سوق الشيوخ سيرة ذاتية لمدينة عراقية
إبراهيم الولي
لمست، بقدر إستطاعتي، كل مظاهر الحياة في سوق الشيوخ المدينة العراقية الأصيلة التي تصلح، وهذا ما عنيت في كتابي هذا ــ أن تكون نموذجا لجميع مدن العراق،عدا الحواضر منها كما أسلفت، فالتخلف كان يلف أرض العراق جميعه. لكن الناس في هذه المناطق كانت وظلت تتطلع الى غد أفضل…. غد تسود فيه العدالة والأمن والتقدم، كما هي تتطلع الى حياة إقتصادية ميسرة وخدمات كتلك التي تتمتع بها الحواضر من المدن الكبرى نسبيا… بل حتى الى مستويات تتمتع بها مدن عالمية غربا وشرقا بعد أن تفتحت عيون وأذهان الناس الى تلك المستويات من خلال وسائل الإتصالات من إذاعات وصحافة.
ويظل كما رأينا في الفصول السابقة كيف أن التفاعل الفكري مع ما يجري في العالم كان يتصاعد يوما بعد آخر بفعل الصحف والمجلات التي تصل سوق الشيوخ، وبفضل خبرة وتجربة أبناء المدينة الذين ساعدتهم الظروف على أن يطٌلعوا على حياة أمم أخرى إما من خلال زياراتهم أو دراساتهم. ولقد أغنى التنافس بين التيارات الفكرية والسياسية الخارجية على غزو عقول الشعوب، أعنى هذه التجربة. لهذا كنا نشعر بشبه غزو فكري بلشفي تمثل في إنتشار مطبوعات تدعو الناس لتبني الفكر الماركسي اللينيني. ولا أشك في أن أموالا وحوافز كانت تقدم من خلال مريدين لهذا الغرض. بالإضافة الى ميل بعض الناس للتطلع الى العدالة الإجتماعية والإقتصادية التي ينادي بها الإشتراكيون لعلهم يجدون فيها، كما يرون، الخلاص من واقعهم المتدني في كل مجالات الحياة.ومقابل هذا نجد التيار الرأسمالي الأوروبي إذ لم يكن للأمريكان في تلك الحقبة من الزمن وزن في تلك المنطقة. فمن المعروف أن النفوذ الأمريكي إنما حلّ في المنطقة بعد أن قلصت الإمبراطورية البريطانية قواعد نفوذها في بعض المناطق،خصوصآ في الشرق الأوسط، تاركة ملىء الفراغ هذا للولايات المتحدة الأمريكية في خمسينات القرن الماضي. الأمر الذي قامت به هذه الأخيرة خير قيام
هذان التياران الفكريان كانا شغل الناس الشاغل حتى أن التحزب المتطرف كان يودي بعلاقات الناس من هذا التيار أو ذاك الى خراب وضياع. كان المفكرون يتلمسون تيارا ثالثا غير هاذين…فكان أن نادى الناس بالعودة الى الأصول القومية وآخرون الى التمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف. يبدو هذا منطقيا.. فالناس في سوق الشيوخ كما هم في المدن العراقية الأخرى مسلمون، وهم في معظم تلك المدن عرب ذو أصول واحدة لو تتبعت خط سير أجدادهم لوجدتهم في غالبيتهم قد قدموا من اليمن ومن جزيرة العرب. إلا أن أمرا آخر بدأ يعكر صفو وحدة الأصل هذه وحرمتها حين إكتشف البعض أن فروقا في الإجتهاد الديني قد وجدت طريقها لتصنف الناس الى مذاهب، هي جميعها لا تخرج، في الحقيقة،عن ثوابت الإسلام العظيم. ولكنها لأسباب كثيرة، ليست محل بحثنا هذا، خلقت لدى هذا الطرف أو ذاك شنآن وضغينة ما كان يجب أن تكون.
ومرة أخرى أستذكر قول الباري عز وجل
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .
وإسمحوا لي أن أختم بأبيات شعر من شاعرنا الكبير المرحوم أحمد الصافي النجفي، حين سئل عن مذهبه قائلآ ــ
يسائلني عن ملَتي وعقيدتي
لفيف من الأقوام ما أنا منهم
فقلت لهم أما السؤال فبارد
وأما جوابي فهو أني مسلم
هذا رجل مصلح إجتماعي ما كان أحوجنا في ذلك الوقت، بل وفي وقتنا الحالي الى العديد من أمثاله.
والله من وراء القصد
والحمد لله.
/6/2012 Issue 4237 – Date 28 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4237 التاريخ 28»6»2012
AZP07