زمان جديد ـ دستورنا الإسباني ـ عبدالكريم يحيى الزيباري

زمان جديد ـ دستورنا الإسباني ـ عبدالكريم يحيى الزيباري

الثورات السياسية عند أرسطو نوعان كتابة دستور جديد، أو تعديل الدستور الموجود. وإذا تغير السلطان» الدستور تغيَّر الزمان، انتقال من هوية إلى أخرى، خارج طابعها الأنطولوجي، استمراراً لبنية هويوية أقلُّ اكتمالاً وقوةً. منحنا البيت الأبيض دستوراً كالدستور الإسباني الذي قال عنه هيغل لقد أراد نابليون أنْ يعطي الإسبان دستوراً بصورة قبلية، ولكن ذلك نجحَ نجاحاً سيئاً… الدستور الذي أعطاهم نابليون، كان أكثر معقولية، من الذي كان لهم من قبل، ومع ذلك فقد لفظوه بشكلٍ غريب، لأنَّهم لم يكونوا مُكَوَّنين له، الشعب يجب أنْ يشعر أنَّ دستوره موافق لحقه ولشرطه، وإلا فبإمكان هذا الدستور أنْ يكون هنا خارجيا، ولكن لا يكون له معنى ولا قيمة، صحيح أنَّهُ كثيراً ما تتجلى في الفرد حاجة دستور أفضل، أمَّا أن تكون كل الكتلة مشبعة بهذه الفكرة، فهذا شيء آخر وهو لا يحدث إلا في وقتٍ لاحق هيغل مختارات ترجمة الياس مرقص ط2 1989 بيروت ج2 ص122.
العراقي يشعر حاجته إلى دستورٍ أفضل، إلى حياةٍ أفضل، قد يحدث هذا في وقتٍ لاحق، حين تتحقق حكومة أفضل، حكومة مؤسَّسات دائمة، لا حكومة طوائف ومِلَل متناحرة
يحلم الفرد في العراق أنْ يصيرَ سياسيَّاً، لأنَّ أثرياء البلد هم الساسة، لو كان للبرلماني معاشٌ مساوٍ لمعاش المعلم لَمَا أنفقت ملايين الدولارات في حملات انتخابية مشبوهة، لو كان البرلماني يعود إلى وظيفته القديمة كما في أوربا، لَمَا ترشَّح غير الرجل المناسب الذي يريد أنْ يخدم ولا يريد أنْ ينهب. المجتمع يتدهور حيث صارَ السياسي الكذَّاب واللص قدوة الشباب، لأنَّه حَقَّق الثراء السريع، لتظلَّ المسألة هي مَنْ هو السيد؟ مَنْ يُمسِكُ بالسلطة يمسك بصناديق الاقتراع، وسيحقق أعلى الأصوات.
قبل خمس سنوات، صَرَّح مصدرٌ أمني جَذِل بشرى نجاح عمليات تحرير رهائن كنيسة سيدة النجاة كان عدد الرهائن مئتين، قتل منهم أكثر من خمسين، وجُرِحَ أكثر من خمسٌ وستين، كطبيب يقول لذوي مريضهِ المنتظرين بلهفة العملية نجحت، لكن المريض مات. واستيقظَ الشعب بعد ثلاث عشرةَ سنة من نجاح العمليات العسكرية والسياسية
ستة مليارات دولار سنويَّاً معاشات جنود يحرسون ساسةً لا يقدمون شيئاً غير تصريحات ناريَّة تُشَدِّدُ على الانتماء الاثني الطائفي، كمفهوم لا علاقة له بكلِّ ما هو إنساني، كلمات، مجرد كلمات، كرصاصات طائشة غير مقصودة، تحتفظ بقابليتها على القتل، وتسييس رغبات وشهوات شخصية، تسييس القضاء والاقتصاد والتربية والتعليم والجهاز الإداري والإعلام وتشتيت الأجهزة الأمنية والجيش بتقسيمها كمكاسب لقادة الأحزاب. وكلُّ مسئول يحتفظ بملفات تدين مسئولين آخرين، بالإرهاب، بالفساد، يخفيها إلى وقت الحاجة، ليردَّ على مهاجميه.
كلُّ خطأ جديد، نتيجةٌ للخطأ الأول، ويتفاقم الشَّتات ويبلغ الصراع ذروته، تختفي العناصر المشتركة بين الناس، وتكتسبُ الاختلافات والتناقضات قوة استقلالية توليدية كطحلب يتخلل فجوات الخرائب، وتنمو الفجوة بين الواقع والوعي، وينقسمُ المجتمع على نفسهِ. قادة العملية السياسية اقتنعوا بأنَّ العراقي لم يرَ نفسه إلا في دائرة التعصب الاثني والتحزب السياسي، توعية خاطئة أهدرت دماءً بريئة وأموالاً طائلة، كلُّ خطأ صغير غير مُفكَّر بخطورته في هذا الزمن، يساوي في ضرره الفادح حرب الثماني سنوات في وجودها وتمثلها دماً مسفوحاً في شوارعنا، وتتراكم الأخطاء إلى ما لا نهاية. وفي أحلكِ الظروف صرَّح رئيس الحكومة العراق أكثر دول المنطقة استقراراً ثمَّ يحتفل بنجاحهِ في إعدام صدام حسين، ويحتفل كلَّ عام بهذا النجاح، ويمنُّ على الشعب بالحرية الحرية المقيَّدة بالضرورات الأمنية والاعتقالات العشوائية والشوارع المغلقة، وازدياد نقاط التفتيش، وسوء تصرفات بعض ضباط الجيش والشرطة مع المواطنين، نتيجة الضغوط التي يتعرضون لها، والإخفاقات الأمنية والاقتصادية وحجم الفساد.
العراق هو النار التي تحرقني، لكنني أنا العراق. إنَّهُ الخوف الذي يطاردني، لكنني أنا الثورة. إنَّهُ الفقر الذي يميتني، لكنني أنا الثروة.
AZP20