من روائع الشعر الكردي المعاصر
سليم سواري يوقد شعره للزاوية المركونة في الذات
عصمت شاهين الدوسكي
الموصل
الأديب المبدع محمد سليم سواري عرفناه قاصاً متميزاً على الساحة الأدبية الكردية والعربية، وآثاره القصصية تسمو على منبر الابداع، يستمد أفكاره من الفلكلور الكردي بصورة معاصرة ويخيل لك عند قراءتها انك تحيا مع أبطالها بكل عفويتها وصدقها وبساطتها البيئية، برغم انه بدأ بكتابة الشعر قبل كتابة القصة ونشر له عشرات القصائد الشعرية الجميلة وجمع قسم منه في ديوان شعري بإسم (كانيا ئاشقان ـ نبع العاشقين) قدم من خلال الإذاعة الكردية ولمدة عشرين سنة برامج شعرية مثل برنامج (مساء الخير)، هذه القنوات الإبداعية المختلفة نرى انها تصب في محراب الأدب، يطل علينا بكنونات شاعرية مرهفة ذات ألق إنساني رومانسي فهذا العمر الطويل من المثابرة والبحث والعطاء المستمر لابد من نافذة على الإبداع الأدبي الذي يرسو على بساط الحقيقة مع مزيج من عنفوان الذات والحب والتراث الفكري المتصل بأعماق الماضي ليستحضر حقيقة الواقع وصلته بهذا الكائن (الانسان).
لكن مهما قدم الأديب المبدع من إبداع في شتى المجالات الأدبية نراه يحتاج الى شرارة اخرى ليضيء من خلالها دجنة مركونة في زاوية من ذات الانسان، حين يكون صوت الشعر ألقاً، ثائراً، لا يبكي على أطلال ويقف يندب حظه العاثر بل يتجلى العشق ولّه الحياة ، نبعاً جميلاً غائراً في الأعماق، يمس المشاعر المرهفة والأحاسيس المتقدة خلف صور الواقع الحي فيغدو بشرى للجميع ، ودليل القوافل التائهة وأُنشودة الهائمين الحائرين العاشقين انه هذا الفيض الذي يسير الحلم في عالم إنساني رائـع:
أنت يا أميرة الأحلام
نبع لكل العاشقين
بشرى جميع الأفراح والأعراس
دليل القوافل والتائهين
انشودة السبل والهائمين
يبقى نبع العاشقين منهلاً للروح وسبيلاً للمعنى الأزلي الذي نحيا من أجله. هذه الشفافيه في التدرج العاطفي وإظهار ما يمكن إظهاره من كينونة النفس وخلجاتها المحترقة منها تضع الصورة الشعرية في أوج بريقها مثلما هناك إرتقاء وسمو، نجد وهن وذبول فعندما تذبل وردة العشق كيف يجد العاشق منافذ القدسية الأزليه…؟ :
سأشد الرحال هادئاً
لتبقى الأُغنية الأزلية
كأنفاس بيخير ومتين
شموخ جبل كاره
وخلود زوزك وسفين–
يجسد الشاعر المبدع محمد سليم سوارى (الرحيل، البقاء، الخلود) يفني الأُولى لتخلد الثانية، يسعى الى التضحية والفناء، فالشعر هنا قادر على جلاء المضمون الداخلي مهما كان غائراً في أعماق الروح، والشاعر عاش وإستوعب محراب العشق فجعله يخلق حالة شعورية روحية حرة ، منبثقة من ذاته أولاً وليس بعيداً خارج نطاق الإنسانية لإرتباطه العملي أولاً وتعامله الوجداني ثانياً، مهما كان الرمز محدوداً أو منطلقاً فهو يدل على هذا الغليان الذي يستفز ويثور من خلاله قلب الشاعر (بيخير، متين، كاره، زوزك، وسفين) هي إطلالات جبلية، راسيات تسمو مع هذا النبع الروحي حتى لو كان وردة ذابلة.. ( العشق، المرأة ) توأم يستند أحدهما للآخر يهب صورة جميلة رائعة لمجتمع أصيل، فالمرأة بكل معانيها الرمزية ووجودها التأريخي ، الحياتي ومدلولاتها الشاسعة الحسية والفكرية والروحية تستمد منها معنى البقاء والتحدي، وعندما تخمد النيران تغدو جمرة لا تتوانى على الإنفجار، وعندما تجف الينابيع تغدو أنت (الفرات، ودجلة) الرافدان الأزليان اللذان يمدان الجسد بالحياة والنشاط، ويبقى ناسكاً أمام الهجرة، هذه التناقضات تدل على جدلية النبع وديمومة العشق.
عندما تذبل وردة العشق
أنتِ معنى البقاء
وتتحدين أشرعة الفناء
عندما تخمد النيران
أنتِ الجمرة
عندما تجف الينابيع
أنت الفرات ودجلة
عندما تهجر المعابد
فعلى عتبة فؤادك
أبقى ناسكاً لبريق العيون
الطاقة الإبداعية لدى المبدع دليل على الحيوية والفكر المتقد، ولو قرأنا بتأن أكبرهذه القصيدة لوجدناها رومانسية وجدانية، إن هذا الإرتقاء الروحي يكتسب الوعي والإحساس المرهف بتعامله مع الذات، وبالتالي بالمجتمع ليس كضرورة مؤداة الى الجمال والكمال بل الى الحقيقة التي نعرفه بواقع الحال وليس بعيداً عن الرومانسية التي تميل الى الخيال وتنطلق من أسوار الطبيعة متجهة الى سبل الروح. التي تجد المضمون الحقيقي وباشكال خارجية وأغوار جوهرية فتأتي الصورة الشعرية بسيطة وصادقة بكل عذوبة وعفوية .
من هذه الوجدانية يطل الوطن (ربيع دائم، في كل المواسم) صورة ثانية للعشق، للأصل. للإنسان، حتى العصافير تتغنى وتعشق أوطانها فما بال الإنسان الذي يتنعم بربيعه ويستظل بشتائه ويجد بصيفه ويهدأ لخريفه , مثلما لكل طائر عش، فاللإنسان إنتماء الى الوطن، حب الوطن يفضل على أية بقعة أُخرى في العالم ، فالتضحية من أجله واجب مقدس، ليست صورة كلاسيكية بقدر ماهي فعل متجدد نحو الخطوب الآنية النابعة من حضارات متراكمة منكسرة أو ثائرة فهي تشكل السمات الرئيسية للتحدي والدفاع (الربيع) هنا الربيع ربيع النفس، الروح ، ومن خلاله يتجسد ربيع الوطن الدائم.
في كل ربوع العالم
الربيع أحلى الفصول
حيث يطل مرة كل عام
أما أنت، فربيع دائم
يطل علينا في كل المواسم
بل يطل علينا كل يوم
طوبى لمن يعيش في بلد
يطل عليه الربيع كل يوم
في شتائه وصيفه وخريفه
بك يا عز ربيع العراق
نواجه قسوة بقية الفصول
فكيف لا نكون خلفك جيشاً
يواجه كل الأعداء
مسيرة الإنسان مع عشق الوطن لا تتوقف ولا تتلبد بسحب سود مهما كانت أمواج وتقلبات وتلاطم البحار الصاخبة . سفينة السلام والحب وصوت الحق والعدل يجب أن يصلا الى أبعد بقعة على هذه البسيطة، لتتجلى مناراً وحياة وفضاءً بلا حدود بلا قيود ، نبض الوطن لا يفرق بين الإتجاهات الأربعة فالإتحاد الفكري والتأريخي يمتد ، والجذور والأغصان لا تنفصل عن الجسد الواحد ، قال الرسول محمد صل الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.) صدق رسول الله ، الكلمة واحدة، كلمة الحق والعشق واحدة، عشق الأرض مع تجليات الروح ونبعه من الأزلين (دجلة والفرات) والعبور صورة ثورية تجديدية وتحدي كبير ، وليست إنتقالية، فالربيع والعشق والوطن فينا قبل أان يكون صورة ما على الواقع .
وتعبر سفينة مسيرتنا عباب البحار
لتصبح مناراً بلا قيود
وينطلق الحب من القلوب
وليس لفضاءاتها حدود
يافصول السنة
إشهدي بأننا لا نرضى
وعز الربيع بيننا
إلا ربيعاً في كل يوم
عند الشتاء وكل الفصول
وطني مخضر بعزك
من الشريان الى الشريان
الكل ينبض بأنفاسك
من الشمال وحتى الجنوب
في الأدب الكردي روائع من الأعمال تجذب أنظار القوميات الأخرى الشقيقة، لو تنتقل هذه الروائع الى لغاتها بصورة حقيقية وواقعية، فالأدب الذي يتعكز على المجاملات والمدح يموت قبل الولادة، فهناك أسماء تدعي الشعر والشعر منهم بريء هذا صوت محمد سليم سوارى الذي يرفض الأقنعة وخيانة الشعر بكلمات.
لكن من الضروري أن يطلع القارىء العربي على روائع الأدب الكردي الذي يعكس إصالة هذا الشعب الذي يتغنى بأمجاده وأمجاد الأرض المقدسة التي ترفض أقدام الطامعين، انه يصور أمل الإنسان وطموحه وإرادته مستمداً مواضيعه من نبع العشق الوجدتني الذي ينهل منه الأدباء، فالشاعر له خصوصية مع البيئة والطبيعة الساحرة وخصوصيات أخرى غائرة في الأعماق، تطفو فوق بحر الواقع بعفوية وصدق وإحساس مرهف، القاص والروائي والشاعر المبدع محمد سليم سوارى مثلما يتحفنا بقصصة الواقعية الجميلة ورواياته، ينقلنا على أجنحة الفراشات الروحية والفكرية والحسية ويدنينا من نبع العاشقين العظيم ويخلد ذكراه وتجربته بحب الوطن والذود عنه وديمومة العشق الأزلي الذي يسمو بهذا الكائن الإنسان.
— جبال معروفة في كردستان العراق.
القاص والروائي محمد سليم سواري
– ولد سنة 1951 في قرية ” سوار ” التابعة لمحافظة دهوك.
– أنهى دراسته الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدينة الموصل.
– بدأ بمطالعة القصص والمجلات وهو لم يزل في المرحلة الابتدائية، وفي المرحلة المتوسطة بدأ بقراءة كتب مصطفى لطفي المنفلوطي ولاسيما النظرات والعبرات وكتب توفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس وجبران خليل جبران، ومن الروايات العالمية الاولى التي قرأها ” البؤساء ” و” أحدب نوتردام ” لفكتور هوغو، وفي المرحلة المتوسطة والاعدادية نال إعجاب مدرسي اللغة العربية في تحرير مادة الانشاء، والمشاركة في إعداد مواد النشرات الجدارية.
– في سنة 1972 انتقل الى بغداد لمواصلة دراسته الجامعية، وفي سنة 1977 نال شهادة بكالوريوس في الرياضيات بكلية العلوم في الجامعة المستنصرية.
– بدأ العمل سنة 1974 مذيعاً ومترجماً في الإذاعة الكردية ببغداد واستمر بالعمل الوظيفي هناك أكثر من ثمان وعشرين سنة، وكان له الكثير من النشاطات :
ـ مارس كل مفردات العمل الإذاعي(مذيع/ مترجم/ مخرج/ منفذ/ منظم برامج وتنسيق/ ممثل /رئيس قسم البرامج العلمية /رئيس قسم البرامج الثقافية/معاون مدير/ وفي سنة 1992 عين مديراً للإذاعة الكردية والاذاعة السريانية والتركمانية وبعد ذلك عين مديراً للتلفزيون الكردي والفضائية الكردية في بغداد.
– قام بإعـــداد وتقديــم وإخــراج العشـــرات من الــبرامج الإذاعيـــة والتلفزيـــونيـــة وكان من برامجه المعروفة عند المستمعين والقريبة اليهم والى نفسه برنامج ” مساء الخير” حيث كان يقوم بإعداده وتقديمه وإخراجه لأكثر من 25 سنة، وبرنـــامج (شخصيات علمية) وبرنامج (ادباؤنا يتحدثون) وبرنامج (شعر وموسيقى) وبرنامج (صباح الخـــير) وبرنـــامج(ضيف التلفزيون) وبرنامج (من أروقة الإبداع) التلفزيوني وبرامج أخرى.
– قام بإعداد وتأليف العشـرات من المسلســــلات الإذاعية مثل مسلسل(عه مي كوزي) من(24) حلقة ومسلسل (بهار) من(20) حلقة ومسلسلات أخرى.
– غنّى عدد من الفنانـــين الكرد قصائده الشعريـــة مثل الفنانة المعروفة(كولبهار) والفنان المشهور(أحمد زيباري).
– في سنة 1977 بدأ بكتابة القصة القصيرة باللغة الكردية ولكن خلال ثلاث سنوات كانت قصصه تلقى الرفض وعدم النشر، بسبب ما تحمله من إيحاءات ورموز، ونشرت قصته الاولى ” ره زفان ” أي البستاني في 11 شباط 1980 في صحيفة ” هاوكاري ” اي التضامن في بغداد، وبالاضافة الى القصة كتب الشعر والمقالات النقدية والأعمدة الصحفية، ومنذ سنة 2003 يقوم كذلك بكتابة المقالات السياسية والصحفية باللغة العربية.
– عضو في اتحاد الادباء العراقيين والكرد منذ سنة 1980.
– عضو في نقابة الصحفيين العراقيين والكرد منذ سنة 1985.
– كان عضواً في هيئات التحرير لمجموعة من المجلات والصحف الكردية، والآن يعمل سكرتير تحرير في صحيفة الأهالي الليبرالية.
– من مؤسسي إتحاد الاذاعيين والتلفزيونيين العراقيين
– اضطر لإحالة نفسه الى التقاعد سنة 2002.
– من مؤلفاته :
ـ ” مزكيني ” أي البشرى، مجموعة قصصية، سنة 1983.
ـ ” ري يا به راني ” اي طريق الكبش، مجموعة قصصية، سنة 1986.
ـ المشاركة في إعداد الكتاب العلمي للاذاعات العراقية، سنة 1987.
ـ ” كه فالي بي به رواز ” اي لوحة من دون إطار، مجموعة قصصية، سنة 1996.
ـ تحقيق وإعداد الجزء الثاني من رواية ” بوهزين ” اي الإنصهار للدكتور نافع عقراوي، سنة 2000 بعد إستشهاده.
ـ ” كاني يا ئاشقان ” اي نبع العاشقين، ديوان شعر، سنة 2001.
ـ طريق الكبش، مجموعة قصصية للكاتب مترجمة من قبل مجموعة من المترجمين الى اللغة العربية، سنة 2003.
ـ ” كوند ” اي القرية، رواية، سنة 2005، حيث ترجمت الى اللغة العربية من الكاتب والمترجم سامي الحاج سنة 2007، وكتبت العشرات من المقالات والدراسات النقدية عنها.
ـ المشاركة في تأليف قاموس ” تريفه ” كردي / عربي / إنكليزي سنة 2008 والذي طبع من المديرية العامة للدراسات الكردية في بغداد.
ـ ” بابي منو” أي يا أبتاه، مجموعة قصصية، سنة 2010.
ـ ” واري روندكا ” أي أرض الدموع، رواية سنة 2010.
ـ (شيلان)، مجموعة قصصية، اللغة العربية، سنة 2011.
ـ (ئه فه يه سه كفان عه بدلحه كيم) هذا هو سكفان عبدالحكيم، سنة 2011.
ـ له روايات وكتب اخرى تحت الطبع.



















