رئيس الفراشين يسلم مفتاحاً خشبياً مذهباً كل عام لأقدم طالب في هندسة بغداد
مذكرات السياسي الكردي الدكتور إحسان شيرزاد
الزي الموحد لم يكن اجبارياً إنما توزع الأقمشة على الطلاب مرتين في العام لموسمي الصيف والشتاء ومخصصات الطعام مئة فلس يومياً لكل طالب.
كان موقع مبنى كلية الهندسة في باب المعظم، ويتكون من طابقين الطابق الارضي يضم غرف التدريس، وغرفا للموظفين، والمختبرات، وقاعة الحفلات، والمكتبة، اما الطابق الاول فيحوي القسم الداخلي. وكان طابعه المعماري متأثرا بالتراث المحلي البغدادي، ومشيدا من الآجر الاصفر الأنيق، صممه المعماري الانكليزي المعروف كوبر.
وفي كل عام تحدد سفرات علمية تطبيقية تخصصها الادارة لزيارة بعض المواقع التي فيها مشاريع ومنشآت هندسية، وبالأخص يتم تحديد مشاريع ري حقيقية لدراستها ميدانيا. وكانت الحويجة من المدن المرغوب في زيارتها، حيث كانت فيها مجموعة جيدة من المنشآت الهندسية في الري كالنواظم والبراسخ والجداول، والمنازل. وكنا نتدرب في دوائر الاشغال والري والمساحة خلال العطلة الصيفية ولهذه الناحية فائدة كبيرة جدا حيث يتم التدريب على الانظمة المستخدمة في مشاريع الري.
وفي الكلية مختبرات للفيزياء والكيمياء والكهرباء والري كنا نتدرب عمليا في معامل مدرسة الصناعة في البرادة والميكانيك والنجارة. وكنا نجري تجارب ابتدائية لنماذج المنشآت الهندسية التي تقوم بانشائها مديرية الري العامة لغرض الفحص والاشراف.
يتضمن القسم الداخلي غرفا للنوم مخصصة للاساتذة والطلبة معا ويسع 136 طالبا.
وكان مديره السيد سعيد فهيم، الذي تميز بولعه بمشاهدة الفلام سينمائية يوميا. كانت الغاية من انشاء القسم الداخلي توفير السكن الملائم للطلبة المقبولين من مناطق العراق المختلفة، وتهيئة الاجواء الدراسية اللازمة لهم. تميز النظام الداخلي في القسم بالانضباط والصرامة حيث كانت الابواب توصد في الساعة الثامن مساء، وكانت حياة الطالب تعتمد التنظيم في تحديد اوقات نومه ومأكله، وكان على الطلبة الحضور في اوقات محددة لإجراء عمليات التفتيش الدورية، كل ذلك عمل على تنظيم حياة الطالب بشكل جاد. وكانت مخصصات الاكل 100 فلس يوميا واصبحت 183 فلسا عام 1946.
لم تكن ساعات الليل كافية لتغطية متطلبات الدراسة، وفي يوم ما قررنا نحن الطلبة بالاتفاق مع الحارس، على ابقاء الانارة مدة ساعتين اضافيتين، مما سبب احالة عدد من الطلبة الى لجنة تحقيقية من قبل الاستاذ المشرف اميل ضومط، وقد صدر امر اداري بتأجيل الدراسة لبعض الطلبة مدة سنة ومن ضمنهم انا، ولكن موقف معظم الاساتذة في اللجنة التحقيقية كان بجانبنا وهكذا تم اغلاق الملف بعد ان نجحنا في تمديد ساعات الانارة حتى الساعة التاسعة ليلا.
كـنت وكيلا لمدير ادارة القسم الداخلي، وأساهم في الاشراف على نوعية الوجبات وغيرها من الامور المتعلقة بالادارة، وكان لدينا معطم خاص، بالقسم يديره طباخون مهرة في طبخة العدس، والفاصوليا اليابسة، وتميزت لائحة الطعام صباحا بالبيض والعدس والبربين، اما الوجبة الرئيسة فتضمنت الرز والفاصوليا او البامية وتتنوع بحسب موسم الخضار الى جانب اللحم والدجاج. وكان لدينا حصة من الحلاوة مرة في الاسبوع.
وفي أيام العطل كنا نستعد لحضور فلم سينمائي عالمي تاريخي او بوليسي وكنت من هواة الافلام البوليسية، كنا نشاهد هذه الافلام في دور سينما الزوراء، والحمراء وروكسي مشياً على الاقدام لتقليل النفقات، اما في مجال المسرح والتمثيل فكانت لدينا مجموعة من الطلبة تهوي التمثيل يديرها الفنان يوسف العاني.
لم يكن لدينا زي موحد، بل يتم توزيع اقمشة لخياطة الملابس المطلوبة مرتين في العام صيفي وشتوي، وفي العطل والمناسبات كنا نعمل على تنظيم واقامة الحفلات ذات العلاقة بتأسيس الكلية وما ميز دورتنا كدورة استثنائية هو عدم وجود عنصر نسائي معنا.
اللجان في كلية الهندسة
جمعية الاستهلاك التعاونية
كنت أحد اعضاء المراقبة في هذه الجمعية، مع كل من عزيز زكي فرج، وعبد الجبار رمو، وشاكر ابراهيم، وسعيد شندالة، وكان رئيس الجمعية نوري صديق شاويس. والغرض من هذه الجمعية تعليم الطلبة المبادئ التعاونية، وتعويدهم على ممارستها، وبث روح التعاون بينهم وتحسين حالتهم اجتمعياً واقتصادياً وتحقيقا لهذا الغرض كنا نقوم بـ
ــ اعداد وشراء الكتب والمطبوعات وانواع القرطاسية بالجملة، وبيعها لمنتسبي هذه الجمعية بسعر مناسب وتجهيزهم بالمأكولات.
ــ الاتصال بغيرها من الجمعيات التعاونية، والسعي الى تأليف اتحادات تعاونية.
ــ نشر المبدأ التعاوني واعداد المحاضرات لبث الروح التعاونية.
لجنة الرياضة البدنية
تشكلت عام 1944 فقد فازت بالجائزة الثالثة للالعاب الاولمبية لسنتين متتابعتين بين المعاهد العالية والجائزة الاولى للسباقات الفرقية، وكأس معالي نجيب الراوي لكرة الطائرة، وقد حصلت على الجائزة الاولى لكرة المنضدة في السنة الاخيرة من الدراسة. واستمرت ممارستي لرياضة كرة المنضدة اثناء تدريسي في الكلية، فقد كنت حريصا على ان اشارك في المهرجانات الرياضية سنويا.
لجنة الكتاب السنوي
تشكلت لجنة من خمسة طلاب، لتدوين وتسجيل نشاطات طلبة واساتذة كلية الهندسة في كتاب عام 1946 وقد تم اختياري رئيسا لتحرير الكتاب السنوي الاول لكلية الهندسة عُد الكتاب من اهم المصادر التعريفية لدراسة الهندسة في العراق آنذاك. وكان باشراف الاساتذة بهجت النقيب، وعبد الهادي صالح، ومجيد عبد الرزاق، وساعدني في تحرير الكتاب كل من عبد الرزاق مطر، وشاكر الاعرجي طبع 100 نسخة منه في مديرية المساحة العامة، ولم يصدر اي كتاب سنوي اخر للكلية الا بعد 25 سنة من صدور هذا الكتاب.
لجنة خدمات الصفوف والمختبرات
كنت مشرفاً للصف في كل المراحل الدراسية الاربع، وكان من اهم واجباتي الاستماع الى مشاكل الطلبة ومحاولة حلها، او نقلها الى العمادة، وكانت لي مهمة متابعة الغيابات.
قصة المفتاح الذهبي
كنا نحتفل في كل عام بمناسبة يوم الكلية، وفي احدى هذه الاحتفالات التي اقيمت لمناسبة مرور عشرين سنة على تأسيس الكلية، منح لي مفتاحها الذهبي الذي صمم من الخشب. كوني اقدم طالب في كلية الهندسة، واول خريج من الدورة الاولى. وقد سررت جدا بهذا الاحتفاء المتميز، واعتمدت هذه التقاليد على ان يقدم المفتاح اقدم فراش في الكلية.
أول.. أول.. أول
ــ أول عميد عراقي لكلية الهندسة د. داوود القصير.
ــ أول دورة تخرجت عام 1946 وبلغ عدد خريجيها 19 من حاملي شهادة هندسية عالية في اختصاص الهندسة المدنية، وكانوا كلهم من الذكور، وكنت احدهم.
ــ أول استاذة في الكلية ناثرة يوسف قسطو، تخرجت في الدورة العاشرة.
ــ أول دفعة للطلبة المقبولين في الكلية بلغ عددهم 70 طالبا.
ــ أول طالب ماجستير تخرج عام 1966 باختصاص الهندسة المدنية.
ــ أول طالب دكتوراه تخرج عام 1978 باختصاص الهندسة المدنية.
ــ أول طالبتين قبلتا في الكلية عام 1947 هما سعاد علي مظلوم وجوزفين.
ــ في قائمة المتخرجين والشهادات حملت رقم التسجيل الاول على الدفعة الاولى من الدورة الاولى عام 1946.
التجربة الامريكية
جامعة مشيغان» آن آربر
اختارت وزارة المعارف 20 طالبا للذهاب الى الولايات المتحدة للحصول على درجة الماجستير في مختلف الاختصاصات. اعتمد اسلوب توزيع الاختصاصات على قرار الجامعات الامريكية نسبة الى الدرجات والمؤهلات، وكنت احد المرشحين للحصول على درجة الماجستير وتم قبولي في جامعة مشيغان مع كل من عبدالمنعم عزيز، وموفق مجيد، وكمال ولي، ومأمون طالب.
غادرت بغداد في آب 1949 مع مجموعة من طلبة البعثة الى بيروت بالباص شركة نيرن ، التي كانت تتميز في حينها بانها افضل وسيلة نقل بري في العراق، وكان في توديعي في محطة الباص اخي علي ووالدتي التون، وكان الوادع صعبا. وقد وفرت دائرة البعثات لنا أوراقا رسمية تضمنت بطاقات السفر الى بيروت برا، ونيويورك بحرا.
بدأت الرحلة من بغداد الى بيروت عن طريق الاردن، واستغرقت ثلاثة ايام، امضينا اسبوعا كاملا في بيروت ننتظر انهاء معاملة تأشيرة السفر الفيزا ومكثنا في فندق رويال المطل على ميناء بيروت. وبعد ان استقلينا الباخرة توجهنا الى الاسكندرية واستغرقت الرحلة يومين. مكثنا في الاسكندرية يوما واحدا حضرنا مسرحية فكاهية لحسن فائق، بعدها تم تغيير الباخرة الى اخرى يونانية اسمها هيلاسي متوجهين الى نيويورك، حيث استغرقت الرحلة خمسة ايام.
/4/2012 Issue 4173 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4173 التاريخ 14»4»2012
AZP07