سجاد الغازي

سجاد الغازي
قلم مبدع وخلق رفيع وسيرة تدرّس
عماد آل جلال
بغداد
في تاريخ الصحافة العراقية رموز وطنية تركت بصمتها الواضحة ليس في قائمة المطبوعات الطويلة من صحف ومجلات فحسب، إنما أثرت في السلوك المهني لعدد كبير من الصحفيين الذين توفرت لهم الفرصة للإختلاط بهؤلاء والعمل معهم في مقرات الصحف.
وحين نتحدث عنهم لا بد أن نتذكر الرموز البارزة بينهم والأستفادة من تجاربهم ودراسة سيرتهم الذاتية، شخصيا اتمنى أن يكون الأهتمام برواد الصحافة أمرا ثابتا ومتواصلا لا يرتبط بالمناسبات الصحفية كالعيد المائة واربعة واربعينللصحافة العراقية الذي تحتفل فيه الأسرة الصحفيةبولادة صحيفتها الاولى الزوراء في مثل هذا اليوم من عام 1869. ذلك إن بقايا الرواد في الوقت الحالي لا يتجاوز بضع مئات ولكل منهم تجربته التي تعد درسا مهما للأجيال الصاعدة.
سجاد الغازي أحد أهم من يستحق الحديث عن تجربته المهنية الطويلة التي تمتد الى اكثر من ستين عاما كان خلالها شاهدا على أحداث وسياسات وانظمة، وعنصرا فاعلا وقلما مبدأيا مبدعا في تسجيل أحداث متواترة من تاريخ العراق المعاصر، كما أنه أسهم بشكل فاعل في اصدار وأستمرار عديد الصحف والمجلات والملاحق.
مثل سجاد الغازي للكثيرين ممن عمل في الصحافة معلما فذا وأخا عطوفا، كنا ننظر اليه نظرة إعجاب لما يمتلكه من مقومات وخواص،فهو جمع بين القلم النافذ والخلق الرفيع والتواضع البهي الملف للنظر، عندما حالفني الحظ للأنضمام الى أسرة تحرير جريدة الجمهورية نهاية 1978 وجدت امامي صحيفة علمية تضاهي في أخراجها وتحريرها الصحف اليومية، كان ملحق “طب وعلوم” الذي يصدر صباح كل يوم خميس علامة بارزة في مدرسة دار الجماهير للصحافة وجريدة الجمهورية على وجه الخصوص.
صدر العدد الاول من “طب وعلوم” في 21 نيسان 1977 وإستمر في الصدور بعدها سنوات طوال بعمر “الجمهورية”والسبب إن من وضع اساسه وماكيته الاول هو المعلم الاستاذ سجاد الغازي الذي للأسف لم تحالفه الظروف وقتها للتواصل الرسمي مع جريدة الجمهورية لإحالته الى التقاعد بقرار من مجلس قيادة الثورة عام 1978 وهو امر غير مألوف أن يحال الصحفي بقرار كهذا.
عمل الغازي في الصحافة الخاصة منذ عام 1948 في جريدة الاستقلال وتواصل متنقلا بين عدد من الصحف بينها الحرية لصاحبها قاسم حمودي التي مثلت أمتدادا لجريدة حزب الأستقلال وغيرها من الصحف التي صدرت وقتذاك لحين إلغاء أمتيازات اربع عشرة جريدة في 17 تموز 1968.
أحتل العمل المهني والنقابي حيزا كبيرا من جهد وإهتمام سجاد الغازي وكان مؤسسا لنقابة الصحفيين العراقيين تقلد فيها مناصب أدارية عدة حتى إنتقل الى العمل النقابي في مجاله الأوسع في إتحاد الصحفيين العرب وأحتل فيه منصب الأمين العام من سنة 1978 الى 1996 ولعلنا هنا نتذكر المجلة الرائدة “الصحفي العربي” التي صدرت بشكل متواصل طوال هذه السنين وهي بحق تشكل عملا اعلاميا ناضجا من الواجب على نقابة الصحفيين العراقيين وكليات واكاديميات الاعلام ان تحتفظ بمجلداتها لتكون في متناول قراءة وإطلاع جيل الشباب من الاعلاميين.
ويسجل التاريخ لأستاذنا ابي عماد أنه من وضع وخطط لصدور قانون تقاعد الصحفيين الذي وفر أمتيازا فريدا من نوعه للصحفيين المتقاعدين لكنه للأسف ظل رهين الظروف التي انتجته ولم يطور، وظل يعاني من الأهمال والتهميش برغم المطالبات العديدة لأصدار ملاحق قوانين تؤمن العيش الكريم للصحفي المتقاعد، حتى تمكن في عام 1969 من تحقيق أول تعديل على القانون عندما كان عبد الله سلوم السامرائي رحمه الله وزيرا للأعلام , إستمرت هذه المحاولات في السنوات الماضية وكان أبرزها دعوته لتفعيل القانون وتطبيق ضوابط وتعليمات عمل الصندوق في أحتفالية النقابة بعيد الصحافة عام 2009.
عندما أتحدث مع أستاذي الغازي عن تأريخ الصحافة العراقية يوجه نظري الى موسوعة الصحافة العراقية لمؤلفه فائق بطي عام 1973 وطبعته المنقحة الجديدة لدار المدى قبل سنتين حيث يعدها أهم منجز يؤرخ للصحافة العراقية حتى الآن، ويقول متأسفا إن تاريخا عريضا من تأريخ نقابة الصحفيين العراقيين لم يسجل وترك لحافظيه الذين يندثرون مع مرور الزمن، حتى إن تأريخ العديد من المؤسسات الصحفية هو الآخر لم يسجل وثائقيا لأن لا أحد يهتم بالتوثيق في زماننا هذا ولا إبان الأزمنة الماضية.
في عام 1980 شاركت في دورة المعهد القومي للصحفيين العرب بإدارة الصحفي المعروف المرحوم وفيق الطيبي، مع نخبة طيبة من الصحفيين العراقيين والعرب في بيروت وكان الأستاذ الغازي بيننا ممثلا عن إتحاد الصحفيين العرب فلامست أفكاره وتوجهاته عن قرب، مما عزز لديّ صورة أبي عماد كما رسمتها في مخيلتي عبر مدرسة دار الجماهير للصحافة.
قبل بضعة أسابيع أتيحت الفرصة لزيارة الرائد سجاد الغازي في داره ببغداد قبل ان يودعه نهائيا الى الغربة في سويسرا، يومها تحول هذا اللقاء العابر الى جلسة فتح فيها الغازي صفحات وملفات عدة ابرهت الحاضرين في الجلسة التي ضمت الزملاء زيد الحلي وعلي خيون والمغترب رعد اليوسف، أقول أبهرتنا دقة المعلومة وتوقد ذاكرة استاذنا الغازي وأمتلاءها بخزين هائل من الذكريات والمعلومات والأسماء والتواريخ، مما شجعني على مطالبة ابي عماد بكتابة مذكراته التي بلا شك تشكل وثيقة مهمة في تاريخ الصحافة العراقية، وإنتشيت عندما أخبرنا بأنه بدأ بكتابة مذكراته وستجد طريقها الى سوق الكتاب في الوقت المناسب، إضافة الى مشاريع كتب أخرى لا أريد أن أكشف عنها في هذه السطور.
يطول الحديث عن رمز من رموز الصحافة العراقية والعربية يفتخر به جيل الرواد والمتصدون للعمل الصحفي في الوقت الحالي لما يشكله تأريخه المهني من محطات مهمة في تاريخ الصحافة العراقية والعربية على حد سواء، تمنياتي لأستاذي سجاد الغازي بطول العمر وأكمال مشاريعه التي ننتظرها بفارغ الصبر.
AZP09