كاتب في الذاكرة
شاكر البغدادي .. أديب ومؤرخ الكرادة الشرقية
باسم عبد الحميد حمودي
يوم صدرت روايته القصيرة الاولى ( الايام المضيئة ) عام 1960 كان معنى ذلك صدور50 بالمئة من الروايات العراقية ذلك العام الذي لم تصدر فيه الا هذه الرواية ورواية الصديق الراحل موفق خضر التي صدرت بعنوان ( المدينة تحتضن الرجال ) .
هما روايتان اذن لكاتبين عراقيين طيلة عام كامل صدرتا على نفقة المؤلفين المغامرين وهما يختلفان معالجة درامية ومنحى فكريا وتختلف روايتيهما في التناول الدرامي ومعظم الاحداث والاماكن .
رواية موفق تصور تجربة شاب في المرحلة الثانوية خلال احداث حرب السويس عام 1956 وتأثيرها على الايقاع السياسي العراقي وغلق المدارس خلال التظاهرات وسفر البطل الى الناصرية هربا من توقع اعتقال شبه مؤكد ، ثم تأثير تلك الرحلة عليه مما يستحق معالجة اخرى .
الايام المضيئة
رواية شاكرجابر ( الايام المضيئة) تصور تجربة سياسية اخرى خلال احداث فيضان عام 1954 ببغداد ، بلغة اكثر سبكا ومعالجة فنية ادق من تجربة موفق الاولى وكانت حفاوة النقاد بها كبيرة وخصوصا الاستاذ علي جواد الطاهر ، ولكني كنت الاسبق في التبشير بها والكتابة عنها في جريدة (14 تموز ) الاسبوعية لصاحبتها المحامية نعيمة الوكيل .
وكان من حظي ان عقدت فصلين عن الروايتين في كتابي النقدي الاول ( في القصة العراقية ) الذي صدر عام 1961 باعتباره الكتاب النقدي الثاني في ادب القصة العراقية ، وفي ذهني أن اعيد طباعته لندرته ولانه اعتبر واحد من مراجع الدراسات النقدية الوفيرة التي صدرت بعد هذا رغم قصور التجربة النقدية آنذاك بفعل السن والخبرة .
موفق خضر !
وليس من شك اني كنت محتفيا برواية شاكر جابر ( رغم عدم معرفتي الشخصية به آنذاك وحتى الثمانينات من القرن الماضي) فيما كنت شديداالحساب في تقييم رواية الصديق موفق خضر ، رغم قربي منه وقربه مني ، فيما عدت تجربة موفق الثانية ناجحة فنيا وجديرة بالاهتمام وهي رواية ( الاغتيال والغضب )التي قدم فيها بطله الاشكالي ( سمير رؤوف ) في بناء فني مهم ، اضافة الى تجاربه في القصة القصيرة . واعتقد هنا ان جهد موفق خضر الابداعي كان جهدا مظلوما من قبل النقاد ولايتناسب وثقافة الراحل وحيويته وقلقه الابداعي والحياتي الذي اودى به في النهاية وهو بعد شاب يعد بالكثير.
قد اخذتني التفاصيل الى الراحل الكريم موفق خضر رغم أن الحديث اساسا موجه لتجربة شاكر جابر الكتابية وذلك لتزامن صدور روايتيهما في عام واحد، يوم لم تصدر في كل العراق رواية اخرى .. ذلك العام .
الولادة والدراسة
ولد شاكر جابر البغدادي عام 1929 ببغداد وفي حي الكرادة الشرقية الذي أحبه وكتب فيه وعنه كما سنشير ، وهو من اسرة نجفية الاصول كانت تلقب باسرة ( ابو الطابو ) نسبة لعمل جده لأمه الشاعر السيد مهدي محمد حسن البغدادي الذي يعد مرجعا دينيا مهما ، وقداصبح شاكر مرجعا مهما في الانساب وتواريخ السادة العلويين وواحدا من نسابة الاسر في الكرادة الشرقية لتدوينه عدة كتب في هذا المجال منها : انساب الاسر العربية في الكرادة الشرقية بثلاثة اجزاء – تاريخ الكرادة الشرقية بجزئين ، اضافة الى كتابه ( سيرة المصلح جمال الدين الافغاني )
تخرج جابر في كلية الآداب وكان زميلا للدكتور داود سلوم الذي كتب مقدمة رقيقة محتفية بروايته الاولى ( الايام المضيئة) التي لقيت اعجاب النقاد لمتانة الاسلوب وللبناء الفني المحكم الذي اسسه الكاتب وللمادة الدرامية التي تعايش تجربة فيضان 1954 في بغداد ، أضافة الى العلاقة العاطفية التي جمعت حبيبين بوضعين اقتصاديين غير متقابلين ، يكلل كل هذه الثيمات الانتماء اليساري للبطل خلال تلك الايام المضيئة فعلا في حياة المجتمع البغدادي .
لم تستطع روايته الثانية ( الهارب ) أن تبلغ المستوى الفني للرواية الاولى وقد وضح ذلك في الكتابات النقدية عنها بما لامجال للتفصيل فيه في هذه المقالة القصيرة فكان أن وجد البغدادي شاكر أن يوسع من أهتمامه بالمادة البلدانية ومادة الانساب أضافة الى اصداره كتابا عن سيرة المفكر جمال الدين الافغاني .
بدأ شاكر جابر بالاعداد لكتابه عن (الاسر العربية في الكرادة الشرقية ) بثلاثة أجزاء ، ثم أصدر كتابه المهم عن خطط الكرادة الشرقية واسرها وحياتها الاجتماعية عام 1990 وكان بعنوان (من تاريخ الكرادة الشرقية ) بتقديم صفيه د . داود سلوم الذي اشاد بالكتاب ومادته العلمية التي وثقت للمكان وللأنسان فيه .
من تاريخ الكرادة الشرقية
كتاب بلداني وسفر للشخوص والاماكن مهد المؤلف لكتابه بمادة عن الانسان والارض أكد فيه تلك متلازمةالتاريخ والحاضر الآني الذي سصبح ماضيا بالضرورة ، مع تجوال سريع في معنى الحضارة والمدنية ليدخل الى تاريخ الحضارة في العراق ليقول :
(( ومثلما أمتدت حضارة حسونة في شمال العراق حضارة سامراء في الوسط فكانت حضارة اشنونا في المنطقة المجاورة لبغداد والى ضواحي بغداد الشرقية بالذات ، فها أنت ترى أن تل محمد وتل حرمل قريبة من بغداد مثلما هي قريبة من تل خفاجي وتل اسمر وتل اشجالي وتل عقرب )) ، ثم يفصل في حضارة اشنونا والحضارات الانسانية التي ابادتها الحروب والنزاعات البشرية والتغيرات التكتونية على سطح الارض ، لكنه يشير ألى أن صلة حضارة بغداد بحضارة اشنونا كان قائما على أرتباط شرق بغداد بديالى لانه كان يستقي من (النهروان ) ، ذلك النهر الذي يقول عنه أجمد سوسة أن له ثلاثة مداخل اثنان منها يتفرعان من جنوب سامراء والثالث من شماليها، وأن من فروع النهروان الفديم كان نهر الخالص القديم في الشمال ونهر ( بين ) في الجنوب .
ويستذكر شاكر جابر في تمهيده أن نهر النهروان كان يخترق مدينة اشنونا ، ان جميع القرى والمدن المحيطة كانت ترتوي من مياه تلك الانهار، ومن بين تلك المدن كانت (كلواذى) التي هي اليوم من أصول الكرادة الشرقية .يقع الجزء الاول من هذا الكتاب في132 صفحة وهو عن (كلواذى ) فيما يقع القسم الثاني من الكتاب في 138 صفحة وهو بعنوان رئيس (من تاريخ الكرادة الشرقية قديما وحديثا) وقد حوى الموضوعات التالية:تعريف الكرد وانوعه- الهجرة الى الكرادة الشرقية – اصول اسماء المناطق والمحلات والازقة في الكرادة الشرقية )وواقع الأمر أن كل مادونه المؤلف عن الكرادة التي احبها يستحق القراءة والتمتع بالمعلومات الغزيرة التي حواها هذا السفر المهم في بحوث البلدانيات البغدادية خصوصا والعراقية عموما .
ويوضح المؤلف في كل تفاصيل كتابه طرفا من اختلاط الناس وحبهم لبعضهم وتزاوجهم وتناسبهم دون اعتبار طائفي او جهوي ، ولم يكن في بال السيد شاكر جابر الموسوي وهو يكتب مثلا عن السادة الحديثيين من سكنة الكرادة اية فكرة عن طائفية اليومالتي زرعت قسرا وهو اساسا ابن النجف الاشرف وابن الكرادة معا.وهو هنا يتحدث بموضوعية كاتب التاريخ والانساب والخططي ، وفي ما يلي نماذج من عروضه للأماكن والشخوص :
العلوية
لقب العلوية هو لقب الحاج عباس الاحمد الملقب عباس علوية وهو من عشيرة الصباح المتفرعة من عشيرة الدليم المعروفة . تعاقد الحاج عباس مع الوالي العثماني سليمان باشا الكبير سنة 1801 على فرس الاراضي التي صارت فيما بعد يساتين عامرة وكان تعاقده لمدة 99 عاما ثم جرى تجديد العقد 99 عاما اخرى ليرث اولاد الحاج واحفاده حقوق العمل في تلك البساتين . عند أحتلال بغداد عام 1917 وضع الانكليز لأيديهم على مواقع كثيرة من هذه البساتين مما حال دون استخدام آل عباس العلوية لحقوقهم فاستولت الاوقاف على تلك الاراضي رغم منازعات آل العلوية لها دون جدوى . من مواقع آل العلوية نادي العلوية وموقع الجندي المجهول القديم وفندي الشيراتون والمريديان والمسجد القائم ومدارس عادل وعشرات العمارات الاخرى ويعلق المؤلف على ضياع حقوق أل العلوية بعدم وجود من يساندهم في العهد الملكي
بستان خضوري
بيت خضوري ( بتشديد الضاد ) من اهالي محلة الصدرية ببغداد وهم من السادة ومنهم موسى وابراهيم وخليل وهم اولاد السيدحسين خضوري وقد باعوا البستان فيما بعد الى عائلة يهودية ( بيت لاوي)
بستان ريجينة
وهذه المرأة كانت مشهورة في الثلث الاول من القرن الحالي ( يقصد القرن العشرين ) قيل انها أرمنية وقيل يهودية اخت المغنية اليهودية سليمة مراد وماتت مقتولة و وكانت ريجينة مغنية وراقصة ثرية جدا ولا نعلم ممن اشترت البستان الذي كان لها وموقعه قبالة ساحة النصر الحالية ويحاذي بستان مامو
موقع اخرى
كتاب شاكر جابر المهم هذا يشير الى مئات المواقع والاشخاص وله جزء ثالث لم يصدر بعد في تاريخ الكرادة الشرقية، بل هي أجزاء اعلن هنا على غلاف كتابه عن انساب الاسر العدنانيةومنهم بني هاشم وربيعة وخفاجة وسعد وقيس وتميم وانساب القحطانيين من زبيد وطي وخزاعة ، ولو امتد العمر بالمؤلف الكريم لنشر هذه المسودات الهامة التي نعتقد أن بعضها موجود لدى اسرته الكريمة ، توفى شاكر جابر في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني عام2007 وفقدنا أديبا ومؤرخا بلدانيا مهما وفقدت الكرادة الشرقية نسابتها وموئل خططها واحسابها.