ربطة العنق تعود بخجل في إيران

طهران‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬في‭ ‬متجر‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬طهران،‭ ‬اختار‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬ربطة‭ ‬عنق‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يشتريها‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القطعة‭ ‬من‭ ‬ملابس‭ ‬الرجال‭ ‬محظورة‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬حيث‭ ‬تُعتبَر‭ ‬رمزاً‭ ‬للانحطاط‭ ‬الغربي‭.‬‮ ‬

وقرر‭ ‬طبيب‭ ‬الأسنان‭ ‬هذا‭ ‬البالغ‭ ‬27‭ ‬عاماً‭ ‬شراء‭ ‬ربطة‭ ‬عنق‭ ‬لكي‭ ‬يتأنق‭ ‬ويحوز‭ ‬إعجاب‭ ‬ذوي‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتزوجها،‭ ‬في‭ ‬لقائه‭ ‬الأول‭ ‬معهم‭.‬‮ ‬‭ ‬وقال‭ ‬الشاب‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬البائع‭ ‬يعدّل‭ ‬له‭ ‬بذلته‭ “‬في‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬وضع‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ ‬أشبه‭ ‬بوضع‭ ‬الكمامة‭ ‬قبل‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد،‭ ‬إذ‭ ‬ينظر‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬صاحبها‭ ‬بغرابة‭ ‬وحتى‭ ‬سلبياً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحياء‭. ‬إنها‭ ‬مسألة‭ ‬ثقافية‭”. ‬وأضاف‭ “‬لن‭ ‬أضعها‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬لكني‭ ‬أجد‭ ‬أنها‭ ‬تضفي‭ ‬أناقة‭ ‬على‭ ‬الرجل‭. ‬سيستغرق‭ ‬الأمر‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬النظرة‭ ‬الحالية،‭ ‬لكنّ‭ ‬هذا‭ ‬التغيّر‭ ‬بدأ‭”.‬

يعرض‭ ‬هذا‭ ‬المتجر‭ ‬الراقي‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬على‭ ‬رفوفه‭ ‬تشكيلة‭ ‬من‭ ‬ربطات‭ ‬العنق‭ ‬المتنوعة‭ ‬الألوان،‭ ‬بينها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬القطن‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الصوف‭.‬

وقال‭ ‬نائب‭ ‬مدير‭ ‬متجر‭ “‬زاغروس‭” ‬‮ ‬محمد‭ ‬أرجمند‭ (‬35‭ ‬عاما‭)‬‮ ‬‭”‬نبيع‭ ‬نحو‭ ‬مئة‭ ‬منها‭ ‬شهرياً‭. ‬نستوردها‭ ‬خصوصاً‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬لكن‭ ‬بعضها‭ ‬مصنوع‭ ‬في‭ ‬إيران‭”.‬

وأوضح‭ ‬أن‭ “‬الزبائن‭ ‬يشترونها‭ ‬لوضعها‭ ‬في‭ ‬حفلات‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬عملهم‭”. ‬ولاحظ‭ ‬أن‭ “‬اثنين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عشرة‭ ‬أشخاص‭ ‬يمرون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحي‭ ‬يضعان‭ ‬ربطة‭ ‬عنق،‭ ‬وثمة‭ ‬عدد‭ ‬متزايد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬يعتمدونها‭”. ‬أما‭ ‬مدير‭ ‬مبيعات‭ “‬زاغروس‭” ‬علي‭ ‬فتاحي‭ (‬38‭ ‬عاماً‭)‬،‭ ‬فأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬الشابة‭ ‬الكردية‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭ ‬البالغة‭ ‬22‭ ‬عاماً‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬توقيفها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شرطة‭ ‬الأخلاق‭ ‬لانتهاكها‭ ‬قواعد‭ ‬اللباس‭ ‬الصارمة‭ ‬للنساء،‭ “‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭” ‬على‭ ‬مبيعات‭ ‬المتجر‭.‬‮ ‬‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أطاحت‭ ‬حكم‭ ‬شاه‭ ‬إيران‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬حظر‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الإيرانيون‭ ‬الذين‭ ‬تولوا‭ ‬السلطة‭ ‬بقيادة‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬روح‭ ‬الله‭ ‬الخميني‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬الخضوع‭ ‬للثقافة‭ ‬الغربية،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ذكّر‭ ‬تاجر‭ ‬طلب‭ ‬عدم‭ ‬نشر‭ ‬اسمه‭. ‬وشرح‭ ‬أن‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬الجديدة‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬الانحطاط‭.‬

ويرتدي‭ ‬الوزراء‭ ‬والدبلوماسيون‭ ‬وكبار‭ ‬موظفي‭ ‬الإدارات‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬رؤساء‭ ‬الشركات‭ ‬الحكومية‭ ‬تحت‭ ‬سترات‭ ‬بذلاتهم‭ ‬قمصاناً‭ ‬تكون‭ ‬أزرار‭ ‬ياقاتها‭ ‬مفتوحة‭ ‬أو‭ ‬مغلقة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬ياقة‭ ‬ماو‭. ‬وأشار‭ ‬المحامي‭ ‬مسعود‭ ‬ملابانة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬وضع‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ ‬ليس‭ ‬جريمة‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬لا‭ ‬وفق‭ ‬الدستور‭ ‬ولا‭ ‬وفق‭ ‬الشريعة،‭ ‬ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬الملبس‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬معينة‭ ‬كالتلفزيون‭”.‬

وغابت‭ ‬ربطات‭ ‬العنق‭ ‬من‭ ‬واجهات‭ ‬المتاجر‭ ‬طوال‭ ‬عقود،‭ ‬لكنها‭ ‬عادت‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الإصلاحي‭ ‬محمد‭ ‬خاتمي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1997‭ ‬و2005‭. ‬ولاختيار‭ ‬ربطة‭ ‬عنقه،‭ ‬حضر‭ ‬جواد‭ ‬برفقة‭ ‬والدته‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكتفِ،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ترتدي‭ ‬التشادور،‭ ‬بتشجيعه‭ ‬على‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬شرائها،‭ ‬بل‭ ‬طلبت‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬البائع‭ ‬تعليمه‭ ‬كيفية‭ ‬عقدها‭.‬‮ ‬وعلّقت‭ ‬هذه‭ ‬الموظفة‭ ‬البالغة‭ ‬50‭ ‬عاماً‭ ‬قائلة‭ “‬في‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الأوقات،‭ ‬سعى‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬ربطة‭ ‬العنق،‭ ‬والسبب‭ ‬الذي‭ ‬أعطيَ‭ ‬هو‭ ‬رفض‭ ‬أي‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬التغريب‭. ‬وكان‭ ‬حرياً‭ ‬أيضاً‭ ‬الغاء‭ ‬البذلات‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬اللباس‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬معتمداً‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬سلالة‭ ‬قاجار‭ (‬1794-1925‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬مستحيل‭ ‬طبعاً‭”. ‬وفي‭ ‬الشارع‭ ‬نفسه،‭ ‬لاحظ‭ ‬مهران‭ ‬شريفي‭ (‬35‭ ‬عاماً‭) ‬الذي‭ ‬يدير‭ ‬متجراً‭ ‬لعلامة‭ “‬بيار‭ ‬كاردان‭” ‬التجارية‭ ‬الفرنسية‭ ‬انجذاب‭ ‬الشبّان‭ ‬إلى‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ ‬التي‭ “‬تضفي‭ ‬هيبة‭”.‬

وشرح‭ ‬شريفي‭ ‬الذي‭ ‬علّق‭ ‬على‭ ‬الحائط‭ ‬صورة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬قرن‭ ‬لجده،‭ ‬الخياط‭ ‬كوالده،‭ ‬وهو‭ ‬يضع‭ ‬ربطة‭ ‬عنق‭ “‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬الشبّان‭ ‬لاختيار‭ ‬بذلة‭ ‬ونعرض‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يجربوا‭ ‬ربطة‭ ‬عنق‭”.‬‮ ‬‭ ‬وتكاد‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ ‬تكون‭ ‬إلزامية‭ ‬للإيرانيين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬السفارات،‭ ‬لكن‭ ‬معظمهم‭ ‬يخلعها‭ ‬عند‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتعرض‭ ‬للسخرية‭.‬

وقال‭ ‬صادق‭ (‬39‭ ‬سنة‭) ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬اليابانية‭ ‬في‭ ‬طهران‭ “‬أعقد‭ ‬ربطة‭ ‬عنقي‭ ‬عندما‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬السفارة‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬ألفت‭ ‬نظر الناس‭ ‬إذا‭ ‬وضعتها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭. ‬إذ‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يضعها‭ ‬أجنبي‭ ‬أو‭ ‬لديه‭ ‬اجتماع‭ ‬رسمي‭ ‬جداً‭ ‬مع‭ ‬أجانب‭”.‬‮ ‬‭ ‬ورأى‭ ‬أنها‭ “‬مسألة‭ ‬تتعلق‭ ‬بقواعد‭ ‬اللباس‭. ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬ليست‭ ‬مكتوبة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تبدأ‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬السفارة،‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬زملاؤك‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تضعها‭”.‬

مشاركة