سناء الطائي مشوار المصاعب المكلل بالنجاح

سناء الطائي مشوار المصاعب المكلل بالنجاح

عناية خاصة بتاريخ الثغور الإسلامية

هديـــرالجبوري

البعض تلتقي بهم بوقت متأخر من حياتك وعندما تتعرف أليهم عن كثب تشعر بشيء من الندم لان الظروف لم تكن مهيئة لتتعرفان على بعضكما البعض.

البعض يرغمك على أن تحبه بدون ان تخطط لذلك .

كلماته وأنسانيته ومسيرته الحافلة بالمصاعب والمعاناة والأيثار تزيدك احتراماً له ولصدق كلماته معك وهذا الذي حدث معي عندما تعرفت على انسانة جميلة وأكاديمية فـــذة رقيقة ورائعة في كل شيء .

صوتها المليء بالصدق ورحابة صدرها وحبها للأخرين جعلاني أسعى لان اكتب عنها الكثير ليعرفها كل من لايعرف من هي الدكتورة  سناء الطائي

ولدت الدكتورة سناء الطائي في 21/5/1969والدها المربي الفاضل ( عبد الله عزيز الطائي ) ولها من الاخوة ثلاثة والاخوات اثنان وهي الابنة البكر لهذه العائلة .

نشأت في محلة الكلوات القريبة من منطقة السجن بالجانب الايمن من مدينة الموصل وأكملت دراستها الابتدائية والمتوسطة والاعدادية في منطقة واحدة هي منطقة الغزلاني..

 الابتدائية كانت بمدرسة الغزالي عام 1975 واكملتها عام 1980 لتلتحق بعدها بالدراسة المتوسطة في متوسطة الجزائر ومن ثم اعدادية الكفاح للبنات التي اكملت المشوار فيهما بالعام 1989 .

وقد تأخرت في دراستها الاعدادية مدة ثلاث سنوات بسبب المرض الذي أعاق تقدمها السريع .

مشوار الدراسة

في عام 1990 وبعد اكمالها الدراسة الاعدادية ظهر قبولها في كلية القانون لكن والدها رفض ان تلتحق بهذا الكلية بسبب الظروف الصعبة التي كانت تواجه عائلتها بل كل العوائل العراقية آنذاك بسبب الحصار الاقتصادي فطلب والدها منها أن تتقدم لاكمال دراستها في معهد المعلمين المركزي كي تتخرج منه بصفة معلمة لكي تتمكن من مواجهة الظروف الصعبة وتعتمد على نفسها .

وأكملت المعهد.. وقد قضت سنتين لغرض الدراسة التقويمية في قضاء سنجاربعد اكمالها المعهد المذكور بمدرسة الوليد الابتدائية في القضاء..  وقررت هي وصديقة مقربة لها تدعى ( وفاء ) في عام  بأن تتقدمان لاكمال الدراسة في كلية التربية بجامعة الموصل وحصلت بالفعل على أجازة دراسية لتكمل هذا المشوار الذي بدأته وكان الاساتذة يعاملونها هي وصديقتها معاملة خاصة فيها نوع من الاهتمام بهما وبنفس الوقت يتم اعطاءهما واجبات ومواد اكثر من غيرهما من الطالبات .

وأنتهت الدراسة في الكلية عام 2000 لتتخرج فيها وتحصل على البكالوريوس في التاريخ .

وقدمت بعدها لدراسة الماجستير وتم قبولها من المحاولة الاولى لها في التقديم .

وبالرغم من سعادتها لأن حلمها سيتحقق لكنها شعرت بالكثير من الحزن لان صديقتها

( وفاء ) تركتها من أول المشوار وتزوجت ولم تكمل الدراسة .

لكن ( سناء الطائي ) أصرت على ما بدأته من خطوات وأنهت الماجستير عام 2003 أختصاص مادة التـــاريخ بتقدير جيد جداً بأشراف استاذها الدكتور (طه خضر عبيد ) .

ومضت ثلاثة اشهر لتقدم بعدها لامتحان كفاءة الحاسوب الذي كان وقتها من متطلبات دراسة ( الدكتوراه ) التي كانت تنوي أكمالها لكنها واجهت مطب كبير وعائق عندما قامت بمفاتحة والدها حول أكمال الدكتوراه فرفض بشدة بداية ألامر وكان مبرره أن المشوار سيكون صعباً عليها من كل الجوانب وكانت تتخوف من أستمرار رفضه لرغبتها لكنه اقتنع أخيراً بوجهة نظرها واحترمها وكان لعمها   التاثير الكبير عليه في قبول أكمالها للدكتوراه

واقناعه بذلك وفعلاً تم لها ما أرادت وعندما تم اعلان نتائج القبول كانت متخوفة جداً من عدم قبولها وضياع حلمها لكن فرحتها اكتملت عندما قاموا صديقاتها الطالبات بأقناعها بالدخول الى غرفة الدكتورالمسؤول عن أعلان القبول حيث قررت ان تسأله عن النتيجة وكان جوابه ب ألف ألف مبارك لك فأنت الطالبة الوحيدة التي نجحت بين المتقدمات ..

وبدأت الدراسة في الدكتوراه وكان والدها الرافض في بداية الامرمن اكثر الشجعين لها بعد ذلك وكان يتابع معها كل يوم المواد التي تدرسها ويناقش معها في الكتب الخاصة بدراستها ويوصي والدتها بأن تتركها تخطو خطواتها بالشكل الصحيح رغم المصاعب التي كانت تواجهها بل تواجه كل عائلة عراقية آنذاك بسبب ويلات الحصار الاقتصادي .

والدها كان محاسباً في احدى مراكز بيع الخضار بالمدينة وكانت ( سناء الطائي ) تتألم لمعاناته لأجل ان يحقق لهم حياة مستقرة  فقامت بعمل الزهور الصناعية واكاليل الاعراس كي تقف مع والدها وتسانده في مصاريف عائلته وكي لا تثقل عليه أكثربالالتزامات التي كانت ترهقه وترهق كل رب أسرة عراقي.

وكانت هذه المرحلة من حياتها التي تعرفت أنا عليها من خلالها وعلى كل تفاصيلها هي التي جعلتني افخر بأن اكتب عن مسيرة هذه الانسانة المعطاء  المسيرة المليئة بالفخر والأيثار

انتهى العام 2007 بحصول ( سناء ) على شهادة الدكتوراه في التاريخ الاسلامي من كلية التربية جامعة الموصل وكان والدها سعيد جداً بها وبما انجزته .

والتقى بأساتذتها وأبدى شكره العالي لهم على رعايتهم لأبنته طوال فترة دراستها ودعمهم لها.

ظلت بعدها بأمل أنتظار التعيين الذي لم يتحقق بالرغم من محاولاتها العديدة بخصوص ذلك.. وذات يوم قابلت الدكتور (أُبي) رئيس جامعة الموصل في تلك الفترة وأوصاها بمراجعة مركز دراسات الموصل ومركز الدراسات الاقليمية وهو مركز بحثي يرأسه الدكتور المؤرخ (ابراهيم العلاف) وفعلاً قامت الدكتورة

 (سناء) بمراجعة المركزين المذكورين ولم يخطر في بالها بأن هناك امراً ينتظرها سيغير كل مسار حياتها فيما بعد .

وعندما راجعت مركز الدراسات الاقليمية وقابلت الدكتور ابراهيم العلاف وكان رئيساً للمركز كما اسلفت قام باعطائها رسالة الى رئاسة الجامعة يبدي فيها حاجته الى خدماتها للعمل معه بالمركز.

ولم يتغير الحال وأنتظرت مدة ستة اشهر الى أن عاد لها الامل بصدور أمر التعيين الجامعي في مركز الدراسات الاقليمية في الجامعة لتعمل جنباً الى جنب مع الدكتور ابراهيم العلاف وكان هذا يوم 18/2/ 2008

وعندما راجعته لكي تباشر وهي تذكر انه كان يوم الاثنين في الاسبوع استدعاها مباشرة يوم الخميس الذي يليه ليفاتحها بموضوع هام وهي كانت تظنه متعلقاً بعملها .

لكنه كان صريحاً واضحاً معها ولم يتأخر بأعلان عرضه بالزواج منها واوضح لها انه أرمل منذ سنتين وتمنى ان يقضي معها ما تبقى من حياته .

تفاجئت الدكتورة ( سناء الطائي ) باديء الامر وعندما عادت للبيت فاتحت والدها ووالدتها لكنها لم تلقى القبول الكبير لهذا العرض بل أبدوا عدم رغبتهم بذلك .

لكن اصرار الدكتورأبراهيم على الارتباط بها ومحاولاته العديدة لنيل رضا اهلها جعلها هي الاخرى تتمسك به دون ان تعلم بل زاد أحترامها له ولعرضه .

وأخيراً رضخ الجميع لرغبتها ورغبة المتقدم لها وهو انسان معروف وأكاديمي مؤرخ وجليل فتم الزواج فعلاً يوم 1/7/2008 ليبدأ مشوار جديد في حياتها .

حياتها العائلية

سناء الطائي كانت متعلقة بشكل لا يوصف بأخوتها الثلاثة وعندما توفي أخيها الاصغر بحادث سيارة في شمال العراق عام 2010 تعرضت لأزمة نفسية حادة وصدمة أمضت فيها وقتاً ليس بالقصير لكي تتغلب عليها ..وتساقط شعر راسها بشكل مرعب وكثيف من هول الصدمة والحزن .

لكن الله دائماً يمنحنا الصبر والامل من جديد فأعاد لها الامل والأطمئنان بقدوم وليدها الجميل ( احمد ) الذي يدعونه بـ ( حمو)

وذلك في عام 2013  ليخفف قدومه الى عالمها الكثير من حزنها .

لكنها كانت موعودة بالألم لتفقد اخيها الثاني بنوبة قلبية أصابته بعد عمليات التحرير وتوفي بشكل مفاجئ يوم 18/2/2017  وترك لها   من الابناء أربعة وصبية واحدة فقامت الدكتورة سناء باحتضانهم وتربيتهم تحت كنفها هي والدكتور ابراهيم العلاف وساندتهم لحين أكمالهم الدراسة وقد قوي عودهم وكانت سعيدة بما قدمته لأجلهم .

كانت هي العين التي يرى بها أهلها العالم من زاوية لا تحمل سوى الحب والتفاني الذي كان من سماتها المعروفة..

 تعيش الدكتورة سناء الطائي الان مع زوجها حياة مستقرة وهانئة ادامها الله عليها باحدى أحياء الموصل العريقة في الجانب الايسر ويمتلك زوجها المؤرخ المعروف مكتبة كبيرة شغلت ثلاث غرف من البيت الذي يسكنان به وهذا الشيء قد أضفى على حياتها الكثير من  السعادة

فهي كانت ولا تزال تعشق الكتب ورائحتها والمادة التي تحتويها هذه الكتب وتشعرها بالكثير من الراحة النفسية والتواصل من خلالها مع معلومات العالم الخارجي بكل زمن .

نبذة عن عملها

انتقلت ألدكتورة سناء الطائي من العمل بمركز الدراسات الاقليمية الى كلية التربية للعلوم الانسانية / جامعة الموصل وضلت لحد الان تعمل بهذه الكلية وهي باحثة وتدريسية ومؤرخة بذات الوقت .

وهي من الأوائل الذين أهتموا بالتاريخ الخاص بالثغور الاسلامية وقد قامت بعد أكمالها لدراسة الدكتوراه بتأليف العديد من الكتب منها :

1 – مدينة طرطوس مدينة الثغور الشامية

2- الحياة الفكرية في الثغور والعواصم حتى القرن الخامس للهجرة ( الحادي عشر للميلاد ) وكان هذا عام 2009 .

3- كتاب عن حزب العدالة والتنمية في تركيا

ولدى الدكتورة سناء كم كبير من البحوث والدراسات والمقالات المنشورة لها في الصحف والمجلات .

وهي متخصصة في التاريخ الاسلامي / الفترة العباسية ولها اهتمامات عديدة بشؤون المرأة العراقية خاصة والعربية بشكل عام ولها رؤية خاصة عن معنى ألتاريخ فهي تراه كالنهر تماماً يتدفق من المنبع الى المصب لذلك ليس ثمة فواصل بين عصر وآخر من وجهة نظرها وانما هناك تداخل بين كافة العصور والانسان بالنسبة لها يتفاعل مع الزمن والمكان ليصنع التاريخ وترى أن ابراز دور الشعراء والكتاب والفنانين والصحفيين والمثفقين بشكل عام يتحقق من خلال الفكر القائم والحياة الفكرية التي تأسست من وراءه .

وتسعى جاهدة لتغيير المجتمع الذي تعيش لخدمته وبث روح الايجابية لكل من حولها…

قامت الدكتورة ( سناء الطائي ) بتنظيم العديد من الحلقات النقاشية في قضايا تتعلق بالدول المجاورة مثل تركيا . وقد سافرت مع زوجها للعديد من البلدان وأطلعت على ثقافة شعوبها بحكم عملها الجامعي وكانوا يشاركون في الندوات والمؤتمرات التي تقام في هذه الدول .

 وظلت مقتنعة هي وزوجها بأن المرأة هي عماد البيت والسند لعائلتها.. والرجل يستمد قوته من قوتها لذلك ظلت هانئة راضية كل الرضا عن حياتها وقناعاتها.

وما زال المشوار مستمراً

مشاركة