درس الإنشاء

درس الإنشاء
عوّاد ناصر
كان درس الإنشاء، وما يزال، أصعب الدروس التي يتلقاها التلميذ حتى تخرجه من الجامعة
كل الدروس التي يتلقاها التلميذ دروس تملى عليه من معلمه أو يقرأها في كتاب عدا درس الإنشاء الذي عليه أن ينشئه هو، أي على التلميذ، نفسه، أن يعد موضوعه على الورق، معتمداً على نفسه في اختيار لغته وأسلوبه وهدف إنشائه .
بل إن درس الإنشاء في مدارسنا صعب حتى المعلم، أو أغلبية المعلمين، لفقر ثقافتهم العامة وركاكة لغتهم وضمور خيالهم، وكلنا نتذكر تلك العنوانين التي تتكرر في صفوفنا ومدارسنا، حتى لو انتقلنا من مرحلة دراسية إلى أخرى، مثل الفقير في العيد أو صف سفرة مدرسية أو فوائد المطر … إلخ.
لا أنسى أستاذي في درس اللغة العربية الصف الثالث المتوسط طيب الذكر، الكاتب والناقد، عبدالإله أحمد، المحاضر في المتوسطة الجعفرية المسائية بين ساحة الوثبة شارع الجمهورية عندما أوضح لنا معنى درس الإنشاء بقوله لا أريد ثرثرة لا معنى لها، أو تكتبون ما تعتقدونه يلائم رأيي أو مزاجي.. الإنشاء هو أن تكتبوا ما تعتقدونه، وأن يكون لكل طالب وجهة نظر في الموضوع المطلوب .
كانت كلمات أستاذنا كبيرة على أذهان غالبيتنا وغريبة على مدارك أكثر تلاميذ الصف، عدا طالب أو طالبين تفوقا على أقرانهما الباقين فكتبوا إنشاء استوقف أستاذهم وحظي باهتمامه من بين حوالى أربعين طالباً في الصف.
لم تكن في مدارسنا، منذ وقت بعيد، تقاليد للكلام والحوار والابتكار، أي ذاك المناخ الذي يشجع الطالب على التعبير عن نفسه بحرية وطلاقة وثقة، فمجمل العملية التربوية والتعليمية تقوم على الحفظ والتلقين والدرخ، والطالب الدرّاخ يحظى بالدرجات الأعلى طبعاً، حتى وإن لم يفهم شيئاً مما درخ .
ومثل كثيرين غيري لا أتذكر أن ثمة غرفة مكتبة في مدرستي منذ الصف الأول الابتدائي حتى تخرجي من معهد إعداد المعلمين بغداد سنتان بعد الإعدادية .. إنها الغرفة بمثابة ورشة صغيرة لتصنيع الأفكار وتفتيح أذهان التلاميذ على الثقافة والمتعة خارج إطار الدرس الرسمي الذي هو، عموماً، جاف وممل.
في العراق، علينا التفكير بما هو أهم وأكثر إلحاحاً، اليوم، هو بناء مدارس لائقة للأطفال.. أدرك هذا، لكن مدرسة بلا مكتبة مثل بيت بلا طعام.
يمكن أن نلحظ أن الطفل الأوربي لا يتعثر في الكلام ولا يتأتئ ولا يتردد أثاء الكلام، فهو يعبر عن أفكاره بسلاسة وطلاقة وثقة، بخلاف الطفل العربي، الذي تستمر معه التأتأة والتعثر وعدم الترابط في الكلام حتى سنوات متأخرة من حياته.
قرأت تقريراً على موقع BBC حول التعليم يقول
يعطي خبراء التربية والتعليم مكانة خاصة لـ غرفة المكتبة لأنها المكان المفتوح على المعارف العامة والمتعة القرائية، كما يؤكدون على الاهتمام بالمعلم العنصر الأساس بين عناصر التعليم الأخرى، وضرورة الاهتمام بإعداده ومنحه الراتب المجزي والعيش اللائق.
يقول مايكل باربر المستشار التعليمي الأول لمؤسسة بيرسون إن الدول الناجحة في هذا التصنيف توفر للمعلمين مكانة عالية، ولديها ثقافة تتعلق بأهمية التعليم.
كما تقول الدراسة أيضا إن الإنفاق على التعليم هو إجراء سهل، لكن الإجراء الأصعب هو نظرة المجتمع للتعليم والتي يمكن أن تحدث فرقا كبيراً .
درس الإنشاء في مدارسنا درس شاغر في أحيان كثيرة، بينما هو على غاية الأهمية ليس لأنه يعلم الطلاب الكتابة الأدبية، حسب، أو يعدهم ليكونوا أدباء ، فهو يهيئ الطالب للمستقبل مهما كان تخصصه العلمي ليساعده على التعبير السليم في أي جانب من المعرفة اللاحقة.
AZP09

مشاركة