سوريا ثورة تأخر قطافها

سوريا ثورة تأخر قطافها
فارس الخطاب
ما الذي يفعله الرئيس السوري بشعبه؟ بل ما الذي يفعله النظام السوري بالأمن القومي العربي منذ اكثر من أربعة عقود؟ وكم من جريمة ارتكبها الأب حافظ ثم الابن بشار الأسد، بحق سوريا ولبنان والعراق والأردن وغيرهم من دول الإقليم؟ وهل هذه نهاية المطاف بمسيرة حكم عائلة الأسد التي تلاعبت بمقدرات شعبها وأمتها لفترة امتدت لاكثر من أربعين عاما ملئت دما ودسائس وتآمرا وتحالفا مع أعداء الأمة ضد ابنائها؟
ان أكثر المتضررين من جرائم النظام السوري حقيقة هم ثلاثة؛ الشعب السوري واللبنانيون ثم العراقيون، سوريا شعبا شهدت خلال عقود الحكم الأربعة المظلمة أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تمر على الشعوب ؛ فقد عانت وما زالت من ويلات الجوع والحرمان والانغلاق وكذلك الاحتلال حيث تحتل اسرائيل الجولان منذ عام 1973م، ورغم كل هذه المظاهر للمعاناة السورية الشعبية الا أن الحاجز الخاص بترهيب الأمن والمخابرات السورية لابناء سوريا كان الهاجس الأهم والأكثر تأثيرا على النفسية السورية والشخصية التاريخية للانسان السوري الذي جبل تاريخيا على العطاء والانتاج والانفتاح على ثقافات العالم، ولعل أكثر جرائم النظام السوري حضورا في ذاكرة التاريخ المعاصر هي جريمة حماة أو ما اصطلح على تسميته بـ مجزرة حماة التي بدأت في الثاني من فبراير عام 1982م واستمرت قرابة الشهر، قام خلالها النظام السوري بتطويق مدينة حماه وقصفها بالمدفعية ثم اجتياحها عسكريا من قبل القوات الخاصة وارتال الدبابات، التطويق ثم الأجتياح شهد ارتكاب مجزرة مروعة كان ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي المدينة، بدأت الآن تظهر بعض أفلامها الوثائقية لتبين للعالم حجم بشاعتها بعدما كانت سابقا محددة بما يقوله الناجون منها وشهود العيان، ولعل مشهداً واحداً رأيته خلال عرض إحدى القنوات الفضائية العربية لفلم وثائقي بمناسبة ذكرى مجازر حماة في الثاني من فبراير الماضي يبين طبيعة الفكر الحاكم في سوريا، لقد شاهدت بأم عيني عسكرياً من الجيش النظامي السوري يكتب على أحد جدران مدينة حماة العبارة الآتية لا اله الا الوطن ولا نبي الا الأسد وبامكان القارئ العودة الى وثائقيات مجزرة حماة ليتأكد من هذا، هذه المجزرة التي ذهب ضحيتها عشرات الالآف ما زالت المنظمات الحقوقية الدولية تطالب بتحقيق دولي مستقل فيها، ومعاقبة المسؤولين عنها حيث تعتبر الأعنف والأكثر دموية وقسوة في تاريخ سوريا الحديث. ان عقدة حماة كانت كافية لتشّكل عقد الخوف لدى السوريين كافة، كما أظهرت حجم التواطؤ الدولي في التعتيم على مثل هكذا جرائم ضد الانسانية عندما تقتضي مصالحهم التغاضي واغماض العيون عنها على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها، لكن ومع اطلاق شرارة التغيير العربي ولا أسميه الربيع العربي انكسر لدى الكثير من الشباب العربي وهو المتضرر الرئيسي في ظل الأنظمة المستبدة، انكسر لديهم حاجز الخوف، وكان لشباب وشعب سوريا ما كان لشباب تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها، انكسر حاجز الخوف وانطلقوا ليعبروا عن حاجاتهم عبر تظاهرات سلمية بدأت أولا في محافظة درعا وبشكل محدود، الا أن غطرسة نظام الحكم وطبيعته المرتبطة بالدم والترهيب ابت الاستفادة من دروس التعامل مع مثل هذه التطورات في النظام العربي برمته وأصرّت على استخدام العنف المفرط ضد شعبها المكبوت سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فانفجر.
كل التفاصيل يعرفها الناس الآن عن الجرائم التي ترتكب بحق المعارضين السوريين في الداخل وطبيعة التدخل الايراني والعراقي الرسمي لمنع سقوط نظام الأسد، لذا فليس من الحكمة اعادة كتابة ما يراه الناس على شاشات التلفزيون ولكن الحكمة تقتضي أن يقف الجميع لنصرة شعب سوريا الثائرة وعدم منح الفرصة لنظام الأسد لاستعادة أنفاسه واعادة بسط نفوذه بسيل جديد من الدم ومن حواجز أعلى واقوى للخوف قد تكون سببا في اختلالات أمنية وسياسية خطيرة في الأقليم وخاصة في دول الخليج العربي.
أما لبنان البلد العربي الجار لسوريا فلاشك أن ذاكرته تحوي الكثير من الحقائق عن الاجرام السوري بحق لبنان وشعبه وأمنه، فنظام الأسد عبث بمقدرات شعب كامل وأسترخص الدماء والأعراض اللبنانية، ليس اللبنانية فقط بل وحتى الفلسطينية المقيمة على أرض لبنان، وتشير صحيفة هآرتس في لقاء لها عام 1995م مع سفير اسرائيل في بريطانيا جدعون رافايل، الى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين اعطى سوريا موافقته الخطية عام 1976 على دخول قواتها الى لبنان.واوضح السفير انه التقى العاهل الاردني بطلب من الاخير في 11 نيسان 1976 في لندن. وقال وعدنا الملك حسين باسم الرئيس السوري حافظ الاسد ان الجيش السوري لن ينتشر في جنوب لبنان ولن يقترب من الحدود مع اسرائيل وانه سيعمل على ضبط كل الجماعات الفلسطينية المسلحة التي قد تفكر بشن عمليات على شمال اسرائيل . وتزامنا مع هذا اعلن نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في تصريح الى صحيفة الرأي العام الكويتية عام 1976م أن لبنان جزء من سوريا وسوف نعيده وينبغي ان يكون ذلك واضحا ô . لقد نفذت سوريا الأسد منذ عام 1976م وحتى الآن سلسلة لا حصر لها من الجرائم بحق الشعب اللبناني كما قامت بالعديد من الاغتيالات للشخصيات السياسية والصحفية وتغذية المشاكل بين الفرقاء اللبنانيين وكانت تمارس كل هذا بأغطية من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي ويشهد التاريخ على مجازر نفذت في مناطق مثل ظهر الوحش وسوق الغرب وبسوس والحدث وبيت مري وغيرها بما يخلف أكبر عدد ممكن من القتلى لتكريس عقدة الخوف لدى أبناء لبنان، وقد نجحت سوريا في ذلك وحق لها أن تستغل كل شبر في لبنان لصالحها ولصالح المشروع الذي من أجله ربما سكت الغرب عنها حتى اندلاع الثورة الحالية.
يبقى العراق، عقدة سوريا الدائمة، فقد كانت جرائم نظام الأسد وما زالت شيئا لا يمكن وصفه، وأنا شخصيا ارى أن كل قطرة دم سالت في العراق ولاي سبب كان يقف وراءها نظام الأسد، نعم، فمنذ عام 1968م والحرب دائرة بين الأسد حافظ وبين العراق كنظام بعثي مقبل بتجربة سابقة 1963 وبقيادات ذات رؤيا جريئة للتحولات في المنطقة، ومنذ البداية بين النظامين كان هناك دائما ما يجعل التوتر سيد الموقف حتى جاءت زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات الى اسرائيل وردة الفعل العربي بعقد قمة بغداد 2 نوفمبر 1978 حيث كان من أهم نتائجها التقارب السوري العراقي ميثاق العمل القومي المشترك في 26 أكتوبر 1978 الذي لم يدم طويلا حيث تحول بعد مدة وجيزة اسابيع الى قطيعة دائمة وسيل كبير من العمليات المخابراتية لكلا الجانبين. لماذا كل قطرة دم سالت في العراق يتحمل مسؤوليتها نظام الأسد ؟
كلنا يعلم أن الحرب العراقية الايرانية بدأت عام 1980م، وبعد أسبوع من اندلاعها أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بالطلب من الدولتين العراق وايران ايقاف القتال فورا والعودة الى أوضاع ما قبل بدء العمليات العسكرية، وافق العراق، وكانت ايران بصدد الموافقة أيضا الا أن مبعوثا سوريا عالي المستوى نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام وصل الى طهران برسالة من حافظ الأسد تطلب من الخميني عدم الموافقة على قرار مجلس الأمن محذرا من أن الموافقة تعني ظهور مارد جبار في المنطقة اسمه صدام حسين ، هذا ما اعترف به خدام في لقائه مع قناة فضائية عربية مؤخرا، وعلى هذا الأساس تحولت حرب الأسبوع الواحد الى حرب الثماني سنوات، ثم كانت سوريا خلال هذه السنوات وباعتراف خدام تقدم بشكل مباشر وحثيث جميع المعلومات الاستخباراتية عن الأوضاع في العراق وتحركات القطعات وغيرها، ولما أرادت ايران ضرب بغداد بالصواريخ بعيدة المدى كانت سوريا هي صاحبة الخطوة في ذلك حيث طلبت من العقيد الراحل معمر القذافي حاكم ليبيا هذه الصواريخ وبدورها سلمتها الى ايران فتم قصف بغداد بصواريخ أرض أرض عام 1985م
استمرت حرب الأسد ضد العراق حكومة وشعبا، فبعد رحيل نظام صدام حسين بدأ النظام في سوريا بالضغط على الولايات المتحدة من بوابة العراق، وهذا خدام يقول بان بشار الأسد قال له ان أمريكا ستأتي زاحفة للتفاوض مع سوريا حول العراق ، كان هذا بالطبع عبر بوابة الاعمال الارهابية في العراق والتي كانت ومازالت تخطط لها وتمولها سوريا وايران حيث تتظاهر سوريا بانها تدعم فصائل من المقاومة العراقية السنية خاصة في حين تقوم ايران بدعم المنظمات والمليشيات الشيعية وتزويدها بمستلزمات الخروقات الأمنية في العراق وقتل الالآف من العراقيين الأبرياء.
ان الثورة في سوريا ربما ستثمر بسقوط النظام السوري، وهو أحد دعامات ايران الرئيسة في المنطقة، وسيتبع هذا تخلخل النظام المهلهل في العراق، كما سيفقد حزب الله في لبنان الذراع المغذية لنشاطه وتمويله وبالتالي سيفقد القدرة على السطوة في لبنان وتتنفس القوى السياسية هناك عطر الديمقراطية الحقة التي لطالما كانت لبنان مصدرا لها في المنطقة، كل هذا سيفتح بوابات التعامل مع ايران بشكل منفرد على مصاريعها، وسيتنفس الخليج العربي ودوله الصعداء، ولكن الأهم في كل هذا، نجاح الثورة في سوريا.
/4/2012 Issue 4171 – Date 11 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4171 التاريخ 11»4»2012
AZP07