ماقاله عقراوي وما لم يقله الجواهري ولا عماش
شاعر يتغنّى بالعراق ويوثق أحداثه القومية
ابراهيم خليل العلاف
في جريدة ( الزمان ) ، العدد الصادر في 27 من آب -اغسطس 2021? كتب الاستاذ شكيب كاظم مقالا بعنوان : ( بيت شعر لم يقله الجواهري الكبير بل قاله عماش) ، عقب فيه على ما كتبه الشاعر عبد المنعم حمندي، ونشرته جريدة (الزمان) بعددها الصادر يوم الأحد الرابع عشر من شهر آب/أغسطس 2021 وعنوانه (الشاعر محرضاً وعدوانياً) جاء فيه: “بتشجيع ضمني من الأحزاب السياسية، تحول بعض الشعراء إلى أداة قمع وترهيب(..) والذي يحزنني أن أرى شعراء كبارا مروجين لقيم عدوانية(..) فينظمون قصائد لا تخلو من ترهيب وترويع تشمئز منه الأنفس التي لا تزال تحتفظ ولو بأدنى قدر من الاحترام الإنساني الذاتي، مثل قول محمد مهدي الجواهري في قصيدة نظمها في عام1964
شعب دعائمه الجماجم والدم……. تتحطم الدنيا ولا يتحطم
وهذه من المآخذ على الجواهري”.ويعقب الاستاذ شكيب كاظم فيقول مصححا ان هذا البيت لا شأن للجواهري الكبير به، بل هو من أدبيات حزب البعث وقد القاه صالح مهدي عماش، وكان يومذاك وزيرا للدفاع في حفل أقيم في ساحة الكشافة بمنطقة الكرنتينة برصافة بغداد في أحد الاحتفالات سنة 1963.
ومن هذه القصيدة قول الفريق عماش
لما اعتنقنا البعث كنا نعلم……… إن المشانق للعقيدة سلم
لا بل أن ثمة رواية أخرى لهذا البيت تأتي على الوجه الآتي
بعث تشيده الجماجم والدم…. تتهدم الدنيا ولا يتهدم
وبدون الدخول في تفاصيل كثيرة اصحح للأخ الاستاذ شكيب كاظم والاخ الاستاذ عبد المنعم حمندي ولكل من ذهب مذهبهما ان الشاعر الموصلي الكبير المرحوم الاستاذ عبد المحسن عقراوي 1938-1995 كان شاعرا رقيقا ومناضلا سياسيا منذ ما قبل ثورة 14 تموز 1958 ? وهو من قال البيتين ولكن ليس بالصيغة التي رويت من الاخ الاستاذ شكيب كاظم وكان عبد المحسن عقراوي شاعرا كبيرا ومجيدا والجميع يعرف هذا وما قاله هو :
لما سلكنا الدرب كنا نعلم *** ان المشانق للعقيدة سُلم
وقال ايضا :
وطن تشيده الجماجم والدم *** تتهدم الدنيا ولا يتهدم ُ
شاعر وطني
وقد قال هذا وهو شاعر وطني كبير استخدم مصطلح ( الوطن) واستخدم مصطلح ( الدرب) ؛ فدرب النضال يحتاج الى التضحية .. النضال من اجل الوطن : العراق العظيم واجب ورسالة ، وليس ثمة عدوانية وليس ثمة تحريض وارجو ان لاتجلدوا ذواتكم اكثر من هذا . كما ارجو ان تعيدوا الحقوق الى اصحابها وابيات الشعر الى من قالها .
ولمن لا يعرف ال الكبير الاستاذ عبد المحسن عقراوي أقول انني كتبت عنه كثيرا منذ سنوات طويلة ، ومما كتبته في جريدة ( الحدباء ) الموصلية وفي مدونتي الالكترونية مقال بعنوان : (عبد المحسن عقراوي الشاعر الرائد ) قلت فيها
لا ادري لماذا لا نتذكر الشاعر الموصلي الرائد عبد المحسن عقراوي كثيرا،مع أنه- في حياته -ملأ الدنيا، وشغل الناس وأثار الجدال وخاصة لما كان يتمتع به من شخصية بوهيمية عبثية ،مع انه كان على المستوى السياسي والشخصي ملتزما بقضايا وطنه وأمته.
عبد المحسن عقراوي الذي تظهر صورته إلى جانب هذه السطور وقد نشرتها مع مقالي عنه في جريدة الحدباء في 23 نيسان 2002 ? رحل في كانون الأول-ديسمبر سنة 1995?. وقد عرفناه إنسانا ، عفويا ، بسيطا ، لم يلتفت إلى نفسه.. ومع انه كان مبدعا بحق إلا انه كان متواضعا لم يحسن الدعاية لنفسه.. قال عنه صديقنا الشاعر الدكتور حيدر محمود عبد الرزاق.. “أن عقراوي ، بنظره ، يعد أغزر شاعر عرفته الموصل في تاريخها الحديث”. وأضاف” كان واضح الانحياز إلى قضايا الأمة المصيرية”. أما صديقنا الأستاذ الشاعر عبد الوهاب إسماعيل فقد وجد فيه وفي شعره :”صوت جيل بكامله.. صوت جيل حافظ على أبجديات الكلم، وخاض ملامح الصبر ،والجهاد والتضحية كي يورق الأمل في النفوس العطشى، وفي القلوب والضمائر”.
سيرة حافلة
ولد عبد المحسن حسين محمد أيوب عقراوي في محلة عمو البقال في الموصل سنة 1938 ?وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها.. دخل كلية الآداب- جامعة بغداد سنة 1958 لكنه لم يكمل دراسته ، واتجه نحو الوظيفة .ففي سنة 1963 عين في مصلحة الغزل والنسيج الحكومية، وقد أحيل على التقاعد بعد أربع سنوات لعدم احتماله جو الوظيفة.. عمل في جريدة الثورة(البغدادية ) بين سنتي 1969-1970 .كما عمل في مجلة ألف باء، ومحرراً أدبياً لمجلة الجامعة (الموصلية ) بين عامي 1971-1978 ?ومحرراً أدبياً في مجلة الطليعة الأدبية بين عامي 1979-1980 وتقلبت به ظروف الحياة ومعاناة المرض، وأقعده حادث طريق عن السير والمشاركة في الحياة العامة .كرمه اتحاد الأدباء في العراق/فرع نينوى بشارة نينوى الإبداعية عام 1995.
من دواوينه المنشورة :(حصاد الليالي)1976 و سبع اغنيات لتموز (مجموعة مشتركة) عام 1978 هشيم الغربة عام 1981لن تتعب البنادق (مجموعة مشتركة) عام 1984كلكامش عام 1985 ترجمة حسن العمري ونظمها شعراً ، شواطئ العمر عام 1985 لهيب الدم عام 1986.ولديه شعر مخطوط لم ينشر بعد ومنه: ملحمة طويلة، صلوات العيون، كتب عنه استاذنا الدكتور عمر الطالب في موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين يقول :” وشعره غزير جداً.. وفي إمكانه نظم عشرات الأبيات في جلسة واحدة. والذي دفعه لقول الشعر أُستاذه ذنون الشهاب، وهو لم يتأثر بأحد الشعراء وإنما تأثر بتجربته الذاتية ومعايشته للحياة بانفعال صادق وحس مرهف ويعد نفسه منتمياً للمذهب الرومانتيكي وقصائده تعبر بصدق عن ذات الإنسان وتمتاز بالأسلوب الفني والصور الحديثة الجميلة البعيدة عن التقريرية، حسب قوله هو في لقاء أجراه معه الصحفي الاستاذ لؤي الزهيري في (جريدة الحدباء بتاريخ 9اب سنة 1983) وهو يكتب الشعر العمودي ولا يلجأ إلى القصيدة الحديثة إلا إذا أضطر لذلك كما حدث معه في نظمه لملحمة (كلكامش) وهو لا يعترف بقصيدة النثر ويقول عنها: للشعر قواعده ،وأصوله ويمكن اعتبار قصيدة النثر كلاماً جميلاً.. وربما وهو يقرأ لجميع الشعراء قديمهم وحديثهم ويعجبه من الجاهليين طرفة بن العبد ومن الإسلاميين كعب بن زهير ومن الأمويين بني عذرة وجرير ومن العباسيين: العباس بن الأحنف وأبا تمام والمتنبي ومن شعراء الموصل الذين عايشهم بعجبه إسماعيل حقي فرج ،وعدنان الراوي، وسالم الخباز وكامل ألنعيمي، وذنون الأطرقجي ومعد الجبوري. ونشر أولى قصائده عام 1956 في جريدة (فتى العراق) بعنوان: (بين شاعر وشاعرة). ويعد عبد المحسن عقراوي من أكثر شعراء المدينة نتاجاً، وينقسم شعره إلى ثلاثة أقسام: (1) الشعر السياسي(2) الشعر الوجداني(3) شعر المناسبات إذ يندر أن تمر مناسبة سياسية أو وطنية أو عامة إلا ويشارك فيها عقراوي فضلاً عن نشره المستمر في جريدة الحدباء (الموصلية )وحتى فترة قريبة من وفاته ،رحمه الله ، سنة 1995 . ويجد الباحث عنه ،وبسهولة ،كم كبير من قصائده المنشورة في الصحف والمجلات الموصلية والعراقية والعربية. كتب عنه الدكتور ذو النون الاطرقجي في موسوعة الموصل الحضارية قائلاً : “يأتي عبد المحسن عقراوي في طليعة جيل كامل غنى ،معظم شعرائه، للوطن ..للعراق .. وللوحدة …لقد استمرت أغنياته الوطنية والقومية سنوات طوال … وكانت سجلاً أمينا للإحداث الوطنية والقومية والإنسانية ” .
{ كاتب ومؤرخ عراقي