سعيد من إتعظ بلبنان – علي الشكري

 

 

 

 

سعيد من إتعظ بلبنان – علي الشكري

قبل انتشار وسائل الإعلام الحديثة التي راحت تنقل الخبر مباشرة ودون واسطة ولا وساطة ، بل راح الخبر يفرض نفسه مرئيا او مسموعاً ودون حاجة لعناء البحث عنه وتتبع الصحيفة التي نقلته ، كنا نتغنى بالتجربة اللبنانية عن جهل ، لا لشيء الا لتداول السلطة دوريا ، وتعاقب رؤساء الجمهوريات والوزراء ، وتغير الوجوه بصورة منتظمة ، جاهلين ومتجاهلين أحياناً حقيقة التداول وخلفياته وما يخفي . بعد أن راحت الممالك الجمهورية هي السائدة في عالمنا الأقل تطوراً وديمقراطية ، فضلاً عن التوارث والتوريث وبذلك اكتملت اركان النظام الوراثي ، الا الحرص على نقل الملك هادئاً مستقراً ، إذ تحرص النظم الملكية على التوريث الآمن السلمي ، بخلاف الملكيات الجمهورية التي تعبث برأس كبارها كل شياطين الأرض . ويبدو أن الرحم الذي ولدت منه التجربة السياسية اللبنانية  هو ذات الرحم الذي ولدت منه التجربة العراقية بعد رحيل الشمولية ، إذ لك الحق في أن تشتم وتفسّق وتشهّر وتكفّر ولا سياسي متخذ قرار يسمع ، في البلد عشرات بل مئات الفضائيات التي تتحدث بحق وفي بعض الأحيان بباطل ، والساسة يهزؤن ويضحكون ويأنسون ، في بلداننا النزيه فاسد ، والفاسد شريف ، والورع مغفل ، واللص معلى مقدم ، الجميع لصوص ، واللص متصدي ، الكل فاشل ، والفاشل في مقدمة الركب يقود ، التعليم في تراجع ، لكن عدد الشهادات راح يغطي عين الشمس ويكفي لسد حاجة بلدان ، الطب يحتضر ، الجهاز غائب والدواء رديء والعلم يحبو ، وكليات المجموعة الطبية راحت تنتشر لا في الأقضية حسب ولكن حتى في النواحي ، وراح الطبيب يتظاهر بحثاً عن تعيين مركزي ، في بلادي الأمن غائب والتهديد حاضر ، وعدد رجال الأمن يفوق تعدادهم في البلاد التي يفوق عدد شعبها وسكانها شعب العراق وسكانه باضعاف ، في بلادي اللسان الناطق بالوطنية ليس اطول منه ، لكن الوطنية غائبة عند كثير ممن يتغنى بها ، في بلادي المتميز مسحوق يستجدي الفرصة ، والمغمور حاضر يتنقل بينها للبحث عن الأسمى ، في بلادي أضحت  الهجرة حلم والبحث عن البديل هاجس ، والوقوف على أبواب السفارات والمنظمات الإنسانية أمر مألوف مشاهد ، بعد أن كان بلدي على مر العصور وتعاقب الأزمان حلم وتطلع وأمنية ، في بلادي غاب الماء والشجر والثمر ، وانتشر التصحر والعاقول والمستورد ، العراق بلد مفتوح لكل خيرات ونفايات العالم ، ولا شيء فيه للتصدير ، الا البشر ، عجيب أمرك العراق لم تقتبس من لبنان الا المرفوض المستهجن ، في لبنان لك الحق في أن تتحدث ولا أحد يسمع ، فيها اشتم ما شئت فالغيبة والنميمة والسباب يذهبن السيئات ، فالمهم أن السرقات قائمة على قدم وساق ، الخزينة خاوية ، والمال منهوب ، والثروة مهدورة ، والشعب جائع يفترش أبواب السفارات ، في العراق كما لبنان ، الكوميديا الفوضوية تتسيد ، والمعنى غائب ، والنص مفقود ، والمأساة راحت تدق الأبواب ، بل تأرق شعب راح يطالب بالوصاية الأجنبية ، في العراق كما لبنان الحرائق تلتهم المؤسسات الحكومية ، وخراطيم المياه تتلف الأثار ، واللص يدفع البخس من أجل طمس معالم سرقاته ، ولو تسبب في ضياع ارشيف وأثر ، في بلادي كما لبنان تتصدر أخبار العراق نشرات الأخبار لكن بالمأسي والسيئات من الأنباء ، أما استشهاد متظاهر ، أو اختيال ناشط ، أو قتل بتفجير ، وفي أحسن السيئات من الأخبار سطو مسلح أو قتل بنزاع عشائري . لقد دخلت لبنان مرحلة اللاعودة بعد تفجير المرفئ ، الذي تفتحت معه كل الجراحات ، جوع وظلام وقحط وانغلاق سياسي ، ولا أحد ألا الله يعلم ما سيئول اليه المصير ، بعد أن عجز الراسخون بالوطنية من إيصال صوت الشعب النابض بالحياة المتطلع الى غد أفضل ، وعلى متخذ القرار في العراق أن يتعض من التجربة اللبنانية ، ويجنب الشعب مأساة الموت لا سامح الله بتفجير مفتعل أو خطأ ، تتفجر بعده الأوضاع وقد تؤل الى ما آل اليه الوضع في لبنان ، فقد زهقت في العراق ارواح ، وسالت انهار من دم طاهر ولما تزل ، فالعراق يستحق المكانة الأفضل ، به تليق الصادرة ، ولرجاله من الوطنيين وجدت المكانة ، فيه المرجع والسياسي و العالم والتاجر والمتميز والنزيه ، في ارضه كل الخيرات ، ومن ارضه انطلقت كبريات الحضارات وقامت المدنيات ، تاريخ ثر  وماض مجيد ولا يليق به الا حاضر متألق ، كثرة في المآسي وطالته الكوارث ولاحقته النكبات ونزلت بشعبه الملمات ، كفاه قتل وهدم وحرق ونهب وضياع بالرجال والثروات ، فما ضاع فيه ، العوض ، وما فات لن يوقف تطور وعودة للتميز وإن كان مأسوف عليه ، فإن يأتي الاصلاح متاخر خير من أن لا يأتي .

علي الشكري

مشاركة