زيتونة زيوس من ميثولوجيا الأغريق إلى الخرافات المدمرة

زيتونة زيوس من ميثولوجيا الأغريق إلى الخرافات المدمرة
سلوى جراح
شجرة الزيتون، أقدم ما عرفت الحضارات البشرية، إذ يقدر الباحثون عمر شجرة الزيتون بسبعة آلاف سنة. فقد عثر على أوراق الزيتون في قبر الفرعون توت عنخ آمون. شاعر الإغريق هومر وصف في ملحمتيه الألياذة و الأوديسه أغصان شجرة الزيتون المثقلة بالثمار، وجذعها الملتوي من توالي السنين على الشجرة المعتقة. الأغريق زرعوها قريباً من البحر، على انحدارات الجبال، واستعملوا خشبها لنحت التماثيل البدائية لآلهتهم، وتباهى الأثينيون بها وادعوا أنها زرعت لأول مرة في مدينتهم وأن الإلهة أثينا، مؤسسة مدينتهم، أصبحت راعية مدينة أتيكا بدلاً من إله البحر بوسايدون ، حين قدمت الزيتون لزيوس. بل تؤكد الميثولوجيا الإغريقية أنه حين أحرق الفُرس الغازون الزيتون المزروع حول معبد الأكروبوليس، في أثينا، عاد في اليوم التالي ينمو من جديد. الرومان جعلوا غصن الزيتون رمزاً للخير والوفر والمجد، فتوجوا به القادة المنتصرين في الحروب، وأبطال الرياضة في ساحات المنافسة. أما في الإنجيل والقرآن الكريم، فغصن شجرة الزيتون رمز للسلام والأمان حملته الحمامة إلى نوح، تبشره برسو الفلك إلى بر الأمان. هي زيتونة مباركة . زيت الزيتون كان مقدساً لدى الرومان لذلك، جعلوه طيباً لأجساد الأباطرة، وتكريماً للجسم الرياضي الذي يتفوق في المباريات، وأوقدوا به المشاعل في المعابد. وكان شاعرهم الشهير هوراس يعتبر الزيتون جزأً أساسياً من طعامه اليومي لأنه مغذ ولذيذ . أما الإغريق فلم يجدوا ما يصلح وقوداً للشعلة الأولمبية التي تخرج من جبل أولومبس موطن آلهتهم المقدس، سوى زيت الزيتون.
يقول علماء النبات والمتخصصون في الزراعة، إن شجرة الزيتون تقاوم الحر والبرد والعطش وحتى الحرق لذلك تعمر وتثمر لسنوات تتجاوز مئات السنين وهناك أشجار زيتون حول العالم يقدر عمرها بمئات السنين بعضها ما زال يثمر كل عام، وهناك بضع شجرات شهيرات تقدر أعمارها بآلاف السنين. فشجرة الزيتون قوية شامخة معطاءة تجيد المقاومة لكن كتب التاريخ لم تتحدث عن عامل جديد يفني أشجار الزيتون لم يعرفه تاريخ زراعة الزيتون من قبل اسمه الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنون المستوردون من بقاع العالم.
الزيتونة كما يدلعها زارعها في أرض فلسطين، تقاوم البرد والجفاف وحتى النار لكنها تموت تحت المعاول التي تقتطع أغصانها المثقلة بحبات الزيتون في موسم قطافها.
عدت قبل أيام من زيارة للأردن، وجاءت صديقة من رام الله تحدثنا عن موسم زيتون غني هذا العام وبررت موجة الحر الفجائية بقولها عشان يستوي الزتون . وأكدت أنه لا بد من مطر خفيف يأتي قبل قطاف الزيتون. وبالفعل أمطرت مطرة خفيفة وبقي الجو حاراً. غادرت عمان يوم الاربعاء الماضي، انتهت موجة الحر وحان موسم قطاف الزيتون، موسم الفرح بجني الثمار. وكان هو اليوم الذي هاجم فيه المستوطنون الأسرائليون قرية المغير في شمال غربي مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، وقطعوا مئتي شجرة زيتون. قطعوها بزيتونها الناضج وتركوا أشلائها تودع الارض التي لن تعرف لسنين رائحة الزيتون ولا موسم قطافه. المستوطنون أقاموا مستوطنة قريبة من القرية بنيت على أرض مسروقة وتحمل أسماً يتحدى كل القوانين والاتفاقيات الوهمية، عيدي عاد التي تعني بالعربية عدنا من جديد، عادوا من بقاع الارض ليقتلوا الزيتون في موسم قطافه، الزيتون الذي احترمته الحضارات الانسانية عبر العصور. عاد المارون بين الكلمات العابرة ليحرموا المزارع الفلسطيني من جني محصول عام كامل كان سيطعم أسرته ويوفر لأولاده فرصة الذهاب للمدرسة. أحد المزارعين المنكوبين اسمه رتيب نعسان جاهد لسنين للحصول من محكمة إسرائيلية على أوراق تثبت ملكيته للارض ثم زرعها باشجار الزيتون. قال لنفسه زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون . وهذا العام حين بدأ يستعد لقطاف زيتونه وجده ينزف على أرض البستان الذي ما عاد بستاناً بل أرض لا تصلح لأكثر من بناء مستوطنة جديدة.
الغريب أن البحوث العلمية التي أجريت مؤخراً على أرض فلسطين تؤكد وجود عشرات أشجار الزيتون المعمرة التي تتراوح أعمارها بين الف وستمئة والفي سنة. من أشهر هذه الأشجار شجرتان معمرتان في عرّابة وخمس أشجار في دير حنا في منطقة الجليل. ويؤكد العلماء أن أعمار هذه الشجرات السبع يصل إلى ثلاثة آلاف سنة أي أن المسيح عليه السلام أو أحد حوارييه ربما تفيأوا بظلها واكلوا زيتونها ومسحوا شعورهم بزيتها، أشجار لم تعرف البخل طوال عمرها المديد، فما زالت تطرح زيتونها كل عام.
قبل سنوات شاهدت على شاشة التلفزيون المشهد المتكرر، قطع أشجار الزيتون، في ذلك اليوم كان شارون قبل أن يدخل في غيبوبته التي لا يعرف عنها العالم شيئاً منذ سنوات، يشارك في الحملة. أحسست أني أريد أن أفعل شيئاً. اريد أن أحول غضبي إلى فعل مثمر. ذهبت إلى أقرب مركز لبيع نباتات الحديقة واشتريت شجرة زيتون صغيرة، بقيت في الأُص لعام ثم نمت. زرعتها في الحديقة الأمامية. هي اليوم شجرة زيتون وارفة الظلال تثير انتباه كل من يراها وتحمل حبات زيتون صغيرة سوداء لا تنضج ولا تصلح للقطاف. هي بعيدة عن البحر كما كان يقول الإغريق وفي أرض غريبة لكنها تنمو رغم ذلك ولن تقطعها الأيدي الغريبة بل إن قطع الأشجار في بريطانيا جريمة يعاقب عليها القانون. قد يعاقب القانون في اسرائيل قاطعي الأشجار ولكن ليس في حقول الزيتون الفلسطينية. هل أزرع زيتونة جديدة في حديقتي، رغم أني لن أتذوق زيتونها؟
لا أدري.
AZP09