ذاكرة الذئب
لايزال صوت الطفلة يعلو بالبكاء قبيل انطلاق الباص الذي ينتظر سائقه اكتمال عدد الركاب فيه
والدها الذي يجلس بجوار والدتها يحاول إرضاء الصغيرة دون جدوى . اخذ يضجر من صوت البكاء ..اسكتيها..قلت اسكتيها . نظر إلى مقدمة السيارة حيث السائق يهم بالانطلاق مع صعود آخر راكب .
وقعت عينيه على خطوات مثقلة يتجه بها الراكب الأخير نحو المقعد الشاغر ،
ارتعد في مكانه وهو يطالع وجهه ،وأخذ يتمتم مع نفسه
نعم انه هو ..
ذلك الوجه يعرفه جيدا ،تأرجحت في رأسه ذاكرة الأيام ،
لبرهة من الزمن ما عاد يسمع حتى بكاء ابنته او تمتمات زوجته.
خيم عليه صمت المسافات ، ارتعب كثيرا وهو يطالع ذلك الوجه المثقل بالهموم ووجع الزمن ،
يطالع بذلك الوجه ماضيه الأسود ووجه تلك الفتاة التي ارتسمت بملامح الوجع على وجه ابيها،
تذكر الأيام الأولى لرؤيتها تلاصق والدها باسمة وهما يتجهان الى المدرسة الثانوية في الحي قبل ان تقع فريسة غرامه الخادع .
طافت برأسه الأيام والأحداث وكيف مزق أحلامها وحياتها ذئب الغرام قبل ان تتمزق إلى أشلاء حين ارتمت بنفسها أمام أحد السيارات المسرعة بعد ان اكتشفت خديعته ،
انهارت في لحظة وجع قاتل لتنهي حياتها الممزقة خجلا من ابيها.
لايزال يطالع وجه ابيها حين ارتعب في مكانه على صوت مكابح الباص الذي توقف لعبور الطلبة من أمام إحدى المدارس ،
نظر لبرهة إلى وجه ابنته قبل أن تقع عينه عبر النافذة على فتاة تلوح لأبيها والذي ينتظر خروجها من هناك،
ابتسم ابتسامة غامضة وعينه تدور باحثة عن كل التفاصيل الدقيقة في ذلك الطريق ويدون في مخيلته كل مايراه حيث سيصل بعد دقائق حيث محطته الأخيرة ومنزله ..قاطع أفكاره سائق الباص ..تفضلوا بالنزول
مؤيد جاسب الخالدي .- بغداد