داعش والفصل السابع
عبد الحسين شعبان
في تطوّر خطير على الصعيد القانوني والدبلوماسي تبنّى مجلس الأمن الدولي قراراً ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، قضى بموجبه قطع مصادر التمويل عن مقاتلي ” الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) ومنعهم من تجنيد المقاتلين الأجانب. ونصّ القرار رقم 2170 الصادر في 15 آب (أغسطس) 2014 الذي تقدّمت به بريطانيا على إدراج 6 أسماء من القيادات الإسلاموية المتطرفة الخاصة بتنظيم “القاعدة” إضافة إلى الشخصيات المموّلة لتنظيم ” جبهة النصرة” في سوريا، على لائحة العقوبات الدولية، وتجميد ممتلكاتها ومنعها من السفر بمن فيهم الناطق باسم تنظيم ” الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) المدعو أبو محمد العدناني.ويعتبر القرار رقم 2170 أوسع إجراء تتخذه الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمواجهة مقاتلي داعش، وذلك بعد أكثر من شهرين على احتلالها للموصل وتمدّدها في العراق في محافظات صلاح الدين والأنبار وأجزاء من كركوك وديالى، إضافة إلى مناطق واسعة من سوريا كان آخرها السيطرة على مطار الطبقة وعلى محافظة الرقة بالكامل واحتلالها نحو 40 قرية في محافظة الحسكة وبالقرب من الحدود التركية، ووضع يدها على حقول نفط ومصاف استخدمتها لبيع النفط بالسوق السوداء والحصول على تمويل هائل، حتى إن واشنطن تعتبرها الآن أغنى منظمة إرهابية في العالم.وكان القرار 2170 قد صدر بعد هول الأعمال الوحشية ومحاولة محو مجموعات ثقافية ودينية بالكامل على أساس ديانتها ومعتقداتها، كما حصل بالنسبة للمسيحيين والإيزيديين والشبك والشيعة والتركمان في تلعفر، ناهيكم عمّا لحق بالسنّة الذين يشكلون غالبية ساحقة في المحافظات المذكورة في إعلاه، إضافة إلى بعض مناطق حزام بغداد، من إساءة حقيقية وذلك حين طالبتهم دولة الخلافة المزعومة بالولاء وبالبيعة، مثلما طالبت أتباع الديانات والمذاهب الأخرى الدخول إلى ” إسلامها” أو دفع الجزية أو الرحيل، وإلاّ فإن شبح الموت يخيّم عليهم، ولذلك اضطرّ عشرات بل مئات الآلاف من السكان من مختلف التكوينات القومية والإثنية إلى الهجرة والنزوح في لحظة انقطاع تاريخية، لم يسبق للعراق أن مرّ بها، ناهيكم عن تعرّض المئات إلى القتل العشوائي والإعدامات بالجملة، والنساء إلى العنف الجنسي والاغتصاب وكذلك الأطفال، وإذا أضفنا إليهم من نزح من محافظات الأنبار وصلاح الدين، فقد يصل الرقم إلى مليون و800 ألف نازح خلال أشهر قليلة .وطلب قرار مجلس الأمن من جميع الدول الأعضاء ” اتخاذ الإجراءات على الصعيد الوطني لتقييد تدفق مقاتلين إرهابيين أجانب يلتحقون بصفوف ” الدولة الإسلامية” و” جبهة النصرة”، وأدان القرار أي تعامل تجاري مباشر وغير مباشر مع هذين التنظيمين أو الجماعات المرتبطة بهما.وهو ما كان محطّ بحث في مؤتمر باريس للتصدي للارهاب الدولي، خصوصاً بعد إعلان الرئيس أوباما عن التوجه الأمريكي لبناء تحالف دولي يضم 40 دولة لمواجهة تنظيم الدولة “داعش”، وقبل ذلك في مؤتمر جدّة الذي سبق مؤتمر باريس بأيام.جدير بالذكر أن الإشارة إلى الفصل السابع الخاص بالعقوبات وتحديداً في المادة 39-42 وصولاً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بحق الدفاع عن النفس، تعني اللجوء إلى جميع أشكال العقوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى العقوبات العسكرية، أي استخدام القوة بهدف تطبيق القرار 2170، الأمر الذي قد يدفع تطور الأمور إلى القيام بعمليات عسكرية واسعة وحتى وإن بدأت بعض العمليات حالياً، فإنها ظلّت محدودة، حيث لا تزال داعش تسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا وتتحكم بمنطقة جغرافية كبيرة ومتصلة وتشمل عدداً من محافظات سورية وعراقية، وتحاول داعش القيام بمهمات إدارتها طبقاً لقوانين وأنظمة جديدة وطارئة وضعتها بعد هيمنتها على هذه المناطق.لقد كانت قضية التدخل العسكري ولا تزال تثير جدلاً واسعاً حول ” الحق في التدخل الإنساني” أو لأغراض ” إنسانية”، لاسيّما بحدوده ومداه وسلطة اتخاذه ، خصوصاً بملابساته ومضاعفاته الخطيرة، كما حصل في كوسوفو العام 1999 والعراق العام 2003 وليبيا العام 2011 وغيرها، وهو الأمر الذي دفع نائب السفير الروسي بيتر ايليتشيف في الأمم المتحدة للقول أن القرار لا يعتبر موافقة على الشروع بعمل عسكري. وهي المسألة التي بدأت روسيا تتخذ منها موقفاً متشدّداً، ولاسيّما بخصوص سوريا، وذلك في عهد الرئيس بوتين، وذلك بعد التجربة الليبية وقبلها التجربة العراقية.لكن القرار على أية حال سيشكّل إطار قانونياً دولياً جديداً يضاف إلى قرار مكافحة الإرهاب الدولي، ولاسيّما القرار 1368 الصادر في 12 أيلول (سبتمبر) 2001 والذي صدر بعد يوم واحد من أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية الإجرامية التي حصلت في الولايات المتحدة، والقرار 1373 الصادر في 28 أيلول (سبتبمر) من العام ذاته وهو من أخطر القرارات الدولية، حين أعطي الحق باستخدام القوة إذا ما شعرت الدولة أنها مهددة بخطر إرهابي وشيك الوقوع أو محتمل، والقرار 1390 الصادر في 16 كانون الثاني (يناير) 2002 الذي فرض التزامات وعقوبات على الدول للتعاون بصدد مكافحة الارهاب الدولي، وهو الأمر الذي استغلّه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بشأن شن الحرب على العراق، بل التلويح بأن الارهاب الدولي يمكن أن يشمل 40 بلداً و60 حركة بما فيها أطراف في حركة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يُطلق عليه ازدواجية المعايير والتوظيف السياسي لقرارات الأمم المتحدة. جدير بالذكر أن القرار حدّد أسماء الإسلامويين الستة الذين فرض مجلس الأمن العقوبات عليهم، ولكن لم يكن أبو بكر البغدادي قائد تنظيم داعش والخليفة المنصّب من قبلها ضمنهم، بل كانت الفضيحة كبيرة حين تم اكتشاف أن اسمه غير معروف، وليس هناك مادة أرشيفية موثقة عنه، وهو يعني تقاعس الجهد الاستخباري العالمي، ولاسيّما للقوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة .أما الأسماء الستة فهي :
1- عبد الرحمن محمد ظافر الدبيسي الجهني (مبعوث القاعدة إلى سوريا) وهو مطلوب في المملكة العربية السعودية والتحق بالقاعدة في سوريا العام 2013.
2- حجاج بن فهد العجمي وهو أحد مموّلي جبهة النصرة، وقد سبق أن أدرج اسمه على لائحة المطلوبين وكان ينتقل بين الكويت وسوريا لجمع الأموال.
3- أبو محمد العدناني واسمه الحقيقي طه صبحي فلاحه من مواليد حلب العام 1977(وهو الناطق الرسمي).
4- سعيد عارف، وقد ولد في الجزائر وهو من المسؤولين عن تجنيد المقاتلين الأجانب، ولاسيّما من الفرنسيين للقتال في سوريا، وقد سبق وأن حوكم في فرنسا وحكم عليه العام 2007 بإدانته بالارهاب واستطاع الفرار 2012 والتحق بتنظيم جبهة النصرة.
5- عبد المحسن عبدالله ابراهيم الشارخ، وهو مدرج على لائحة الارهاب الدولي.
6- حميد حمد العصي، وهو من المتهمين في جبهة النصرة ودولة الخلافة حالياً.
لقد كان سقوط الموصل المفاجئ بيد تنظيم داعش الارهابي وتقدّم دولة الخلافة بعد أسابيع باتجاه كردستان وأربيل تحديداً، ناقوس خطر جديد لدول المنطقة، إضافة إلى الولايات المتحدة، وقد سبق لإيران أن أعلنت استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة للتصدي للارهاب ولتنظيم داعش، لكن جون كيري وزير خارجية واشنطن نفى أية عملية تنسيق مع طهران، كما استبعد أي تعاون مع النظام السوري بوجود الرئيس بشار الأسد. وإذا كانت واشنطن قد قرّرت عبر الكونغرس استخدام القوة العسكرية، ولاسيّما سلاح الجو الأمريكي، لتوجيه ضربات محددة لمواقع داعش، وخصوصاً طائرات من غير طيار، فإن الرئيس الأمريكي ينتظر في نهاية شهر أيلول (سبتمبر) 2014 ترؤس جلسة خاصة في مجلس الأمن، ولاسيّما بعد صدور القرار 2170، مخصصة للبحث في كيفية مواجهة خطر الإرهابيين الأجانب الذين يلتحقون بالتنظيمات الإسلاموية في سوريا والعراق، بعد أن أبدى مرونة عاليه حين طلب من تنظيم الجيش السوري الحر مقاتلة داعش، الذي يواجه الجيش السوري النظامي، كما أكّد على دعم المعارضة السورية ” المعتدلة” كما أسماها.ويشارك الرئيس أوباما في نيويورك بقمة حول المناخ يحضرها العديد من رؤساء الدول والحكومات أو من ينوب عنهم. وقد لفتت واشنطن إلى خطر الإرهابيين البالغ عددهم نحو 12 ألفاً، إلى دور الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي التي وفّرت للمجاميع الإرهابية وسائل غير مسبوقة لنشر آيديولوجيا التعصب والتطرف والحقد والكراهية وتجنيد عناصر جديدة.وتتنازع واشنطن ستراتيجيتان الأولى: خطة طويلة الأمد في الشرق الأوسط وهو ما صرّح به الرئيس أوباما، والثانية خطة للتعاون الإقليمي وذلك ما جاء على لسان ماري هارف (المتحدثة باسم وزارة الخارجية)، يمكن أن تكون فعّالة على هذا الصعيد، خصوصاً وأن الرياض أصدرت قراراً بتجريم وملاحقة داعش باعتباره تنظيماً إرهابياً وجدّدت دعوتها بدعم مركز دولي بحثي لمكافحة الارهاب الدولي، وهو الأمر الذي يجعل موضوع التفاهم الأولي الأمريكي- الإيراني بشأن الملف النووي مقدمة لإمكانية حلحلة ملف التفاهم الخليجي- الإيراني، وذلك للخطر المشترك، ويمكن للأمم المتحدة أن تكون الإطار الذي تتلاقى فيه المصالح المشتركة، خصوصاً وأن خطر الارهاب الدولي يهدّد الجميع، وعليهم التعاون للقضاء على هذا السرطان قبل أن يستفحل في جسد المجتمع الدولي.
{ باحث ومفكر عراقي