سرغي جادان وثّق يوميات الحرب الأوكرانية وفاز بلقب رجل العام
شاعر اوكراني: رجل العام ليس مهنة – فاروق سلوم
” تجليات الحرب اليومية هي ليست كوابيس فقط بل هي ا كتشاف متجدد للدخان والخراب والموت” هكذا علق الشاعر الأوكراني الذي اختارته جريدة غازيتا ويبوركزا البولندية رجل العام . انه ” سرغي فيكتوروفتش جادان” كما يلفظ في اللغة الأوكرانية ، وهو شاعر ومترجم وروائي وكاتب له الكثير من الأصدارات التي كان لها تأثير كبير في نفوس طلابه ومجايليه من الشعراء والكتاب .
ولد عام 1974 ودرس في جامعة سكودورودا بخاركيف ، وظهرت اعماله الأبداعية عام 1990 حيث نشر مجموعاته الشعرية وترجماته ورواياته التي لفتت الأنظار الى صوت شعري وسردي متميز . لقد أحدثت أشعاره ثورة في الشعر الأوكراني: فقد كانت أقل عاطفية ، وأعادت إحياء أسلوب الكتاب الطليعيين الأوكرانيين في عشرينيات القرن الماضي مثل سيمينكو أو جوهان وغيرهما واحيت الروح الفني لجيل من الكتاب المستقبليين الأوكرانيين ايام الأتحاد السوفيتي السابق ولكن الأهم ان خواص الكتابة في اعمال سرغي جادان تمنح الشعراء والكتاب الشباب فرصة لمراجعة تاريخ ادبي عميق تحت ظلال الحرية وفي ظل الحرب اليوم .
فوز كتاب
كان كتابه “بلاد مابين النهرين” الذي فاز بجائزة احسن كتاب ادبي عام 2015 نوعا من مقاربة لسردية بلاد الرافدين في زمن الأحتلال الأمريكي ، وهو استعمال مجازي وتصوير مقارب واستعارة لما جرى لبلاد الرافدين ، حيث كانت مدينتي اوليبرو و خاركيف الأوكرانيتين تقع بين نهري دنيبرو ودونتس مكانا لحرب ضروس ومعارك فاجعة . لذلك استعار سرغي ذلك الحدث . وفي الكتاب تتقاطع افكار سرغي جادان مع مسارات افكار شعب نشأ بعد سقوط الستار الحديدي وفقدوا بعده المزيد من الأوهام حول وطن ما بعد الشيوعية الفوضوي حيث تشكل كتاباته يقظة وطنية لشعب يحمل اوهاما قديمة واجيال من الكتاب والشعراء يطلقون كتاباتهم الحرة مابعد الحقبة السوفيتية . اذ لا يزال لديهم أمل ضئيل في خلق حياة كريمة لأنفسهم .
في كتابه ” ميسوبتاميا – بلاد مابين النهرين ” يتبع بطل الرواية “بوب” حلمه بالحرية والعمل والمال بمحاولةٍ لتحقيقه في الولايات المتحدة ، لكنه لم ينجح ويتملكه الأحباط . و تتوق “فوما” – صديقتة الى اللحاق به ولكنها تحمل معها كل تعقيدات الماضي يوم كانت تلتقط حاجاتها اليومية بما تحصله من مصادقة الأجانب زوّار اوكرانيا المتطلعين للجمال والراحة والمتعة!! ، ويقول بوب عندما عرف بطموحها ” ان محاولة الالتقاء مع عاهرة سابقة في امريكا ، تسبب مشاكل أكثر من المتعة فتداعيات الماضي عندما تلتقي بالفشل في نيويورك مثلا تشكل فاجعة تشبه الحرب الفاشلة “. وفي سردية ” ميسوبتاميا – مابين النهرين ” يبدو الناس جميعًا في علاقات الرواية وتداخلاتها أشخاصا صادف وجودهم في المكان الخطأ في الوقت الخطأ كما تظهره الأحداث.
ان رواية بلاد ما بين النهرين للأوكراي سرغي جادان ، ارادت ان تروي ماحصل من قبل ومن بعد في هذا المكان من صراعات دموية مستمرة في هذه المنطقة الحيوية الواقعة بين نهري دنيبرو ودونتس ، مع تأثيراتها المخربة على ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا ، خاركيف كمركز سكاني وثقافي وسياسي . أنه الكتاب الذي اراد الكاتب تكريم هذه المدينة التي يحاصرها الدخان والقصف ،فقد تميز سرغي جادان في كتابه بأسلوبية سردية مميزة من التداعي الحر وصحوات الوعي حيث يصف كتل الشقق والمباني السكنية من الأرث السوفيتي ، والشقق الضيقة ، والأقبية السرية والعلاقات المتداخلة واللاأبالية ، ويصور كيف تشق الشخصيات الرئيسية طريقها عبر غرف الموانئ المتهالكة والأزقة الخلفية ،ويعرض تداعيات الشخصيات من خلال القصص المتشابكة ، والجدل الداخلي الصامت حول فكرة الحلم التي تتملك الجميع للخروج من الجحيم خاركيف في ذلك الوقت ولكن دونما امل . المتداخلة خلال الانشطة السياسة الأوكرانية برز سرغي جادان عندما كان طالبًا في الجامعة خاف كواحد من منظمي مجموعة خاركيف الأدبية المستقبلية الجديدة المضادة في التسعينات من القرن الماضي ، اذ شارك خلال مظاهرات الثورة البرتقالية ضد الفساد وضد ترهيب الناخبين في انتخابات الإعادة الرئاسية يومذاك، وكان قائد مجموعة مؤثرة في خاركيف . وقد نتج عن الاحتجاجات إعادة النظر بنتائج الأنتخابات بأمر من المحكمة العليا في أوكرانيا. لقد أعرب مرارًا عن تعاطفه مع “الأناركيين “والأناركية ” فلسفة سياسية, فكرتها ان الدولة غير مرغوب فيها وايضاً غير مهمة و هي مضرّة للمجتمع, و من جهة اخرى تروّج لمجتمع بلا دولة و تسعى لتحجيم او الغاء تدخل السلطة فى سلوك العلاقات الانسانية وظهرت في العديد من أعماله مالديه من دوافع “يسارية مضادة حتى لفكرة الدولة والحكومة بشكل يعبر فيه عن المجموعة تلك .
وصف سرغي جادن التزاماته السياسية على النحو التالي
غالبًا ما توصف بأنك “يساري” – هل هذا دقيق؟ لم أصف نفسي مطلقًا بأنني يساري ولكن يقال لي دائمًا إنني أنتمي إلى الجناح اليساري! كل هذا هراء. إن تقسيم الناس إلى اليسار واليمين في أوكرانيا الحديثة ليس بالأمر البنّاء. أنا مواطن أوكراني يحب بلده ويحاول مساعدته.
هل تقول أنك “قومي” أم “وطني”؟ أنا لست قوميًا . وطني – نعم. أنا وطني وأحب بلدي موطني . لكن مصطلح “وطني” في أوكرانيا الحديثة وأوروبا الحديثة له دلالات مختلفة . أواجه هذا في أوروبا وأمريكا ، حيث يقارن بعض أفراد الجمهور بين “الوطني” و “القومي” ، أو يعتبر “الوطني” يمينًا محافظًا . لكن هذا غير دقيق للغاية. في أوكرانيا ، “باتريوت” مرادف للشخص الذي يقف إلى جانب جنودنا في الخطوط الأمامية – شخص يدعم بلدنا.
حركة قومية
لماذا لا تسمي نفسك قوميًا؟ لأنني عرفت الحركة القومية الأوكرانية منذ الثمانينيات. لدي الكثير من الأصدقاء في الحركة القومية ، لكن أفكار القومية لا تتوافق مع رؤيتي لأوكرانيا. أوكرانيا أكثر تعقيدًا بكثير ، وأقل من ذلك بكثير .. واليوم منذ عام تقريبا يواصل الشاعر والكاتب سرغي جادان تقديم المساعدات لسكان المدن المنكوبة من خلال مجموعته المتكافلة التي تقدم لسكان المدن والقرى التي خربها الهجوم الروسي والتعبير عن احتياجاتهم وقد زار عدة مرات جبهات القتال ووثق بنصوصه التي ينشرها يوميا اهوال الحرب والدمار بسخرية مرة و بموقف انساني وفكري جاد مرة اخرى ..
وقد اخترت من يومياته نصوصا هي بين اللغة الشعرية ولغة البيانات الحكومية والشهادة على المجزرة التي تحصل لبلاده على حد تعبيره وهو يتجول بين القرى ومواقع الخراب التي احدثتها الحرب الروسية في اوكرانيا كل يوم ومع المدافعين الأوكرانيين عن قراهم ومدنهم.
1
لقب رجل العام ، كم افهم ذلك تماما
وكل ما هو تقليدي لهذا التعريف
اليوم جميع الأوكرانيين الذين يقاتلون من أجل بلدهم ،
والذين يعملون من أجلها ، هم شعب العام ،
الأشخاص الذين لديهم حرف كبير اول اسمائهم
اشعر بشرف وسعادة أن أعيش بجانبهم
في نفس الوقت وفي نفس البلد.
2
سوف نهزم معا امبراطورية الشر
3
أقول لكم يا اصدقائي ،
أمامنا أيام وأسابيع صعبة
لكن طالما أننا نتماسك ، وطالما أننا معًا ،
فلن تكون لديهم فرصة.
هذه أرضنا ، هذه هي قرانا ومدننا ،
عشناها جيدًا وبها وبدونها سنواصل العيش.
الشيء الأساس هو التحمل وليس اليأس.
4
المدينة باردة الآن ،
السماء مغطاة بالغيوم.
أوائل الربيع الاخضر
تبدو سميكة وثاقبه.
5
أرسل أطفال ترنوبل صورة مرسومة
إلى المدافعين عن خاركيف
يالها من اشارة حياة
برغم رائحة الموت
6
_انقلبت حياتنا رأساً على عقب.
السنوات الثلاثين الاخرى التي عشناها
في أوقات سلام واستقرار ورفاهية ظاهرية.لقد أنفقنا الكثير من المال من اجل المستقبل ، وكنا نخطط لرحلات الإجازة التالية،
حتى تجاوزنا فترات الانتظار لسداد قروض الإقامة. تم اكتشاف قاربنا البولندي من قبل حكومة حزب القانون والعدالة ،
لكننا اعتقدنا أن هذه مشكلة. هيا لنواصل.
سيكون من الجميل أن تكون حياتنا أفضل
على الضفة الأخرى.
7
نحن جميعاً أوكرانيون
منذ أشهر ونحن نشهد صورا مروعة
مدرعات ضد العدوان الروسي
نرى ثروة الجنود الأوكرانيين
وقد وضعوا قائد “الجيش الثاني في العالم” في مشكلة
وقد اخروا خططه
للحظة البرق التي اراد ان يكتسح بها بلادنا. 8
نرى منظمة مجنونة من الحكومة
لا تتوقف عن العمل رغم القصف.
نرى الوحدة التي لا تصدق للمجتمع الأوكراني
، ومن ناحية أخرى الوحدة غير المسبوقة للغرب ،
والتي – تخليداً لذكرى المشاكل التاريخية المأساوية –
لم تنظم المؤتمر الثاني في موناشيا ،
من اجل الوصول الآن والآن فقط
لأهداف مشتركة غامضة.
9
ثلاثة ملايين لاجئ أوكراني في بولندا.
أخذناهم إلى المنزل وأظهرنا التضامن واللطف.
اهتز شعار “الضيافة البولندية التقليدية” ،
لكن أمامنا ماراثون وليس سباقا سريعا
هذا تحد هائل. هل بولندا سهلة بالنسبة له؟
ذهبنا إلى اطراف “سكوفورودنيفكا”
، وجلبنا سيارتين مع الطعام للقرويين ،
تظاهرنا اننا نأكل معا
لكن امعائنا لاتحتمل من الأسى والحزن
10
يقصفون ” متحف سكوفورودا”
من المؤلم النظر إلى مبنى محترق.
ومن المؤلم أن تدرك كل هذا الخراب.
لأنه ببساطة .. لا يوجد منطق في قصف المتحف.
11
وجدنا علبة سكائر روسية في دبابة محطمة
“كوزموس “رمز الترف السوفياتي
وكان جدي يحب التدخين
تم التبرع بهذه العبوة من قبل جيشنا.
فقد عثروا عليها في دبابة روسية
تم الاستيلاء عليها قرب خاركيف.
هذه تحية من الماضي السوفياتي. بعد كل شيء ،
وكل ما تنتجه روسيا أو تصوره أو تبرهن عليه اليوم
هو مغرفة متعفنة ،
ملتقتطة من جثة الماضي
12
لأصدقائي في كييف ، حسنًا ،
نحن هناك بالفعل. لنبدأ في السابعة.
أفهم أنه بعد الهجوم على دنيبرو ،
لم يعد الجميع في الحفلات الموسيقية المرتجلة
حيث نسترق السمع لنكتشف الفرق بين صاروخ ومابعده
لنرقص هذه الأيام ،
لكن: بالنسبة لنا ، هذا الأداء طوعي حتى الموت ،
وهو شيء يشبه الحب ولكن في جو الدخان
لقد وعدنا بثلاث عربات يد كرسوم مقابل ذلك ،
وسنجلبها معنا لنساعد الكبار والجرحى
والتي سننقلهم إلى أيد أمينة.
لذلك دعونا نعمل كما كنا في جو الموسيقى
برغم الحرب الداكنة .