وادي

لأني مؤمن بالحكمة التي تقول : ( الحركة ولود والسكون عاقر ) التي وردت على لسان الحسن البصري في حثه على العمل ونبذ الكسل ، فغالبا ما أعزم على قضاء مشاغلي وتوفير احتياجات أسرتي بنفسي دون الاستعانة بأبنائي بالرغم من العجز الذي ينتابني بين مدة وأخرى جراء وضعي الصحي غير المستقر . ولكن ما خرجت يوما من بيتي الا وعدت منزعجا ، وبعض الذي يصادفني يقشعر له حتى شعر الرأس قبل الجسد ، ويرفع من مستوى السكر في الدم ، فتبدو انفعالاتي واضحة ، وتتمظهر شدة بعضها في سلوكي بما هو خارج طوري ، حتى وُصفت بأني لست كما كنت في سنوات خلت .

أمس حاولت مسك أعصابي والتحكم بانفعالاتي ولجم لساني ، فكوارثنا ليس مبعثها سوى اللسان ، لذلك قيل : ( مقتل المرء بين فكيه ) ، لأجمع مشاهداتي لكتابة هذا المقال . وأولى خطواتي كانت باتجاه أحد المنافذ لاستلام راتبي ، وكان قبلي رجل متقاعد ، فانتظرته ريثما ينتهي من عد نقوده بيديه المرتجفتين ، فاذا بشاب في أواخر العقد الثاني من عمره يتجاوزني والمتقاعد ليسلم بطاقته لصاحب المنفذ ، فسألته دون أن أشعره بسلوكه غير المقبول : هل انت موظف ، فأجابني بأنه مدرس  ويعمل في الاعدادية الفلانية . تصوروا هذا الذي لا يعير اهتماما للأكبر منه سنا ، ويغمط حق الناس ، ويقدم نفسه على حسابهم دون استئذان ، هذا المدرس ائتمناه على أبنائنا في المدرسة ، ونتطلع منه أن يربيهم على ما هو صحيح من القيم وفي مقدمتها النظام ، وسؤالي : هل هذا المدرس استثناء ام ظاهرة ، لأن اجابة السؤال يتوقف عليها تقييمنا لدور مؤسستنا التربوية والتعليمية في التنشئة ان كان فاعلا ويتقدم أم متعثرا ويتراجع ؟

صباحا وكعادتي اليومية أذهب لفرن الصمون في مسعى لتقليل التعب عن زوجتي بإعداد الخبز المنزلي ، ومع ان جميع الموجودين التزموا بدورهم ، الا ان شرطيا وبلا استئذان تجاوزهم ليحصل على ما يريد وسط دهشة واضحة ، تبادل فيها الموجودون الأنظار ، أظن ان بعضهم قال مع نفسه : هذا هو من يُفترض به حفظ النظام وتطبيق القانون الذي يضمن العدالة في المجتمع .

أنصح سواق المركبات مخلصا بالتأني عند الاستدارات ، فبعض المرشحين وضعوا لافتاتهم الدعائية بما يحجب رؤية المركبة القادمة ، وأغلبهم اذا لم أعمم قد خربّوا أرصفة الجزرات الوسطية لتثبيت تلك اللافتات ، وهم الذين نرجو منهم اصلاح الخراب ، خطر في بالي وأنا أتأمل في صورهم الملونة سؤال : لو أخضعنا المرشحين لاختبار حقيقي في السياسة والثقافة ، فبرأيكم ما هي النتيجة ؟.

فلِمَ لا تقوم مديريات البلدية والمرور برفع لافتات المرشحين غير المبالين بسلامة الانسان وجمالية الأمكنة ؟، يبدو انهما غير مباليتين أيضا ، والا كيف تتأخر المرور بإصلاح اشارة ضوئية شهرين كاملين ، او قيام شعب الزراعة في البلديات كل ثلاثة أشهر باقتلاع حشائش الجزرات الوسطية ومقتربات الشوارع يدويا ، بينما يمكن مكافحتها بالمبيدات نهائيا.

شيء جميل أن تكون في مدننا مولات ، مع التحفظ على كثرتها ، ولكن كيف للمعنيين الموافقة على انشائها دون الزام أصحابها بإنشاء ( كراجات ) لسيارات زبائنها ، فأمر طبيعي أن يتعرقل السير في الشوارع ، خصوصا وان أمكنتها تقع في شوارع عامة ، وفي مراكز المدن وليس في أطرافها ، كل هذا وأشياء أخرى أتحرج من ذكرها  رأيته ( في يوم وليلة ) كما تقول سيدة الغناء العربي ام كلثوم . لذلك صدق الذي قال : اذا أردت يوما في بلادنا خال من التوتر ، تستنشق فيه هواء نقيا ، ويخلو بالك مما يعكره ، واسترخاء تهدأ به أعصابك  ، عليك بلزم بيتك ، والانزواء في  ركن قصي ، ففي الوحدة سعادة ، وفي التأمل راحة ، وكثيرا ما طرقت مسامعنا مقولات تنصحنا باعتزال الناس قدر المستطاع ، خصوصا عندما نتجاوز عقدنا السادس ، فما بقي من العمر ، لا يتحمل فيه الجسد انفعالا ، والدماغ توترا .

مشاركة