زيارة بايدن وإنعكاساتها على الشأن العراقي – علي طه عبد الله الجميلي

زيارة بايدن وإنعكاساتها على الشأن العراقي – علي طه عبد الله الجميلي

اجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن إجراء زيارة إلى منطقة الشرق الأوسط بعد الدعوة التي وجهت له من الملك سلمان بن عبد العزيز، من المقرر إجرائها في(13-16 تموز القادم) بحسب ما أعلنه البيت الأبيض، وتتضمن الزيارة مناقشة العديد من الملفات الكبرى اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، وتتعلق تحديدًا بالدول العربية ودورها في مواجهة أزمة الطاقة العالمية، التي نتجت عن الحرب الروسية الأوكرانية وتهديدها للدول الأوربية، وما ترتب عنها من أثار خطيرة أدت إلى زيادة أسعار النفط عالميًا عما كانت عليه سابقًا، واليوم وصل سعر برميل النفط الواحد إلى أكثر من( 100 ) دولارًا أمريكيًا بعد أن شهدت أسعاره انهيارًا خلال أزمة كورونا، وهذا ما جعل المواطن الأمريكي والأوربي يعاني من ارتفاع أسعار المحروقات بعد أن وصل سعر الكالون الواحد من النفط في أكثر من خمسة دولارات.

ملفات كثيرة يحملها الرئيس الأمريكي في جعبته تتعلق بوضع إسرائيل في المنطقة وعلاقاتها مع الدول العربية ومسألة الملف النووي الإيراني والجماعات المسلحة في المنطقة المدعومة من النظام الإيراني، أما على المستوى العالمي فإن بايدن الذي هاجم النظام السعودي في أكثر من مناسبة أمام وسائل الإعلام العالمية، أدرك أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به المملكة العربية السعودية، لا سيما وأن الولايات المتحدة غارقة في ملفات خطيرة أخرى أبرزها صعود الصين والتهديد الروسي للحلفاء في أوربا والآثار التي تركتها أزمة فايروس كورونا على العالم، ومسائل أخرى كثيرة منها الاحتباس الحراري والتغيير المناخي.

أطراف القمة:

حضر قادة دول الخليج إلى القمة العربية الأمريكية، فضلًا عن عاهل الأردن الملك عبدالله والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لكل طرف من أطرافها أهداف ومصالح يسعى إلى تحقيقها، لكن يبقى الأبرز منها هو ما جاء على لسان رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي(نفتالي بينيت) الذي قال: ” …أن الزيارة ساعدت على دمج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط”، أما من جانبه وزير دفاعها الحالي فقد صرح : ” إن إسرائيل تريد حشد قوة إقليمية بإدارة أمريكية ضد إيران… مما سيعزز قوة جميع الأطراف الإقليمية….”، وهنا يتضح هدف الحقيقي للزيار(التطبيع وإيران)بعد أن كثر الحديث عن تحالف شرق أوسطي تدعمه المصالح المشتركة، وهو ما تطمح له حكومة تل أبيب، لأنه سيضم أغلب الدول العربية( مصر والأردن والمغرب ودول الخليج العربي)فضلًا عن دول عربية أخرى رحبت به بصورة غير مباشرة.

لماذا العراق:

يحتل العراق حيزًا كبيرًا في الاهتمام الأمريكي لأنه البوابة التي استطاعت من خلاله الولوج إلى المنطقة وتنفيذ مخططاتها وفق مصالحها الإستراتيجية، وهذا جاء واضحًا من خلال إعلان حالة الطوارئ (AUMF) الذي جدده الرئيس بايدن فيما يتعلق بالعراق، وقد علق عليه قائلاً:

” ….أن القرار جاء من أجل إعادة الإعمار وحفظ السلام وتطوير الإدارة السياسية والمؤسسات….”، وهذا يُعد تهديدًا حقيقيًا للأمن القوي الأمريكي، أن القرار ليس جديدًا فقد استعمله قبله الرئيسين (بوش وترامب) في العراق تحديدًا، الذي يعاني في الوقت الحالي الكثير من الأزمات سواء على المستوى السياسي وعدم تأليف حكومة على الرغم من مضي أكثر من ستة أشهر على إجراء الانتخابات النيابية، بسبب صراع الأطراف السياسية على الكثير من القضايا والامتيازات، وعلى المستوى الاقتصادي فإن الشعب العراقي يعاني من الفقر المدقع بطالة وتردي الخدمات وسوء التعليم وزيادةً في عدد نفوسه مع عدم وجود صناعة وزراعة وغيرها من الأمور التي يمكن أن تساهم في الدخل الوطني، والمستوى الأهم والأكبر(الأمني)الذي يؤرق الحكومة العراقية سواءً وجود السلاح لدى الكثير من الجماعات وحتى العشائر، كما يزال تهديد داعش قائمًا على الرغم من التقدم الذي تحققه القوات الأمنية العراقية في هذا الجانب.

يبدو أن الإدارة الأمريكية قد صحت من سباتها الذي غطت به ولم تكترث للمشاكل التي يعاني منها العراق خاصة والمنطقة عامة، لأنها المسؤول الأول والأخير؛ فهي التي احتلت العراق وحلت وزاراته ومؤسساته وجاءت إليه بنظام جديد يوافق تطلعاتها، لكن النتيجة كانت عكس ذلك، ولا يهمها سوى مصالحها ومصالح إسرائيل، وقد شاهدنا أنها خذلت السعودية في حرب اليمن والكثير من الملفات الأخرى، وتركت مصر تعاني من آثار ملف سد النهضة والحرب الوجودية التي تشنها أثيوبيا ضدها، ولم تقدم الدعم المطلوب للأردن الذي يعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية على حدوده مع سوريا وفلسطين والعراق، أما بخصوص دول مجلس التعاون الخليجي فإنها تركتها وحدها أمام التهديد الإيراني بعد أن سحبت الكثير من منظومات الدفاع الجوي منها وأصبحت في مرمى الصواريخ والطائرات المسيرة التي تطلق عليها من اليمن وغيرها مستهدفتًا منشآتها الحيوية؛ أما الآن فإن أمريكا شعرت بأهمية المنطقة بعد أن ظهرت روسيا بحلة المنافس الجديد، والصين التي أربكتها بقوتها الاقتصادية وسعيها نحو القطبية الدولية.

لقد سبق العراق زيارة بايدن بإجراء لقاءات مع مصر والأردن في آب 2020 والأخرى في شهر حزيران 2021.

ذات طبيعة استثمارية وأمنية مشتركة، أو ما عرف بـــمصطلح(الشام الجديد) ظاهريًا، لكنه ذو أهدف مصيرية مشتركة أبعد من ذلك، وتحاول الدول العربية مساعدة العراق وعودته إلى المسار الذي تريده ومن خلال الدخل في محورها الذي تدعمه الإرادة الأمريكية والغربية، حتى تتمكن من التغلب على واحدة من أهم العقبات التي كانت تقف في طريقها، لكن هل ما يزال يشكل تلك العقبة التي تعاني منها…؟!

الجواب هو، أبدًا، لأن العراق بلد أضعف مما يكون وهو شبه مقسم، الأكراد في جانب ولهم حلمهم الأزلي والسنة –الذين يسيرون خلف الإجماع العربي بجميع منعطفاته- في جانب آخر ولهم مشاكلهم التي ورثوها وتلك التركات التي عانوا منها بسبب القسوة الداخلية والخذلان الخارجي. ونعتقد أن الكرد والسنة لن يكونوا حجر عثرة في طريق أي مشروع إقليمي في المنطقة، ببساطة لأنهم لا يمتلكون ولا عنصر من عناصر القوة أو الضغط، حتى يمكنهم التأثير من خلاله؛ أما الشيعة، فلهم أوراقهم التي يمكن أن يشكلوا ضـــغطًا حقيقًا على المشاريع الإقليمية، لأنــــــهم يمتلكون السلطة في العراق ولبنان واليمن ولهم نفوذهم في سوريا وفلسطين، وعندهم جماعات مســــــلحة قوية تهدد الدول العربية التي تدعوا للتطبيع مع إسرائيل، وتقف إيران خلفهم داعمًا حقيقًا لما يخدم مشاريعها، وهذا ما شاهدناه وسمعناه من الكثير من قادتهم الذين يقفون بوجه هذه المشاريع ومن يدعو لها.

وفي حال لم تقوم الأطراف الداخلية العراقية بحل خلافاتها مع هشاشة الحلول المطروحة وغياب الوعي السياسي وسيطرة المصالح الشخصية، فإنه ينتظره الكثير من الأحداث والمتغيرات التي يمكن أن تؤثر على شكل النظام الداخلي، لأن الخارطة السياسية العالمية بدأت بالتغيير السريع وفق إرادة مصالح القوى العظمى.

مشاركة