ساوث ستريم قبالة نابوكو.. من سيكسب المواجهة ؟ – حسن طه العزاوي

ساوث ستريم قبالة نابوكو.. من سيكسب المواجهة ؟ – حسن طه العزاوي

عد إقرار إتفاق “كيوتو”سنة 1992 وتطبيق الدول الأوروبية لإجراءات حازمة للحد من تلوّث الجوّ ، تضاعف إستهلاك أوروبا للغاز.

ومن المتوقّع أن يزداد هذا الإستهلاك بأكثر من خمس مرّات في السنوات القليلة المقبلة، في ظل قرارات بإغلاق العديد من المفاعلات النووية المولّدة للطاقة. وهذا ما فتح شهيّة الكثير من الدول المصدرة للغاز نحو أوروبا،بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك لمصالح إقتصادية ولأهداف مرتبطة بالنفوذ السياسي الدولي. وفي هذا السياق، توزّع روسيا الإتحادية (التي هي المصدّر الأوّل للغاز في العالم) ، كمّيات ضخمة من الغاز السائل تبلغ 420 مليار طن سنوياً، عبر شبكة ضخمةومعقدة من خطوط الأنابيب تمتد من روسيا مرورا بأوكرانيا وبيلاروسيا إلى مجمل أوروبا الشرقية سابقاً، وصولاً إلى ألمانيا وبلجيكا بواسطة شركة “غاز بروم” الروسية التي تأسّست في العام .1996

ومن الواضح أن روسيا قد قرأت الخارطة وتعلمت الدرس جيداً.. فسقوط الاتحاد السوفيتي كان بسبب غياب موارد الطاقة العالمية عن سيطرته.. لتضخ إلى البنى الصناعية المال والطاقة.. وبالتالي البقاء.ولذلك تعلمت أن لغة الطاقة الآتية إلى القرن الواحد والعشرين على الأقل هي لغة الغاز.

وكان المشروع يهدف إلى ربط احتياطيات الغاز في آسيا الوسطى عبر بحر قزوين بأوروبا من خلال خط أنابيب يعبر بحر قزوين إلى أذربيجان ثم إلى النمسا، دون المرور بروسيا، أي أن مشروع «نابوكو» كان مخططا له أنه بإمكانه في نهاية الأمر أن يوصل الغاز الطبيعي مباشرة من وسط آسيا إلى وسط أوروبا، من دون أن يعبر روسيا الاتحادية ، وبحسب دراسات المشروع في بداياته فهو يعتمد أساساً على تصدير الغاز الطبيعي من المزود تركمانستان، التي تملك رابع أكبر احتياطي غاز في العالم من خلال تمرير خط أنابيب عبر حوض قزوين يحمل غاز تركمانستان إلى أذربيجان دون المرور على الأراضي الروسية، ومنها إلى أرضروم في تركيا ثم سيمر ثلثا خط الأنابيب عبر أراضي تركيا ومن ثم يعبر بلغاريا ورومانيا ثم المجر إلى منتهاه في محطة تجميع ضخمة في احدى مدن النمسا الحدودية ، وطول الأنبوب 2050 ميلا أو 3300 كيلو متر. إنه مشروع تحويل تجارة الغاز إذاً فمشروع نابوكو مشروع لتحويل تجارة الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى أوروبا دون المرور بروسيا وبتأييد من المفوضية الأوروبية ودعمها المادي وذلك بمنحة مالية لتغطية نحو 50 في المائة من تكلفة إجراء دراسة الجدوى التي تشمل تحليلات للسوق ودراسات فنية واقتصادية ومالية، التي أشارت نتائجها التي صدرت في عام 2004 إلى جدوى المشروع من الناحيتين الفنية والاقتصادية، غير أن مشروع نابوكو لم بر النور وتم تعطيله وإرجاؤه فترة امتدت إلى تاريخ توقيعه في عام 2009م وذلك لأسباب عديدة، تأتي في مقدمتها لعبة المصالح الكبيرة بين الجغرافية والسياسة والطاقة.

اوربا تدخل على الخط وتقرر ضرب تركيا من خلال اعاده توجية مصادرالخط وناقلية بما يتناسب مع سياستها الجديدة , ومن خلال خط غاز ساوث ستريم أو “السيل الجنوبي” -الذي تطمح روسيا لبنائه- دوره في تعزيز أمن الطاقة لدول جنوب شرق ووسط أوروبا في ظل الأزمة الأوكرانية الجارية والرغبة المشتركة بين موسكو وعدد من العواصم الأوروبية في إقصاء كييف كمعبر للغاز الطبيعي إلى قلب أوروبا. من جهة أخرى يتيح الخط لموسكو استعادة مجال نفوذها في قطاع الطاقة مرة أخرى في أوروبا, وهو الأمر الذي يجعل المفوضية الأوروبية تقف في وجه تنفيذ المشروع وسط اشتداد وتيرة الصراع في أوكرانيا.

لكن ذلك مقابل ماذا ؟؟؟ فرنسا خسرت نفوذها بليبيا بسبب السيطره التركية على مفاصل ليبيا صاحبة الخزين الستراتيجي النفطي صاحب اقل كلف للاســتراج.

مع ذلك, لا تقف بروكسل على أرض صلبة في نزاعها مع موسكو بشأن مدى اتساق مشروع الخط مع ما يسمى بحزمة التشريعات الأوروبية الثالثة التي تستهدف في جزء منها الحيلولة دون دفع أسواق الغاز الأوروبية للاحتكار وتحقيق قدر أكبر من الشفافية. ويكمن ضعف موقف المفوضية في أن العقد الذي تُصدر موسكو بموجبه الغاز لأوروبا عبر كييف (مع شركة نفطوغاز) ينتهى في عام 2019 في ظل استمرار عقود الغاز بين روسيا والدول الأعضاء في وسط شرق وجنوب شرق أوروبا (تعتمد مثلاً دول شرق وجنوب شرق أوروبا على الغاز الروسي بنسبة تتراوح بين 60 بالمئة و100بالمئة .

على هذا الأساس, بداية من يناير/كانون الثاني عام 2020, لن تصبح موسكو ملتزمة بتصدير غازها لهذه الدول عبر أوكرانيا. في ذات الوقت ليس هناك خط بديل يمكن أن ينقل الغاز الروسي.

فبناء خط ساوث ستريم -إذا تمت معالجة مشكلة الوضع القانوني المذكور- سيحتاج إلى وقت طويل يجعل أمن الطاقة للدول المعتمدة بصورة شبه كلية على الغاز الروسي في موقع ضعيف ما لم تتوصل كل من موسكو وبروكسل إلى تسوية فيما يتعلق بشرق أوكرانيا المتنازع عليه بشكل رئيسي.

العراق سوريا وايران

قد يكونوا لاعبين جددا بخط ساوث ستريم من خلال سياسة اوربا الجديدة والتي تبلورت بعد خروج بريطانيا والتحاقها بالمعكسر الامريكي ودعم ذلك زيارة الرئيس مكرون للشرق الاوسط ويحمل بحقيبته مشروع الشام الجديد.

مشاركة