فاتح عبدالسلام
ما رأيت العراقيين يوماً متفاعلين مع حدث دولي، كما هو حالهم مع الحرب الروسية الأوكرانية. اذ تضج على مدار الساعة في داخل بلادهم وفي المهجر، مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلات بأخبار وتعليقات وصور ونكات عن هذه الحرب، التي افتتحها تعليق مواطن من النجف بالقول: انّ هذه هي الحرب الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي يقف العراق متفرجاً عليها ولم يشارك فيها . والتعليقات هنا، لا تعنى بالوقائع قدر اعتمادها على السخرية وإشاعة هذا الجو المضحك المبكي، فيما العراقيون يستذكرون ويقارنون ما جرى ببلدهم بعد الاحتلال الأمريكي ، وقد باتوا اليوم لا يهتمون بسوى نشر صور الدبابات والجنود القادمين من أوكرانيا الى ارض العراق ومحافظة واسط تحديداً، ويقولون في تعليقاتهم اللاذعة، انّه من سخرية الاقدار انّ الجيش الاوكراني الذي تغزوه روسيا اليوم، ويستنفر العالم الغربي لمساعدته ضد الاحتلال الروسي، مستغيثاً منر أجل سيادة بلاده، كان أحد اجنحة احتلال العراق في العام ٣٠٠٢.
في الجانب الاخر شاعت صورة للرئيس الأمريكي الأسبق أبو الحروب ومخترع الأكاذيب الأول بامتياز جورج بوش الولد، ويقول تعليق تحت الصورة ان بوش يصف الحرب بالبلطجة الروسية، في حين تعلو الصورة، عبارة ( حين تتكلم العاهرة عن الشرف ) المقتبسة عن الكاتب العالمي الساخر برنادشو. وربما لم يصرح بوش أساساً، تاركاً الملعب الاعلامي الساخن اللاسع لترامب الذي وجد الحرب فرصة لتقزيم بايدن وامتداح خصمه بوتين لكن بطريقة الذم، حين يقول انه ما كان ليتجرأ أن يغزو أوكرانيا لو كان لا يزال رئيساً في البيت الأبيض.
لكن في المشهد العام ، هناك كمية من التشفي والسخرية والشتائم ، لم يسبق لها مثيل في سلوك العراقيين التعبيري، لعلها كانت لغة مطمورة ومؤجلة تنتظر الفرصة ، وربما سيدخر العراقيون بعضا من لغتهم القاصفة لفرص قد تكون متاحة امامهم اذا تطورت الحرب، وازدادت أعباؤها الحربية والمالية والاقتصادية على الدول العملاقة التي كانت ذات يوم تمضي الى ذبح العراق بسكين الحرب بدم بارد من دون ان يكون مسموحاً الحديث في مسألة انتهاك سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، و كانت تعيش حصارا مرّاً أمده ثلاث عشرة سنة، وجيشها مجرد من السلاح الدفاعي الاستراتيجي كالصواريخ ولا تملك غراماً واحداً من أسلحة الدمار الشامل، وكل مصيبتها انّ حاكمها كان ديكتاتوراً كباقي أغلبية زملائه العرب في الحُكم، مع ارتكاب معصية إضافية دون الآخرين، في اجتراح طريق قصف اسرائيل.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية