فاتح عبدالسلام
الديمقراطيات الحديثة لم تصل الى ما وصلت اليه من تداول للسلطة، وهو بيت القصيد والقاسم المشترك للجميع، إلا بعد مخاضات وانكسارات، وتضحيات، وتغييرات، وتقلبات. وهذه الحقيقة يقتبسها بعضهم ويجعلها حجةً في المقارنة عند النظر الى حالة العراق والنظام الحاكم فيه منذ عقدين من الزمن، مرتدياً الثوب الديمقراطي، وتلك الحجة وسيلة تبرر اضطراب قياسات الثوب على مَن يرتديه.
وأصحاب المقارنة الجاهزة التبريرية لعبور مرحلة وعقبة ومسافة في عمر النظام السياسي، يتجاهلون النظر المقارن الى ما انتجته ديمقراطيات الدول الأخرى من تغيير بنائي في المجتمع بما يصنع له حضارة جديدة تسجل في سفر التطور التاريخي للأمم في القرنين العشرين والحادي والعشرين ، وعدم الركون الى منجزات أو أحداثيات فكرية لما قبل هذين القرنين، حين صنع أصحابُ صولجان السياسة في تلك السنوات البعيدة أشكال الدول التي تناسبهم وأنظمتها وهيئاتها، ولم تكن ملزمة للأجيال اللاحقة في تقليدها الاعمى والوقوع، في تكرار مقيت فترثها الاجيال كما هي بعيوبها ومشاكلها ومطباتها التاريخية.
إنّهم يستخدمون الديمقراطية في انتاج حضارة، هذا في تبسيط شديد يناسب التوصيف هنا.
ماذا ننتج في ارتدائنا ثياب الديمقراطية على أجساد تعشعش فيها عقول دكتاتوريات حزبية وطائفية وعرقية؟
لا يوجد «عقل سياسي» يعمل من اجل مصلحة الخريطة العراقية بكامل محيطها، لذلك يكون العمل ساقطاً في المحوريات التي تنتجها ظروف الطبقة الحاكمة في اللحظة ، ليس أكثر . هذا العقل السياسي المفقود لن يبلوره برلمان بأية صيغة ولد فيها، لأنه ليس سوى حاصل تجميعي لحالات منقسمة في ذاتها وتفكيرها وليست لها آليات اشتغال وإنتاج ذات رؤية عراقية متكاملة.
كل الاهتمام ينصب بسذاجة يقع فيها الجميع، على نوع نظام الانتخابات الذي يجيء بثلاثمائة وخمسة وعشرين نائباً يمثلون العراقيين في دورة من أربع سنوات، وقد نجحت لعبة الكتل الكبيرة في تعديل القانون بما يسمح لهم بالنفوذ المستمر، بحسب فهمهم الخاص لتفسير مفردة « المستمر». وهذا كله ليس جواباً على سؤال، ماذا تنتج الديمقراطية لدينا إذا لم تكن منبثقة عن مسارات ديمقراطية جزئية تصب في مجراها العام؟
ليولد النوّاب كما شاءوا من رحم سانت ليغو كما ولدوا ذات مرة، أو من رحم آخرى، فتلك تفاصيل المتقافزين في المشهد، الذين لن يجيبوا ماداموا على هذه الحال على سؤال: ماذا تنتج ديمقراطيتنا لجيل أو جيلين مقبلين وقد ضاع من عمر البلاد عقدان ثقيلان من الزمن؟
رئيس التحرير-الطبعة الدولية