سباق إلى قعر الأزمة السورية

سباق إلى قعر الأزمة السورية
فكتور كوتسيف
ترجمة ــ سناء عبد الله
شهدت الأسابيع القليلة الماضية تحولا هاما في التقارير الواردة من سوريا. فبعد أن كانت الحكومة السورية قد بدت قبل نحو شهر من هذا التاريخ بأنها تفقد سيطرتها على جميع الجبهات، تبدو الحرب الأهلية اليوم قد دخلت في منعطف جديد يتجسد في سباق للوصول إلى قعر النهاية يتحدد فيه النصر في ضوء القدرة على التحمل وليس القوة.
ويواجه كل من النظام السوري والمتمردين تحديات كبيرة تفرض تهديدا كبيرا على قدرتهم على المضي قدما، وهذا ما يفسر جزئيا تباين التكهنات لمختلف المحللين. وفي هذه الأثناء، وبينما يحل فصل الشتاء، وتزداد أعداد القتلى تفيد أحدث تقارير الأمم المتحدة بأن عدد القتلى قد وصل إلى 60 ألف قتيل ، يدفع المدنيون ثمنا باهظاً.
ويواصل العديد من المراقبين الاصرار على أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد في رمقه الأخير. في هذا السياق، توقع الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، جيفري وايت، يبدو أنه لم يتبق سوى أسابيع محدودة حتى يسقط النظام ، في وقت يقدر آخرون بأن النظام سينتهي خلال الاشهر الستة المقبلة مشيرين، من بين أمور أخرى، إلى المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها النظام. إلى ذلك، قال أحد الخبراء الاقتصاديين السوريين المقيمين في المنفى لمجلة تايم الأمريكية بأن الاقتصاد هو أساس كل شيء ، متوقعا بأن ينهار نظام بشار الأسد في فترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد قدم تخمينات مشابهة في الماضي . ويضيف الخبير المذكور قائلا من دون خدمات أو أحذية عسكرية، أو أموال لن يكون بالامكان فعل أي شيء. وإذا لم تكن الحكومة قادرة على تمويل الجيش، فأن الجنود سيهجرون مواقعهم بكل بساطة .
لقد حقق المتمردون تقدما هاما خلال الاشهر الأخيرة، حيث سيطروا، وفقا لتقارير متعددة، على نحو 40 إلى 75 بالمائة من أراضي البلاد. بل احتلوا بعض الضواحي المحيطة بالعاصمة دمشق وكانوا بذلك قادرين في عدة مناسبات على إغلاق المطار الدولي في البلاد.
إن ضعف النظام ليس أمرا من صنع الخيال، غير أن ذلك لا يمثل إلاّ نصف الحقيقة. فلو كان الاسد على وشك الانهيار، فإن معظم المتمردين موجودون هناك أساسا، وكانوا على تلك الحالة منذ أشهر. لكن تواجدهم هناك لا يمكن أن يكون كافيا لإدارة نصف سوريا، وهو الأمر الذي بمفرده يمكن أن يكلفهم، وفقا لمقالة مجلة التايم ذاتها، نحو نصف مليار دولار شهريا. ولكن ذلك لا يعد من أكبر مشاكلهم.
في هذا السياق، يشير عدد من التقارير بأن القوات الحكومية تتعمد التخلي عن بعض الأراضي من دون مقاومة تذكر. وقد فعلت القوات النظامية السورية هذا الأمر بغية ترشيد خطوط الاتصال وخفض بعض النفقات، ولكنها أرادت أيضا من ذلك الاجراء أن تترك المواطنين يعيشون أحد كوابيس الحرية مما سيجعل العديد منهم يختار حكم الاسد بوصفه أهون الشرين. وفي وقت أصبح فيه الملايين من السوريين بدون مأوى في منتصف فصل الشتاء، وكان معظمهم في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، ونضبت فيه المواد الغذائية والمياه وزيت الطبخ، فإن مثل هذه السيناريو ليس عبثيا على الاطلاق.
بل الأهم من ذلك، تشير تقارير أخيرة بأن المتمردين أنفسهم ربما ساهموا بشكل فاعل في وصول الأمور إلى ما هو عليه. لقد أصبح الاقتتال الداخلي، والنهب، وعمليات الاختطاف العشوائية من النشاطات اليومية في العديد من المناطق. وقد تكون حلب، مدينة التجار الاثرياء حيت تدفق المقاتلون من ضواحي المدينة الأكثر فقرا، مثالا صارخا على ما يحدث، لكنها ليست المثال الوحيد على الاطلاق. وتسلط حادثتان اخيرتان رواهما مراسل صحيفة غارديان البريطانية، غيث عبد الأحد، تفاصيل مثيرة على ما يحدث.
ففي حادثة مؤرخة في 28 كانون الأول، يصف المراسل أحد قادة المتمردين القساة، ويدعى أبو علي، والذي يقول بأنه واجه عدوين هما كتائب المتمردين والحكومة ، على حد وصفه. وقال أبو علي للمراسل بأنه شاهد محاولة من جانب العديد من المدنيين التي وقعت منازلهم تحت سيطرة قواته من أجل انقاذ بعض ممتلكاتهم، كما يروي أوجها من المعاملة التي تلقاها هؤلاء المواطنون حيث يقول بصوت غاضب لقد تعرضت جميع المنازل الى النهب في وقت لم تصل فيه القوات الحكومية إلى هذه المنطقة. نحن من نهبهم .
وفي مقال آخر بتاريخ 27 كانون الاول، يصف غيث عبد الاحد على نحو أكثر عمومية كيف تسببت الفوضى والاقتتال الداخلي، اللذان يعتبرهما وجها جديدا من أوجه الحرب، في وقف تقدم المتمردين في حلب. يقول أحد المقاتلين الشباب خلال لقاء معه نحن نمثل المشكلة. لدينا كتائب موجودة في المناطق المحررة تقوم بالاشراف على نقاط السيطرة واعتقال الناس. لقد أصبحوا أسوأ من النظام . ويواجه المتمردون تحديا مستقبليا آخر وصفه المستشار الأمريكي الخاص السابق لشؤون سوريا، فريدريك هوفت، بأنه حبة دواء سم الطائفية القاتل حيث كتب قائلا من خلال تشكيل واطلاق العنان لعناصر الشبيحة في معظمهم شباب علويون فقراء مدعومون بالمجندين من الجيش النظامي ، فإن نظام بشار الأسد قد حقن حبة السم في مجرى الدم الوطني. وفي نهاية المطاف، فان الاسد وحاشيته يتطلعون قدما لاشعار الاقليات ولا سيما العلويين والمسيحيين بأن النظام الحالي وحدة يقف حائلا بينهم وبين العرب السنة القادمين الذين قد يعمدون إلى خيارات عديدة تتراوح ما بين إقامة نظام طائفي صريح، إلى تطبيق الشريعة الاسلامية وصولا إلى طرد الأقليات أو ذبحها. إن اندفاع قطاعات هامة من المعارضة في تقبل الطُعم الطائفي الذي دسه النظام يوحي بأمرين إما أن تطور شعور المواطنة السورية والوحدة الوطنية التي مضى عليها 65 سنة كان وهميا برمته، أو أن قادة سوريا الثوريين لم يفكروا في مسألة تحصين أنفسهم واتباعهم ضد التطبيق الذي لا مفر منه لاستراتيجية طائفية استفزازية فجة من جانب النظام . ويبدو أن المعارضة لم تفشل فقط في تمزيق وحدة العلويين والأقليات الأخرى التي تدعم النظام، لكن يبدو أنه على الرغم من الطبيعة الطائفية للحرب والاساليب الوحشية للرئيس بشار الأسد، فقد تمكن الأخير بفاعلية من وقف التوحد الكامل للطائفة السنية ضده. ووفقا لتقارير عديدة، فان نحو ثلث المواطنين من الطائفية السنية، ولا سيما في المدن الكبرى، لا زالوا يدعمونه. وفي الوقت الذي تبقى فيه من الصعوبة بمكان تحديد أعدادهم ودوافعهم على نحو دقيق، أكد أحد المتمردين ممن تحدثوا مؤخرا مع الصحيفة بأنه شارك مع رفاقه بصورة متكررة في قتال آخرين من الطائفة السنية. وقد دفعت مثل هذه الاعتبارات الخبير بالشؤون السورية من جامعة اوكلاهوما الأمريكية، جوشوا لانديس، إلى أن يتوقع بأنه في غياب زيادة كبيرة في مستوى التدخل الخارجي، فان الاسد سيبقى في موقعه بحلول سنة 2014 . ولم تقتصر هذه الخلاصة على الأخير بل حتى مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الابراهيمي قد نوه مؤخرا بأن سنة 2013 قد تكون مفرطة الدموية لكنها لن تكون حاسمة.
إن المستقبل وحده قادر على أن يقرر من هو المصيب. ولكن، حالياً، لا يوجد ما يشير إلى تراجع حدة العنف، فيما يواصل ملايين المواطنين السوريين تحمل العذابات المريرة.
AZP07

مشاركة