رسائل المطر لعذاب الركابي
رسائل شعرية في نصوص أليفة
د.حاتم الصكر
تجربة في الهايكو العربي هكذا يصف الشاعر عذاب الركابي ديوانه الأخير
رسائل المطر في عنوانه الجانبي. وهو كتاب ثان في التجربة ذاتها بعد مايقوله الربيع القاهرة 2005. سيجد القارئ المطلع على تجارب الهايكو في حاضنتها اليابانية، وكما ترجمت بعض نصوصها إلى العربية أن الركابي وفيّ لتقاليد الهايكو في نصوص أليفة تبدو بسيطة ومباشرة لمنْ لا يلمّ بتقاليد هذا النوع الشعريّ الموجز والمكثف، والمتمحور حول الفصول الأربعة،وما يصاحب الطبيعة من تبدلات تدعو للتأمّل الذي تسّرب لوعي شعراء الهايكو الأوائل من فلسفة الزن الصينية عبر البوذية، كما تطورتْ بنيتها أيضا فبولغ في اختصارها، ووصولها إلى بيت واحد أحيانا . لكنّ ما يقدمه الركابي يقترب من تراث الهايكو عبر حفاظه على كثير من شروطها؛ فهو لا يقحم ذاته في المشهد الموصوف بلْ يظل بعيدا، كما يمزج التأمل بالوصف، ويحشد مخلوقات الطبيعة من طير وشجر وماء وظلال وكواكب وسواها ليعطهيا أدوارابشرية دون تهويلات بلاغية أو فضاءات مجازية مرتفعة، ولكنه لايتوقف عند حد معين من الأبيات في قصائده، ويتجاوزها أحيانا إلى خمسة أوْ ستة.على المستوى التركيبي نرصد كثرة استخدامه للزمن الحاضر المجسّد في صيغ الأفعال المضارعة، وهو أحد شروط الهايكو التقليدية، رغم أنه يخرج على ذلك في بعض نصوصه التي يستغرقها الماضي المحيل على مستوى الدلالة لحاضر قائم. تذهب نصوص الركابي أحيانا لمساءلة الجمال الذي يحف به الخطر ككل شيء على سطح هذا الكوكب. لا تخفي» السنابل ضحكتها الإلهية» حتى لو لمع» منجل الحصاد حين»تكتب المخلوقات» تاريخها» تحزن الأشواك والعواصف لكن الركابي يراهن على صلته بكائنات الطبيعة التي تتقدم المشهد الشعريّ في لوحة ملونة مصغرة، ويراقب مع قارئه ما يرسل له من لوحات، فيقول عنها إن لغتها ليست بهرجا بلْ ثمرة شيء يغلي في الأعماق وجنين لغوي ينبغي أن نرشقه بنسمة . المقدمة القصيرة التي تماهت مع إيجازات الهايكو ولغته لمْ تقدم إضاءة كافية لطموح الركابي في مواصلة تجربته، ومدى إمكان الاقتصار على كتابتها إطارا لتجربته.وهو السؤال الذي يواجه كتابة الهايكو كتجريب نوعي متجدد رغم قدمه، إضافة لمجانية توزيع الكلمات في البيت الواحد أحيانا.والوقوع في رومانسية جديدة لا يتيح عصرنا الصاخب وإيقاعه المتغير تحققّها. وقد تتحول كائنات الركابي رمزيا وتتبادل الدلالة، فالعصفور مثلا في النص التالي ليس إلا شاعرا يمتحن العصفور حنجرته» باغنية قديمة» عند شباك عاشق ويستمر التدفق الشعري في ما يسمّيه الشاعر رسائل يكتبها المطر لما حوله من مخلوقات دعاء النبتة» تستجيب له» السماء الفيروزية» قطرا ولعل علامتيْ التعجب في خاتمة البيت الثالث تحمل دهشة القارئ أيضا من التحول الذي يخفيه ــ كما في نصوص الهايكو الشائعة الانزياح الدلالي في الخاتمة التي تلخص ــ في العادة ــ شعرية قصيدة الهايكو وحكمتها.
AZP09