سوسيولوجيا الأعيان.. آليات إنتاج الوجاهة السياسية

سوسيولوجيا الأعيان.. آليات إنتاج الوجاهة السياسية
نظام ثقافي للتكيف مع الواقع
الرباط الزمان
بغلاف دال لكتاب جديد صدر مؤخرا للباحث المغربي عبدالرحيم العطري من توقيع الفنان ابراهيم، يضم خلفية باب تقليدي في الأعلى وصورة أكياس من ألوان صباغة النغرة التقليدية، ما يحيل على نوع من السلوك العينوي في التعامل مع السياسي .
ويذكر أن الكتاب موسوم بـ سوسيولوجيا الأعيان آليات إنتاج الوجاهة السياسية ويطرح في فصوله الباحث أسئلة حول ارتفاع الطلب السياسي على الأعيان عشية كل موعد انتخابي؟ كما يتساءل ما الذي يجعلهم فاعلين مؤثرين داخل مجالات نفوذهم؟ ما الأدوار التي يضطلع بها الأعيان؟ ما مصادر عينيتهم؟ كيف يشتغلون؟ وكيف يعملون على بناء و صيانة وتجذير الوجاهة الاجتماعية، وإعادة تدويرها من جديد؟
ويضيف قائلا بأن هذه الأسئلة تُبَرِر، بمقدار ما، الحاجة إلى الاشتغال على العينية مغربيا، وذلك بُغية اكتشاف نظامها الرمَزي و المادي وتحليل آليات إنتاجها و إعادة إنتاجها، و عليه فقد انصب التساؤل الإشكالي للبحث، وبالأساس، حول الديناميات المرتبطة بتجذير الوجاهة، والعوامل التي تحدد شروط استمرارها وتحولها، فضلا عن محاولة الكشف عن الآليات التي تمكنها من التكيف والتفاوض مع الواقع .
مضيفا ان السلوك العينوي، أو الوجائهي، بالشكل والجوهر الذي قاربناه في هذا العمل، هو حصيلة تفاعل بين مجموعة من العوامل والآليات المساهمة في إبرازه وتقعيده، إنه نتاج تراكمي لتاريخ من الأفعال وردود الأفعال لا يعود حصريا إلى حال و مآل المجتمع الحالي، و إنما يمتد إلى الفترة الاستعمارية التي عرفت فيها العينية نوعا من المأسسة و إعادة الاعتراف، كما يعود أيضا إلى مغرب المخزن، القبائل و الزوايا ، حيث يظهر الأعيان كعناصر فاعلة في ترتيب وتدبير الحياة المجتمعية. فمن خلال هذا الإرث التاريخي، وعبر التكيفات الممكنة مع المستجدات، تسجل العينية امتداد الماضي في الحاضر، ويبلور السلوك الوجائهي نظرته إلى الكون بالمفهوم الفيبري، ويحدد كافة استراتيجياته الاجتماعية و السياسية.
كما يتناول الكتاب المخزن الذي أدرك قبلا أهمية الأعيان في المجموعة الاجتماعية، واستوعب جيدا كيف يجب أن يحكم معهم لا ضدهم ، ما جعله يربط تعيين قياده المحليين أحيانا بتوفر رسم الرضى الذي يحوزه القائد المعين من أهل الحل والعقد من الأعيان. هذا الاعتراف بالعينية و أدوراها المركزية في التبرير و الشرعنة سنكتشفه مرة أخرى مع المستعمر الذي لم يكن لينجح في مخطط التهدئة، بدون سياسة القياد الكبار، والتي كانت تتأسس إضمارا و إعلانا على دعم الأعيان وسلطاتهم الرمزية والمادية.
عندما ننتقل إلى فجر الاستقلال، وفي سياق محاولات الانتقال من المخزن إلى الدولة وإن كان الأمر يتعلق بعُسْرِ انتقال ، سوف يكون للأعيان دور بارز في بناء الوجاهة السياسية وتدعيم الحضور الدولوي بصيغ شتى. بل إنه في ظل المغرب الحالي، ما زالت الحاجة إلى الأعيان ضرورية، وما زال الطلب السياسي يرتفع عليهم حتى من قبل أكثر الأحزاب راديكالية، وذلك خلال مناسبات التنافس الانتخابي، ما يؤكد أن الحاجة إلى العينية ما زالت ماسة، بالرغم من كافة التحولات التي عرفتها، والتهديدات والمزاحمات والمنافسات التي تستهدفها.
يتوزع كتاب العطري على سبعة فصول تهم سوسيولوجيا النخبة وأنثروبولوجيا الوجاهة، والنخبة المحلية، و قراءة الوجاهة السياسية، و العينية و النبالة، القائدية والعينية، والعينية والزبونية، فضلا عن العين و السياسي .
إن العينية في استعرائها الاجتماعي ، وفي مختلف تمظهراتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية، ترتكن في تفاعلها مع الأفراد والمجموعات إلى تدبير مزدوج يؤجل القطيعة ويديم الاستمرارية، فلا القطع مع التقليد يحدث ولا الانتقال إلى العصرنة يتم من غير امتزاج واستدخال للتقليدي والعصري في آن. فما هي استراتيجيات المقاومة التي يتبناها الأعيان من أجل توطين معالم التغير من داخل الاستمرارية؟ وأي دور للشبكات الزبونية والإمكانات العلائقية في تجذير الوجاهة أو سحب الاعتراف بها؟ وكيف يتم توظيف العصري، بمداخلاته العقلانية كالمؤسسات والانتخابات، لخدمة التقليدي؟ وبالمقابل، كيف يتم استعمال البنيات والمنظومات الرمزية والتقليدية في سياق الانتماء إلى ذات المؤسسات والممارسات العصرية؟
لم تكن العينية لتحافظ أو لتدافع عن وجودها بالاعتماد على أسسها المادية فقط، بل كانت مدعوة باستمرار إلى استثمار الرمزي والطقوسي وتمتين العلاقات الزبونية وتطوير قدراتها على فك رموز المجموعة وتأكيد الانتماء إليها. فالعينية، وإن كانت نتاجا تراتبيا، لتاريخ من التوترات والتسويات compromis المجتمعية، فهي ضرورة سياسية لم تكن ليستغني عنها لا مغرب المخزن والقبائل والزوايا ، ولا لتخطئها رهانات الاستعمار ولا ترتيبات المغرب المستقل. فدوما هناك طلب اجتماعي على الأعيان، بالرغم من تعدد السجلات وتغير قواعد اللعب .
يقر العطري في ختام كتابه بأنه أطروحته موجبة لاستئنافات تساؤلية أخرى في مناطق جديدة وسياقات أوسع. مؤكدا بأنه في العلم الاجتماعي لا نصل إلى الحقيقة ، بل نقترب فقط من أحواز الحقيقة ، ولربما ما يشفع لهذه المساهمة في قراءة آليات إنتاج الوجاهة الاجتماعية، هو كونها حاولت، و بمقدار ما، الاقتراب من هذه الأحواز التي قد تفسر جوانب ما من اشتغال العينية في البوادي المغربية.
جدير بالذكر أن الدكتور عبد الرحيم العطري، سبق وأن صدرت له مجموعة من الأعمال من قبيل دفاعا عن السوسيولوجيا، سوسيولوجيا الشباب المغربي، صناعة النخبة بالمغرب، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، تحولات المغرب القروي، الرحامنة بين الزاوية و المخزن، و مجموعتين قصصيتين وهما الليل العاري و القارة السابعة، فضلا عن مشاركته في عدد من المؤلفات الجماعية.
AZP09

مشاركة