درس باهظ الثمن  – طالب سعدون 

درس باهظ الثمن  – طالب سعدون

قصة العالم مع فايروس كورونا تذكرنا بقصة النملة والفيل .. فالنملة على صغرها ، لها قدرة عالية على التحدي ويمكن  لها أن تنازل الفيل وتهزمه على ضخامته ، إذا ما تسللت الى  المنطقة الرخوة في دفاعاته وهي إذنه ، وعندها تكون قد أسقطت كل وسائله الدفاعية الاخرى  ، وما عليه غير أن يستسلم لها ويلفظ أنفاسه.

والعالم على كبر مساحته و تقدم علمه وما يملكه من تكنلوجيا متطورة وموارد وثروات  ضخمة دخل في منازلة كبرى مع كائن مجهري لا يرى بالعين المجردة واستنفر كل طاقته لهزيمته ، لكنه استطاع بخفة عالية ، وقدرة فائقة ، وحركة عجيبة أن يحرق مراحل التسلسل  في الهجوم ، وينتقل في مدة قياسية الى أعلى مراحل قوته ، و تجاوز الحدود وتحدى السيطرات  والامكانات البشرية والعلمية وجعلها حربا ضد العالم بقاراته السبع ، وكانت لها تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية عالمية خطيرة تتحمل تبعاتها  القاسية بالدرجة الاساس الشعوب الفقيرة ، أو التي لم تحسن  التدبير والادارة ، أو غرقت  بالفساد  ولم  تعر اهتماما للبناء واقامة بنية تحتية  تعين المواطن على تجاوز الظرف الصعب ، ولم تدخر القرش ليوم يعز فيه  .

حرب ليست ككل الحروب التقليدية تكون الجبهات القتالية ، أو المختبرات والعلوم أو الفضاء أو الاسواق والاقتصاد  والمال أو الاعلام  ميدانها ، بل العالم كله على اتساعه وبكل مجالاته  هو ساحة للمواجهة ، وجبهة أمامية للحرب الكورونية العالمية واجبرته  أن يغلق الباب  على نفسه وتحولت المدن الكبيرة التي  كانت تضج بالحياة   الى مدن  اشباح مرعبة تنتظر عدوا مخفيا يهجم عليها في أي لحظة .. فهي في حالة استنفار دائم لا تعرف الراحة وفي قلق ورعب مستمرين .

دكتاتور متجبر .. عطل الحياة  باكملها .. عند فقيرها وغنيها ، وأدخل الجميع في إقامة إجبارية في البيوت ، ومنع التجمعات والفعاليات الاجتماعية والرياضة وأقفل  الابواب على الدول  وعزلها ، وأغلق المنافذ الحدودية وعطل المدارس والجامعات وأفلس الشركات وهبطت الاسهم والبورصات  وفقد الملايين اعمالهم .. فالسياحة – وهي على رأس قائمة الخاسرين في هذه الحرب توقفت تماما في كثير من الدول – وستخسرنحو خمسين مليون وظيفة جراء تفشي هذا الوباء عالميا .. وقس عليها الكثير من الوظائف الاخرى في القطاعات المختلفة  بما فيها النفط – عصب الحياة ،  فقد انخفض  سعره ووصل الى أدنى مستوياته ، ولا تعلم هل سيوفر لقمة الخبز أم لا إن استمرت هذه المعركة اطول مما مقدر لها لا سمح الله  ..

ومع أن كورونا الجبار  دكتاتور لكنه عادل  في ظلمه .. لم يفرق بين عظمى وصغرى ، وملك ومملوك وأمير ومأمور وحاكم ومحكوم  ، ونجم ومغمور  ومثقف وجاهل وقوي وضعيف وأنثى وذكر  .. أطبق بخناقه على العالم وجعله في صمت مطبق  بعد ضجيج  عال وحركة لا تهدأ .

وكأي حرب..  تلعب المعنويات دورها في النصر أو الهزيمة .. فتجد فيها من تسلل الهلع الى قلبه ، والخزعبلات الى عقله والشك الى يقينه ، ليكون صيدا سهلا للنصابين والمتلاعبين  ، يقابل ذلك هناك من يملك معنويات عالية  وثقافة راقية في التعامل مع الحالة ، وخفة دم لطيفة ، فراح وهو في خضم المنازلة ، يتداول النكتة والمواقف الطريفة  والمقالب والصور والفيديوهات عن كورونا ..

وكما في أي مأساة .. تظهر العواطف وتتجلى المواقف أيضا.. فما أن فتح  باب التبرع تبارى المتسابقون في فعل الخير والعطاء بما يضمد جراح  المتضررين من تلك الحرب .. وهم بالتأكيد أكثر بكثير من تجار المأسي والازمات والحروب ممن يرفعون الاسعار أو يخفون  المواد ، وكأن المصائب فوائد لهؤلاء ممن أعطوا للضمير إجازة ،  استغلتها نزعة الطمع ..

في الازمات تظهر قوة الحكومات ومستوى علاقتها مع الشعوب والتعاون فيما بينهما لمواجهة العدو ، وتعرف درجة هيبة القانو ن والانضباط  والوعي  والوطنية ..

في الكوارث والازمات يعرف المواطن قيمته الحقيقة عند الدولة ، وماذا هيأت له عند المصائب ، عندما تتعطل الحياة  وتشح الموارد والامكانات ، لانه ليس له غيرها سدا يحميه ورصيدا في محنته وذلك عندما تستنفر طاقاتها وعناوينها  لتجاوز الازمة ، فيكون الرئيس في الصف الاول لادارة الازمة ويسهر على سلامة الارواح  وتوفير ما يحتاجه  المواطن من مستلزمات ضرورية تساعده على العيش وتجاوز الازمة .. عندها يعرف هل هو في  في ظل الدولة الظليل أم لا .. وهل هو بايد أمينة  تبعث الامل في نفسه والثقة بعبور الازمة منتصرا ام العكس ..؟

النجومية في جبهات القتال العسكرية للجندي الشجاع  فهو النجم الحقيقي  في المعركة ، لانه يقدم أغلى ما يملك لحماية  سيادة الوطن والعرض والارض وما عليها ..

وفي هذه المنازلة مع كورونا اختفت نجوم وتألقت اخرى فكانت النجومية الحقيقة  هذه المرة للعالم ، والطبيب والملاكات الصحية والعلمية والساندة  دون منافس وبحق واستحقاق ..

معركة أظهرت العالم كم هو ضعيف ، وأن قوته الحقيقية ليست في الترسانة النووية ، ولا في البوارج الحربية والقوة العسكرية بل في الانسان وفي ما توفرله  من خدمات  متطورة تحافظ على حياته ..

ظهر العالم بما فيه المتطور أنه يعيش أزمة صحية حقيقية وأنه يعيش ليومه ، ولا يفكر بغده  ، وأنه مغرور بما يملك من قوة  ليس لها مكان في هذه  المعركة فقد إكتشف  أن  الانسان  يحتاج الى اجهزة تنفس صناعي اكثر مما يحتاج القنبلة والمدفع  والنووي ،  وانه بحاجة الى وعي عال  ودرجة عالية من  الانسانية  والروح التضامنية على مستوى الكرة الارضية  في التعامل مع الازمة لكي يخرج منها بسلام ..

ولعل العالم استوعب هذا الدرس باهظ الثمن   …

             { { { {

كلام مفيد :

لا تحتقر كيد الضعيف فربما

تموت الافاعي من سموم العقارب

مشاركة