زمان جديد غن أغنيتك
عبدالرزاق الربيعي
عندما عرضت عليّ ادارة مهرجان مسقط السينمائي بدورته السابعة تسلم جائزة المخرج عمر فلاح بالانابة عنه لعدم تمكنه من حضور فعاليات المهرجان عن فيلمه الوثائقي القصير غن أغنيتك الذي فاز بالخنجر الذهبي للأفلام التسجيلية لم أكن قد شاهدت الفيلم لكثرة العروض،لذا اعتذرت ورشحت أكثر من اسم لكن ادارة المهرجان أصرت على ذلك، لذا حضرت الحفل الختامي وتسلمت الخنجر،ولم أكن أعرف لم نال الفيلم هذه الجائزة بعد دخوله منافسة شديدة مع أفلام لمخرجين عرب لهم باع طويل في الفن السابع، لكن الصديق عبدالله الشعيلي رئيس لجنة تحكيم الأفلام التسجيلية بالمهرجان حدّثني عن أهمية الفيلم الذي يعلي من شأن الغناء وهو يقف في مواجهة الموت والتطرف الذي تمارسه الجماعات الدينية وهي تكفّر كل من يتعاطى مع الفن والثقافة، هذا الرأي شجعني على طلب الشريط من ادارة المهرجان ومشاهدته، وهذا ما حصل، وكانت فرصة جميلة أتيحت لي للاطلاع على ثمرة من ثمار السينما العراقية الجديدة وهي تعالج مشكلات الواقع، بما يؤكد أن السينما العراقية وجدت في التحولات التي جرت في العراق بعد2003 مادة خصبة تستمد وهجها من دراما الواقع لقد وضع المخرج الشاب عمر فلاح يده على موضوعة مهمة من خلال عكس معاناة فرقة غنائية تقدم حفلاتها في الأفراح والمناسبات بمدينة الناصرية جنوب العراق وهي تواجه المتشددين الذين رأوا في الغناء صنعة يحكم على من يزاولها بالقتل فتضطر الفرقة الى اخفاء آلاتها الموسيقية وتحويل مكتبها الى محل لتزيين الأعراس ومع ذلك يتعرضون للضرب والمضايقات من قبل تلك الجماعات، ويضع المخرج لقطة معبرة حين يقوم أحد أعضاء الفرقة بتزيين احدى العربات ومن خلف الزجاج نرى مصحفا، ولكن الفرقة تواصل العزف والغناء في الأماكن البعيدة ويتحدث عازف العود عن اصراره على العزف في المحل ولكن بعد أن يتأكد من خلو الشارع من المارة وقت الظهيرة وكأنه يمارس عملا يستحق التجريم
ولكن الأغنية تستمر ويشارك رئيس الفرقة في مسابقة غنائية عربية ويتفوق ويغني في بيروت مؤكدا أن الغناء يقاوم الظلام والقهر وترتفع في أذني أغنية محمد منيرفي فيلم يوسف شاهين المصير الذي أنتج عام1997م
عل صوتك بالغنى لسه الاغانى ممكنة
ولو ف يوم راح تنكسر لازم تقوم واقف
كما النخل باصص للسما للسما
ولا انهزام ولا انكسار ولا خوف ولا ولا
حلم نابت ف الخلا ف الخلا
غنوتك وسط الجموع تهز قلب الليل فرح
تداوى جرح اللى انجرج اللى انجرح
وحين يسأل المخرج أحد أعضاء الفرقة لكنك فنان،ما العمل الذي تمارسه لو منع الفن؟ يترك السؤال بلا اجابة اشارة الى رسوخ الفن في حياة الانسان وكيانه لذا فهو ضد الهزيمة، ضد الفناء، وتتصاعد لغة المرارة حين يرفض مجلس ادارة محافظة بابل ادراج الغناء ضمن فعاليات مهرجان بابل وسط استنكار كبير
وقد برع المخرج عمر فلاح في شد المتلقي من خلال انتقالات الكاميرا عبر مشاهد قصيرة وقد وظف الأغاني والموسيقى الحزينة توظيفا ذكيا جاء ليعمق المشاهد وليضعنا في قلب الحدث لتكون الأغنية صانعة للحدث، تتقدمه، لا تقدم تفسيرا له، ويفتح كوّة للأمل فأحد أعضاء الفرقة يصرح في المشاهد الأخيرة من الفيلم أنه متفائل لكونه يستطيع حاليا المشاركة في المهرجانات لكنه بالوقت نفسه، كما يقول، ليست له ثقة بالسياسيين، ربما لأنهم لم يقفوا الى جانب أغنيته حين تعرضت للابادة، ويضع كل أمله في الأغنية التي أطلقها بوجه الموت .
غن أغنيتك التقاطة ذكية لمخرج شاب يؤسس مشروعا سينمائيا يعد بالكثير، تحمل دلالات كثيرة من مرحلة حساسة يمر بها الفن ليس العراق فحسب بل العالم العربي بأسره.
/4/2012 Issue 4172 – Date 12 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4172 التاريخ 12»4»2012
AZP20
RZRB