رسالة من أربعة جدران – نهلة الدراجي
لطالما قيل إن البيت هو الملاذ، لكن ماذا لو أصبح هذا الملاذ غير آمن ؟ ماذا لو تحوّل من مكان للدفء والحب، إلى مسرح لجرائم يومية تُرتكب باسم التربية.
يومياً ومن خلال البرامج التلفزيونية العراقية، تتكشف لنا بوضوح صور مرعبة عن مدى تفشي العنف الأسري، لا كحالات شاذة، بل كواقع يومي. قصص نساء هربن من بيوتهن خوفًا من القتل، وأخريات يُجبرن على الصمت لأن (الفضيحة) أخطر من الألم، وأطفال يعانون من صدمات نفسية سترافقهم مدى الحياة.
تُظهر التقارير الإعلامية والحقوقية أن العنف الأسري في العراق آخذ في التصاعد، مدفوعًا بتراكمات من الحروب، الأزمات الاقتصادية، وتفشي الثقافة الذكورية التي ترى في القسوة وسيلة للسيطرة، وفي الصمت فضيلة. في كثير من البيوت، تُمارس السلطة الذكورية كأنها حق إلهي، ويُخنق الصوت الأنثوي أو الطفولي .
التقاليد، تلك التي نغلفها بالقداسة، كثيرًا ما تكون السلاح الأول في يد الجلاد. العيب، الستر، (ما يصير تشتكين عيب، ما عدنا بنية تتطلگ سكتي و گعدي، اتحملي المرأة لازم تتحمل …)
كلها جُمل تُستخدم لخنق الضحية، وتغليف الجريمة بثوب من الحياء الزائف. وهنا تكمن الكارثة حين يصبح العنف مألوفًا، والجاني مُبررًا، والضحية متهمة.
من بين عشرات القصص التي نسمعها والتي تُعرض في البرامج التلفزيونية، لا تذهب من الذهن صورة تلك الفتاة التي احترق جسدها بصمت وتلك السيدة التي ماتت تحت وطأة الضرب، وذلك الطفل الذي هرب من منزله لأنه لم يعد يطيق العيش فيه، والكثير من هؤلاء الضحايا، هؤلاء وجوه لها أسماء، وأرواح كان يمكن أن تُنقذ لو كان هناك قانون يحميهم، أو مجتمع يقف إلى جانبهم لا ضدهم.
يجب وبصوتٍ عالٍ أن نعيد تعريف مفاهيمنا، أن نُربّي أبناءنا على أن الرجولة لا تعني السيطرة، وأن التربية لا تعني الإذلال، وأن الحب لا يُقاس بالخوف.
البيت يجب أن يكون وطنًا صغيرًا، لا ساحة معركة يجب أن يكون حضنًا دافئاً، لا قيدًا.