ذاكرة

ذاكرة

 كنت أنتظر انتهاء العطلة، كما لم أنتظرها من قبل، كنت متشوقة لزيارتها لي كما لم أكن أبدا، أحاسيسي مختلفة تكتنفني، وحنين عارم يجرفني إليها، طول الوقت أترقب طرقات الباب، لم يشغلني عن الانتظار، لا اكتظاظ البيت بالضيوف والزوار، ولا الأعمال من طبخ لغسيل وكنس لتحضير صينية الشاي والقهوة…حتى ابني الرضيع لا يحظى بحقه في الرضاعة والعناية. صخب ضجيج…أطارد دخان القرع المربك لنفسيتي المتطلعة للأبواب وللوجوه الزائرة، كأنني أبحث بينها عن وجه أمي الحنونة، وعن ملامح أهلي الأعزاء، عن ضوء يعيدني لدفء الأحضان الرحيمة، يحرقني اللهب دون أن أجد لإطفائه إطلالة محياها الشافي.

كنا على أعتاب أيلول، وكانت السعادة تقترب من قلبي أو ربما أتوهمها خيط نور قادم، هي وعدتني أنها ستأتي لترافق ابني وترعاه مع بداية الموسم الدراسي إلى أن أجد مساعدة تهتم به في غيابي، لا يمكن أن تخلف وعدها، أكيد ستزورني وسنتجاذب الحكايات ونتناول المواضيع، سأستمد منها طاقة إيجابية تجعل السنة فاتحة نشاط وحيوية. الصيف ينسحب بتثاقل، وخطواتي تفقد توازنها من لفح الجمار التي افترشها طريقي. ها قد انتهت العطلة وانفرج الصبح على استعدادات تسحبني من قوقعة عالم كئيب، لا أحد يشعر بي، يحس بإنسانيتي، بحقي في هـنيهات راحة، من حقي في انزواء مع الذات، بعد سنة دراسية من العناء والتعب.  لا أفكر في الأسفار، ولا في استجمامات، فقط في سويعات أقضيها مع أهلي وأحبابي، مع أعز الناس في كوني، مع أمي التي كنت لها الابنة والأخت، العمة والخالة، الأم التي لم تشبع منها، والأب الذي لم تره أبدا.

كنت الصدر الذي يحتوي آهاتها، الآذان الصاغية، والقلب الحنون الذي يغرقها سعادة وحبا لحياة قست عليها كثيرا.

آه كم أفتقدها في غربتي الجديدة، كيف غادرتني جرأتي؟ كيف ابتلعت لساني؟ كيف رضخت لواقع مرير؟ أبعدني عنها، فغابت في صمت ذاكرة تنقشها في تلافيفها.

رحيمة بلقاس – الرباط

مشاركة