زمان جديد الشاعر أم المغنّي؟
عواد ناصر
في اللقاء الفضائي الأخير لصديقي الملحن كوكب حمزة ذكرني فيه بخير وقد أشاد بنص غنائي لي، وهو مشكور في الحالين تذكرني وامتدحني، لكنني صحت بوجهه صيحة عظيمة من مكاني أمام التلفزيون وأظنه سمعني وأنا أصرخ ولكن أين الأغنية يا كوكب؟
لا أنسى، طبعاً، إيميل من كوكب أرفقه بصورة لمغنية عربية، تاخذ العقل، على أنها ستغني أغنيتي، فأخبرته لو تحقق هذا فسأكرس بقية حياتي، على قلتها، لكتابة أغان لهذه المغنية فظيعة الجمال حسب الغزل العراقي ، رغم حقدي المهول على جمالها الساحر الذي زيد عقدي ألف عقدة جديدة.
بالمناسبة، كوكب أحد الفنانين النادرين الذين يقرأون الأدب وله صداقات حارة مع مبدعين عراقيين وعرب.
الفروقات شاسعة بين الشاعر والمغني. لا يمكن أن تحصى، لكننا يمكن نختصر ونكثف ونحذف، رغم ضيق الوقت، لنتحصل، أخيراً، على بعض الفروقات ولنبدأها بالشخصية
المغني شخصية لامعة من هامته حتى حذائه، متفائل، وسعيد بنفسه وجمهوره، فكل من يقترب منه هو معجب حتى أقرب أصدقائه، بل حتى زوجته.. بينما الشاعر شخص كئيب، حقاً أو افتعالاً، ومشكلجي وكل من يقترب منه عدو بهيأة معجب أو صديق، حتى أن صديقاً شاعراً نحت كلمة الأعدقاء ليطلقها على الأصدقاء.
المغني، دائماً وأبداً، رجل أعمال بإهاب فنان، فهو غني مالياً، وإن كان فقير الروح والثقافة، أما الشاعر فهو فقير، وكلمة فقير صيغة مخففة من متسول ولا أعني القليل النادر من الشعراء، من عشق وصبر فعف فمات.. مات شهيداً ، وكثيرون يعرفون أن الشعر، في السوق، يشترط المهارة والعيارة والشطارة، إلا من كان على خلق عظيم.
المغني شخص صحيح الجسم والعقل وكأن القول المأثور العقل السليم في الجسم السليم لم يطلق إلا على المغنين النوامين مبكراً والمستيقظين مبكراً، بخلاف الشعراء الحقيقيين الذين يقسمون يومهم إلا نصفين نصف نهاري للوظيفة والعائلة والنميمة والركض وراء لقمة العيش، ونصف ليلي هو زمن الشاعر الحقيقي حيث العزلة المنتجة أمام ملايين المرايا التي يرى فيها الشاعر أسئلته وسحنته وعذاباته وقلقه الأزلي على العالم وعلى نفسه.
يمكن للشاعر أن يغني، أو يؤدي أغنية ما، أو أكثر فيطرب جلسائه وبقية سامعيه، فيبدع ويشجي ويطرب، مظفر النواب، مثلاً، لكنني لم أر ولم أسمع مغنياً عراقياً، أو عربياً، تعاطى الشعر، أو قاربه، أو اقترب منه إلا كمن يقترب من كومة أفاعٍ، وبالجملة فإن المغنين، وأنا أعرف الكثيرين منهم شخصياً، لم يقرأوا في حياتهم قصيدة شعر ولا نطالب بالمستحيل ديوان شعر كامل، ومع ذلك يصرخون أزمة نصووووووووص .
كل أغاني المغنين تعاد وتستعاد في الإذاعات والفضائيات والكاسيتات ثم السيديات واليوتيوب والتويتر، وفي الحفلات والجلسات الخاصة وغير وسيلة ممكنة للرواج والانتشار، ولكن لم يحدث، مرة، أن استعادت صحيفة أو مجلة أو موقع إلكتروني قصيدة واحدة لشاعر مهما علا قدره وجل شأنه.. لماذا؟
ماذا يحدث لو نشر مسؤول صفحة ثقافية قصيدة جميلة لشاعر جميل، بلا مناسبة، وأول المعترضين سيكون رئيس التحرير ما المناسبة؟ هذا إذا لم يوبخ المحرر الذي تسودن فأعاد نشر قصيدة قديمة لشاعر جديد أو قديم.. هذه الفكرة ليست مني، بل هي لصديقي الشاعر صادق الصائغ الذي أمضيت معه جلسة دردشة في مقهي لندني، أول أمس، وكانت من أمتع الجلسات، لكلينا، لولا مشكلتي المتكررة مع الصائغ فهو يشرب الشاي وأنا أحتسي البيرة، عدا مشكلة عامة تخص قوانين الإنكليز التي تمنع التدخين داخل الأمكنة المغلقة.
يا جماعة، لا تأخذوا كلامي جديّات ولكن لكم أن تختاروا منه ما يعجبكم وارموا بالباقي إلى أقرب سلة مهملات، فالحكي بلا كمرك كما يقول العراقيون، خصوصاً حكي الشعراء.
/8/2012 Issue 4291 – Date 30 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4291 التاريخ 30»8»2012
AZP20